خبر : في الطريق إلى المؤتمر الدولي للسلام (2) ..حسين حجازي

السبت 10 سبتمبر 2016 09:07 ص / بتوقيت القدس +2GMT




ولقد أخذنا نحن أيضاً ظهر يوم الخميس على حين غرة، لقد كان السؤال بعد خبر عاجل مفاده أن كلا الرجلين الرئيس أبو مازن وبنيامين نتنياهو، وافقا مبدئياً على الاستجابة لاقتراح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باللقاء تحت رعايته في موسكو، ان كان هذا اللقاء سوف يعقد حقيقة أم لا؟ لكن التطورات الدراماتيكية كانت تحدث منذ الصباح في مكان آخر وغير ذي صلة من خان يونس، أولا بالإعلان عن إلغاء عدة قوائم انتخابية لحركة فتح ما اعتبرها المتحدث باسم فتح فايز أبو عيطة مجزرة ارتكبتها محاكم حماس.
ثم جاء الرد من المحكمة العليا في رام الله بتأجيل الانتخابات، وبين هذا وهذا وما زلنا في الجزء الأول من النهار، كان الإعلام الإسرائيلي يروج لخبر أراد له ان يكون صاعقاً كما قالوا، عن كلام فارغ مفاده ان الرئيس أبو مازن كان عميلاً للاستخبارات السوفياتية الشهيرة الـ "كي جي بي".
في الطريق الى المؤتمر الدولي لن يكون الأمر سهلاً او مفروشاً بالورود، وتبرز أيضاً أحداث ومواقف وتحركات تثير التساؤلات بأكثر ما تحمله من إجابات. خذوا على سبيل المثال زيارتين جانبيتين لدولتين على أطراف أوروبا، قام بهما في وقت متزامن نتنياهو وأبو مازن، الأول الى هولندا والثاني إلى بولندا. فماذا أراد الهولنديون إبلاغه لنتنياهو وفي هذا التوقيت على عجل؟ حتى استدعى ذلك الا يكتفي المضيف رئيس الوزراء الهولندي بالتصريح الصارم في المؤتمر الصحافي أمام الرجل، عن حل الدولتين ووقف الاستيطان، وعدا عن الموقف الرمزي الذي اتخذه احد النواب برفض مصافحة نتنياهو. هل كانت الدعوة من هولندا التي تستضيف مقر المحكمة الدولية العليا ومحكمة الجنايات الدولية، تحمل رسالة واضحة أبلغت لنتنياهو في الغرف المغلقة من الاتحاد الأوروبي؟ تنطوي على التحذير الشديد من عواقب استهتاره بالاتحاد الأوروبي.
وعلى ماذا تفاهم أبو مازن مع البولنديين الكاثوليك في وارسو بعد ان اظهر البولنديون استياء واضحاً من إسرائيل بلغ حد التشكيك العلني، وهو موقف نادر من قضية المحرقة التي جرت على يد النازي في بولندا؟ وحيث استدعى الأمر إخراج وفبركة قصة العمالة للمخابرات السوفيتية المكروهة في بولندا في هذا التوقيت أثناء وجود الرئيس في بولندا؟.
ولكن تصدر أيضا وكما يحدث في القصص والأفلام المشوقة بعض المواقف المثيرة والمفاجئة من هنا وهناك على لسان بعض الشخصيات، وهاكم مثالان على ذلك في الأسبوع الفائت نفسه:
الموقف الأول على لسان افيغدور ليبرمان او منسوب اليه ويعكس قدراً مفاجئاً من الحكمة والتعقل، حين نسبت اليه نية السماح بعودة خمسين ألف عامل غزي للعمل في الغلاف المحيط بغزة وإسرائيل، بعد إيقاف تصاريح هؤلاء العمال منذ العام 2007، وهو موقف نعتقد انه في الاتجاه الصحيح بعيداً عن ضجيج التصريحات حول الحرب. وإذا ربطنا هذا التوجه الجديد نحو غزة بما قاله نتنياهو في هولندا عن نيته مد أنبوب من الغاز لمحطة الكهرباء في غزة، والاجتماع الرباعي في أريحا بالتزامن مع هذه التصريحات، بترميم وإنشاء المدينة الصناعية بدعم ياباني يصل الى 300 مليون دولار باتفاق بين إسرائيل وفلسطين والأردن واليابان، فما هو تفسير كل ذلك؟ في هاتين المبادرتين نحو الأطراف مرة أخرى، وان بصورة تستدعي الإيحاء هنا غزة وأريحا أولا ؟ أي الى الطريق الواصلة من اقرب نقطة مع مصر والأردن ومنهما إلى السعودية والإمارات العربية؟.
هل أغضبه إذن وآثار حفيظته في الطريق الى المؤتمر الدولي أن هذه الدول التي لم يسمها، حاولت باقتراحها خارطة طريق جديدة فرض أجندة أُخرى عليه لتشتيت تركيزه، ويرى ربما في هذا التوقيت وهو يركز كل جهده وقواه في آخر معاركه الفاصلة بل الحاسمة في حياته، ارثه الخاص كما في حياة الفلسطينيين، وكأن هذا التحرك الذي ليس في وقته سوف يأخذه ويأخذ الفلسطينيين إلى مكان آخر، ليس هو المكان الذاهب إليه. وانه في قرارة نفسه إذا صح هذا الافتراض او التحليل لا يعترف بانقسام أو أزمة أو مشكلة أخرى في الساحة الفلسطينية غير الأزمة مع حماس، وانه لا يرى أن ثمة استقطاباً أو أزمة داخلية في فتح باعتبار أنه هو صاحب القرار وان هناك قائداً. وإن محاولة تصوير الأمر بغير ذلك هو تدخل غير مقبول في الشأن الفلسطيني نقطة وأول السطر.
أما الموقف الثاني فقد صدر هذه المرة على لسان دونالد ترامب المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية، على نحو صارخ يشبه صرخة نابليون أمام أسوار عكا. قال ترامب: أينكم أيها اليهود؟ فإذا لم أصبح أنا الرئيس فإن إسرائيل سوف تدمر وتنتهي وتزول؟ وقال إن إيران سوف تلقي بالقنبلة النووية على إسرائيل. وهو لم يرَ ان الخطر الوحيد التي تواجهه إسرائيل اليوم ليس من خارجها وإنما من داخلها، نزعة التدمير الذاتي. وليس من جيرانها المنشغلين بذاتهم.
ولكنهم هم أيضا أي الإسرائيليين في هذا الوقت المستقطع مثلنا ومثل بقية العالم، لا يملكون أي يقين بشأن النتيجة التي ستؤول اليها فوز أي من هذين المرشحين ترامب والسيدة كلينتون. فذاك الأول كالرجل المجنون الذي لا يمكنك معرفة او توقع رد فعله، والثانية ماكرة وباردة وانتهازية ومراوغة.
ألهذا السبب إذن تصر فرنسا والاتحاد الأوروبي على التمسك بعقد المؤتمر الدولي مهما كلف الثمن؟ باعتبار حل الدولتين مسألة أمن قومي جماعي أوروبي. ونرى أبو مازن يدافع على نحو يخاطر فيه حد الذهاب الى إطلاق تصريح نادر وغير معهود، بانتقاد دول عربية من التشويش على خطته في الرهان على المبادرة الفرنسية؟ ويقوم في الوقت نفسه بانتهاج الخيار الثاني في التخطيط الاستراتيجي الذي يقول بوضع البيض كله في سلة واحدة بدل السلتين، ولكن بشرط مراقبة البيض طوال الوقت. ونرى أيضا في هذا السياق تحول روسيا الى الهجوم بالدخول على خط تسوية القضية الفلسطينية، الاشتباك السياسي مع أوروبا في سعى الطرفين كلاهما لوراثة الإمبراطورية المريضة اي أميركا، التي لن تعود هي نفسها الى ما قبل عهد أوباما أيا يكن الفائز في الانتخابات الرئاسية خريف هذا العام. وكذا انتقال تركيا وأردوغان الى الهجوم والتدخل العسكري العلني في شمال سورية لإقامة المنطقة الآمنة.
واستطراداً، هل نرى الى المبادرات الاقتصادية من جانب نتنياهو وحكومته تجاه غزة وأريحا، إنما تعكس قدراً من التعقل والحذر استباقا لهذه التحولات العاصفة في العالم البيئة الإستراتيجية للنزاع؟ وانه بالأخير اذا تعذر عدم الوصول الى عقد اتفاقية هدنة مع حماس، فانه يمكن الحفاظ على التهدئة لفترة طويلة من الزمن مع غزة عبر لعب هذه الورقة الناعمة، والتي قوامها المصالح الحيوية المباشرة لخمسين ألف عائلة من الغزيين، يمكن السماح لهم بالعمل في إسرائيل.
وقد يمكننا هنا ان نمتدح هذه الخطوة لو انها تقترن بالسماح الفعلي للمزارعين الغزيين، الاستفادة من نصف مساحة الأراضي الزراعية التي تحجر عليها إسرائيل في نطاق ما يسمى بالمنطقة الحدودية الأمنية أو العازلة، وكذا استفادة الصيادين مما نسبته 85% من الثروة السمكية الغزية في البحر، الى جانب إنشاء الميناء والتخلي عن هذا الحصار الذي لم يعد ورقة ذات جدوى.
وهل نقول أخيراً كان سيئاً أن يحدث هذا التعثر الإجرائي في عملية الانتخابات؟ ولكن حسناً باتباع أقل الضرر ان قرار المحكمة العليا أجل الانتخابات ولم يقل إلغاءها، بحيث لا يزال لدينا الوقت لإتمام هذه العملية، التي هي مهمة لذاتها وليس بذاتها. وكل عام وأنتم بخير.