عقد ونصف مر على أكبر هجوم انتحاري غَيرَ خارطة العالم منذ حادثة بيرل هاربر، حيث بدلت طائرتان إيقاع السياسة الدولية بارتطامهما بمبنى مركز التجارة وأخرى استهدفت مقر وزارة الدفاع الأمريكى ونتجت عنها آلاف القتلى من الأمريكيين ومن جنسيات أخرى، ووظفت الولايات المتحدة الأمريكية الحدث لبسط نفوذها الاستخباراتى في كل مكان بالعالم وبشكل علنى وقسرى حيث انتهكت سيادة غالبية دول العالم بحجة محاربة الارهاب، وقد صمت العالم أمام انتهاكات الاستخبارات الأمريكية في حالة ذهول بما يحدث، ولم تهدف الادارة الامريكية بإجراءاتها التخلص من خصومها الوهميين والمعلنين في حينه كنظام الرئيس العراقى صدام حسين أو نظام طالبان في افغانستان أو القاعدة بقيادة بن لادن بل كان الهدف أبعد مدى من ذلك فقد كان الهدف الاستراتيجى كبح نمو قوى دولية كانت قادرة على التمدد كالصين وروسيا وتأكيد فرض القطبية الأحادية لعقد إضافى، وسيطرت بتدخل عسكرى مباشر وغير مباشر على مناطق غنية بالثروات الطبيعية كانت ضرورة استراتيجية اقتصاديا وعسكريا لكلا من روسيا والصين، وتحول العالم إلى شاشة مكشوفة أمام الاستخبارات الأمريكية، ونجحت في محاصرة الصين وروسيا في مناطق نفوذها الاقتصادى والعسكرى ولم تكتفى بذلك بل وصل الأمر إلى حدود روسيا الاتحادية في أوكرانيا ومن قبلها جورجيا.
وبعد عقد من أحداث سبتمبر2001 تهب رياح الربيع العربى في شتائه لتمتلئ شوارع العديد من الدول العربية بالدماء ولتجرف فيضاناته أنظمة عربية مرتبطة بعقود بمليارات الدولارات مع روسيا والصين فليبيا كانت خسارتها مفجعة للروس والصينيين حيث أدركت روسيا حينها أن لحظة المواجهة المؤجلة باتت حتمية وما كان منها إلا أن ضمت جزيرة القرم في خطوة ثورية كسرت كل الخطوط الدولية الحمراء، وأرسلت بارجاتها وطائراتها إلى ميناء طرطوس لتساند نظام الأسد في سوريا لتقطع الطريق على التفرد الأمريكى ولتمد نفوذها في المنطقة العربية ولتصبح فاعل رئيسى في معادلة حل الأزمة السورية، وتحولت ساحة سوريا لحلبة صراع تتصارع فيه القوى الدولية بإرسال آلاف من الارهابيين لفرض كل طرف دولى معادلته وتصوره في المشهد السياسى المستقبلى لمنطقة الشرق الأوسط .
أوجه التقاطع بين الحدثين هو مفهوم الارهاب والاختلاف هو تفسيره والذى لا يحاكم قادته بل يعدموا وتلقى جثثهم، فالإرهابيين في الحدثين من نفس المدرسة الدينية المشوهة وإن اختلفت مسمياتهم وكنياتهم سواء من أنفقت عليهم السي أي ايه مليارات الدولارات في أفغانستان وكان وقته جهاد ضد الروس ومن ثم خرج منهم من قاد طائرات وهاجم الولايات المتحدة في الحادى عشر من سبتمبر، فالطائرات التى ألقت لهم صواريخ الستنجر لاستهداف الطائرات الروسية في أفغانستان هى نفس الطائرات التى ألقت بحمم قذائفها عليهم في سوريا وليبيا واليمن .
والنظام الأمريكى الذى أعلن عليهم الحرب في 2001 وطالب الجميع بمحاربة الارهاب أنذاك هو نفس فكر النظام اليوم الذى يدعم جماعات ارهابية تقتل وتنكل بالسوريين على أرضهم، ويقود في الوقت نفسه تحالف دولى للقضاء على تنظيم داعش الارهابى ذو الصيت السيئ والصناعة الأمريكية. بل وتتمادى في تصريحاتها إلى أن محاربة الارهاب ستستمر لعقود وذلك لتغيير الخارطة العربية بما يحلو لها .
مفهوم الارهاب يتم تفسيره حسب المصالح الاستراتيجية للدول العظمى، وكأن أولئك الارهابيين جثث تتبخر ويعاد البعث فيها بأماكن أخرى وفق أجنداتهم، كائنات لا علاقة لها بالبشر أو ربما دمى تتحرك كيفما تديرها الاستخبارات العسكرية وتشوه الدين الاسلامى وتضرب ما تبقى من حضارة إسلامية للأجيال القادمة، وذلك لخلق تصور أن الحضارة الانسانية بدأت بالغرب والولايات المتحدة، والمسلمين جماعات بربرية إرهابية لا علاقة لها بالانسانية . أستاذ العلوم السياسية


