خبر : في الطريق إلى المؤتمر الدولي للسلام (4): المزاج العالمي ...حسين حجازي

السبت 24 سبتمبر 2016 09:04 ص / بتوقيت القدس +2GMT




إن الدلالة الوحيدة ويجوز أن نصفها بالدامغة هنا، أي غير المشكوك بها والتي يمكن تسجيلها على هامش هذا الاجتماع الصاخب لدورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الواحد والسبعين، إنما تكمن في حقيقة انه بالرغم من الانشغال العالمي في المقام الأول بالأزمة السورية، إلا أن هذا الانشغال لم يؤد إلى إضعاف الاهتمام العالمي بصورة مقابلة بالأزمة الأم في هذا الشرق. ومقارنة على الأقل بالاجتماع السابق العام 2015 لتوضيح هذا التحول في الموقف الدولي، عشية الاستحقاق الكبير المتمثل بعقد المؤتمر الدولي، فإن شبه الغياب او الفتور الذي ميز الخطابات في المرة السابقة، كان على النقيض هذه المرة.
وهي الكلمات التي يمكن النظر إليها الآن على انها القصاصات الورقية او البطاقات، التي تؤشر الى وجهة السفر. وبهذا المعنى فإن الاجتماع الذي لا يزال منعقداً في نيويورك حتى كتابة هذه الكلمات، تمثل في هذا السياق الذي نحاول إعادة تركيبه، العلامة الأقوى على الإجماع العالمي الآخذ في التبلور لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، الذي باتت أيامه معدودة. وولى زمانه اذا كنا اليوم بإزاء إدراك عالمي بضرورة التحرك غير المسبوق لحل القضية الفلسطينية أم القضايا كلها، التي يحاول العالم حشد كل جهوده في التصدي لتحدياتها. وقد كان واضحاً من على منبر هذه الجامعة الأممية الكبيرة: هنا رودس فلنقفز هنا، او هنا الوردة فلنرقص هنا.
من هنا نبدأ قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في خطابه، وتناقلت وكالات الأنباء الجملة الرئيسية في الخطاب: "المبادرة الفرنسية لم تنته ولكنها بدأت الآن". ولكن كلمة السر العميقة المحور الأول في الاستراتيجية استراتيجية محاربة الإرهاب وهزيمته، أضاف الرئيس الفرنسي هي "حل النزاعات المفتوحة". ودعا الفرنسيون على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، الى عقد الاجتماع الثاني لمجموعة الدول الثماني والعشرين الداعمة لعقد المؤتمر الدولي، وهذه هي الاستراتيجية الوحيدة والممكنة التي يقرها العالم اليوم لمواجهة الإرهاب. فما بدا وكأنه رد استباقي على خطاب بنيامين نتنياهو الدعائي ولكن الأجوف عن الإرهاب، فهذه هي الطريق لمواجهة الإرهاب، حل النزاعات المفتوحة وعلى رأسها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
وقدمت قمة دول عدم الانحياز الشعار المؤطر لهذه الاستراتيجية "ليكن عام 2017 عام انتهاء الاحتلال لفلسطين". وكان هذا الموقف من لدن هذه الكتلة الدولية مهما بل وحاسما في توقيته، أي لجهة تماسك الموقف الدولي وعدم تشتيت أهدافه حول حل الدولتين وإنهاء الاحتلال. قرب المسافة الزمنية مع الانتخابات الأميركية وعقد المؤتمر الدولي للسلام، للتأكيد على الهدف الرئيسي لهذا المؤتمر وهو إنهاء الاحتلال في مدة زمنية محددة أقصاها العام القادم، ولتوجيه رسالة واضحة لإسرائيل ومفادها، ان المسألة ليست قرارا أوروبيا او فرنسيا مدعوما أميركيا، ولكنه قرار أممي بامتياز، وانه لا مجال أمام نتنياهو لاختراق دول الإقليم، او الالتفاف على المبادرة العربية للسلام بإدارة اللعبة من نهايتها.
وفي حالة نادرة وفيما بدت كمحاولة من جانب النظام المصري الحاكم استعادة دور مصر التقليدي في المسألة الفلسطينية، خاطب الرئيس عبد الفتاح السيسي الإسرائيليين مباشرة، التزام اغتنام الفرصة السانحة اليوم لتحقيق حل الدولتين.
لكن الخطاب غير المسبوق حقا ولم يقل قبل الآن في إدانة إسرائيل، وصدوره من لدن اكبر ممثل سياسي للعالم، إنما جاء في الخطاب الوداعي للامين العام للأمم المتحدة بان كي مون، واصفاً الساسة الإسرائيليين بأنهم يمارسون سياسة "مجنونة". وهل قريبا في ترجمة هذا الوصف بعد أيام من وصفه أقوال نتنياهو عن "التطهير العرقي"، الذي يبدو ان الرجل كما العالم لم يحتمل هذا الاستغباء الأحمق والغبي لعقول الآخرين بالأقوال المخزية. هل هذا قريب من ذلك اعتبار إسرائيل بالدولة المارقة او الشريرة؟ بعد أن كانت إيران هي التي توصف بذلك؟
ولاحظنا في هذا الاجتماع والخطاب الوداعي لباراك أوباما أيضا، كيف ان الرجل الذي تجاهل كليا القضية الفلسطينية العام الماضي، بدا وكأنه يقول كلمته الأخيرة رغم حساسية موقفه قبل موعد الانتخابات الرئاسية في أميركا. ولكن الكلمة الدالة على ما وراء اللسان، اذا كان الرجل لا يزال يمارس سياسة الغموض البناء في إخفاء ضربته الأخيرة او إحاطته بالضباب ما بعد الانتخابات.
قال أوباما موجهاً حديثه للإسرائيليين: "عليكم ان تدركوا بانه لا يمكنكم مواصلة الاحتلال والاستيطان في الأراضي الفلسطينية الى الأبد". وهي الجملة التي تستتبع ما قاله جو بايدن نائبه قبل اشهر في إسرائيل، "لا يمكنكم مواصلة العيش على حد السيف".
وإذ صرح الرئيس أبو مازن أن جون كيري ابلغه في اللقاء الذي عقداه، بأن إدارته سوف تحضر وتدعم المؤتمر الدولي. فإن المسألة أصبحت واضحة لجهة حسم الغموض والتكهنات التي تدور حول نية أوباما، الإقدام على هذه الخطوة المتوقعة ما بعد الانتخابات.
على هذا النحو كان المزاج الدولي العام مفعما بالغضب وروح التحدي، وربما الشعور بالعار والإهانة ونفاد الصبر من قضيتين، باتتا تمسان الضمير العالمي الإنساني؛ المذابح والقتل اليومي في سورية والاحتلال الإسرائيلي الذي يخنق الفلسطينيين، ولم يعد مقبولا أو محتملا استمراره في عالم القرن الواحد والعشرين، حيث يحاول الاستعمار القديم التكفير عن عاره القديم، في محاولة إعادة الاعتبار لمطالب الفلسطينيين الذين ظلموا وإنهاء مظلوميتهم السبب الرئيسي والدفين للإرهاب الذي يضرب العالم اليوم.
هنا اذاً، عند هذه اللحظة التاريخية سوف يأتي خطاب الفلسطينيين غير المسبوق هذه المرة، في سرديته الفلسطينية كما لو انه الخطاب او القول الأخير. وإذا جاز لي أن اصف دالته التاريخية عبر هذه السردية المفعمة بروح التحدي، فلعلي أرى إليه باعتباره الخطاب التاريخي ما قبل خطاب النصر القادم.
إن الحقائق عبر التاريخ والأزمان لهي عنيدة بما يكفي لعدم القدرة على الالتفاف عليها او ثنيها وإنكارها. لكن هل كان من الذكاء والحصافة بل والشجاعة لجعل التاريخ يخرج عن صمته؟ حينما قرر الرئيس أبو مازن الآن إحداث هذه الاستدارة او المراجعة في استحضار الحقائق المسكوت عنها طويلا؟.
هذه هي اذاً المعادلة او الحقائق الصلبة أمام الإسرائيليين، فاذا لم ترضوا بالتسوية الحل التساومي او البراغماتي على قاعدة حدود الرابع من حزيران 1967، والتضحية او التنازل الجسيم الذي قدمناه لكم، فلتكن العودة الى قرار التقسيم 1947. وانه لا خوف او وجل بعد الآن، فلا اعتراف مجانياً دون اعترافكم بالدولة الفلسطينية. وإذا لم تقبلوا معادلة "رابح – رابح" المطروحة عليكم اليوم، فليكن الذهاب الى المعادلة "الصفرية"، على طريقة الشريك السيئ "اخسر واجعله يخسر معك". أي بالعودة الى المربع الأول عدم شرعية وعد بلفور المشؤوم، ولا بأس من توسيع الدائرة هنا بإعادة نبش الماضي لإيقاظ البريطانيين من سباتهم، باعتبارهم النذلَ الكبير في هذه الدراما.
تعال إذاً "فأنا ادعوك يا أبو مازن لإلقاء خطاب أمام الكنيست، وأنا مستعد ان القي خطاباً أمام المجلس التشريعي في رام الله. أما ما يجري في الأمم المتحدة فقد تحولت هذه المنظمة الى مسخرة، اذا كانت قد أصدرت عشرين قرارا ضد إسرائيل منذ بداية العام الحالي، مقابل ثلاثة قرارات تخص قضايا أخرى في العالم،" ولكن هذا الغضب من الأمم المتحدة انما كان في حقيقته رد فعل على خطاب بان كي مون.
طيب ماذا بعد إلقاء الخطابات؟ وأمام من يلقي أبو مازن الخطاب الذي سيكون مثل صرخة النبي إشعيا في البرية؟ أمام السيدة ماري ريغيف وزيرة الثقافة والفنون، التي لم تحتمل الاستماع الى أغنية تتضمن أبياتا من الشعر من قصيدة لمحمود درويش، او نفتالي بينت وزير الاستيطان وقِس على ذلك. ثم واصل الرجل تحديه، عندما قال ان إسرائيل لن تقبل ان يملي عليها أحد. قاصداً المؤتمر الدولي وفرنسا وأميركا، وان السلام يصنع هنا في القدس ورام الله وليس في باريس او نيويورك. وكان فرحا انه التقى 15 وزير خارجية افريقياً.
ورغم انه التقى أوباما وحاول إظهار هذا اللقاء على انه إيجابي، ولكن لنترك لخبراء لغة الجسد أن يعلمونا ما كان شعور الرجلين الحقيقي خلف هذا التملق المتبادل، إن اللقاء الذي استغرق ساعة كاملة جرى في جو مشحون ومتوتر. وما حدث انهما تصرفا بادراك واضح تحت تأثير ضغط الانتخابات على نحو معقد، التقليل من مظاهر الخلاف. لكن القنبلة الموقوتة تحت الطاولة بينهما تنتظر انفجارها ما بعد قطوع الانتخابات، فالاحتلال والاستيطان هما المشكلة بنظر أوباما والعالم.