خبر : أساميــــــنا ...سما حسن

الخميس 08 سبتمبر 2016 04:24 م / بتوقيت القدس +2GMT





قبل عشر سنوات، ظهرت دعوة غريبة من ابنة الكاتبة المصرية المثيرة للجدل نوال السعداوي، تطالب فيها أن يكتب اسم الأم بدلاً من اسم الأب في شهادات الميلاد والأوراق الثبوتية، وقد اعتبرت تلك الدعوة نوعاً من «الفانتازيا»، وثارت المنظمات النسوية ضد الكاتبة منى حلمي، واعتبرن أنها تبحث عن الشهرة والأضواء بتبني فكرة تافهة، لا ترقى لمستوى قضايا المرأة وهمومها التي يجب تسليط الأضواء عليها، وقد عادت هذه المحاولة إلى ذهني بقوة مع تدشين أعداد كبيرة من الفلسطينيات لـ «هاشتاغ» ينادين فيه بضرورة عدم إخفاء المرأة لاسمها عند الترشح للانتخابات البلدية المزمع عقدها في تشرين الأول اكتوبر المقبل في فلسطين تحت عنوان «أسماؤنا ليست عورة».
ما بين صرعة غير معتادة، وتصرف لا يليق، بتغييب اسم المرأة الذي يعتبر أحد حقوقها، نتساءل عن الحقوق التي حصلت عليها المرأة الفلسطينية حتى لم يبق منها سوى ما يخص اسمها، وما يحدث على الساحة الفلسطينية هذه الأيام من تغييب لدور المرأة الفلسطينية في الانتخابات البلدية أكبر دليل على أن المجتمعات العربية ما زالت ترى المرأة النصف الآخر المهمل في المجتمع، وكل ما تتشدق به ما هو إلا عبارات إنشائية تسقط أمام الفعل وأرض الواقع، ففي الانتخابات البلدية الأخيرة بلغت نسبة النساء المسجلات في سجل الناخبين حوالي 48.97%، في حين أن 20% هي نسبة تمثيل النساء في الترشح للانتخابات البلدية وذلك حسبما أقره القانون بمبدأ «الكوتا» للنساء، ولوحظ بعد إغلاق باب الترشح أن النساء اللواتي تقدمن للترشح عبر القوائم الانتخابية، لم يتصدرن أي قائمة انتخابية، وجاءت ترشيحاتهن «تحصيل حاصل»، أي في ذيل القائمة أو وسطها في أغلب القوائم.
يمكننا أن نبتهج لـ «الهاشتاغ» الذي دشنته المثقفات الفلسطينيات رفضاً لثقافة عدم كتابة أسماء النساء المرشحات، وما قدمته المثقفات والناشطات النسويات من أدلة عبر التاريخ عن توقير واحترام المرأة وتعزيز اسمها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أن سورة في القرآن الكريم تحمل اسم امرأة وهي سورة «مريم»، وما الى ذلك من أدلة لم تنكر على المرأة أو توجب إخفاء اسمها أو حتى نشر صورتها واستبدالها برمز ما، ولكن الأهم من تدشين هذا «الهاشتاغ» هو البحث عما هو أكبر من عدم ذكر اسمها الصريح، أو نشر صورتها أو تذييل ترشحها لإبراء ذمتهم أمام قانون لم ينصف المرأة التي ما برحوا يرددون أنها أمهم وأختهم وزوجتهم «نصفهم الحلو» خصوصاً.
يمكن القول إن الوضع الذي أغلقت به قوائم الترشح للانتخابات، قد أقصى المرأة الفلسطينية التي كانت ولا زالت شريكة في النضال والمعاناة، حتى في قوائم اليسار التي تتبنى الدعوات المطالبة بتحرير المرأة والنهوض بوضعها، وبذلك نكتشف أن البناء الاجتماعي يلعب دوراً كبيراً في عدم تفعيل دورها أو المساعدة في تحقيق ما يرنو إليه اليسار بدعواته، وهكذا فإن تفعيل دور المرأة يجب أن يتم من خلال قناعتها هي نفسها بدورها كنصف المجتمع، وعدم الاكتفاء بالشعارات والتكريمات في الثامن من آذار كل عام، وعليها أن تحطم الصورة النمطية المرسومة لها، والتي بسببها أخفقت النساء في الترشح خلال الانتخابات السابقة، وعلى من أخفقن في مرات سابقة أن يخرجن الآن للتحدث عن تجربتهن، وأسباب فشلها، وبأنهن قد حوربن من كل الجهات حتى من بنات جنسهن، والتمسك بالنظرة النسوية للنساء وبأنهن تابعات للرجال.
القضية ليست اسم المرأة أو إخفاءه، ولكن القضية هي أن المرأة التي هي نصف المجتمع تستطيع أن تقود أمّةً بجوار الرجل أو أمامه أو خلفه، فالسيدة خديجة زوجة الرسول الأولى حين وقفت إلى جوار النبي، كانت ولادة النبوة وخروج البشرية من الظلام إلى النور، وظل يذكر فضلها بعد وفاتها حتى لحق بها.
إذن، فالحل العاجل والسريع ليس من خلال «هاشتاغ» ينكر على المرأة كتابة اسمها المجرد، ولكن بتشكيل تحالفات تساهم في كسر صمت المترشحات سابقاً، وممن راودتهن فكرة الترشح هذه المرة وترددن، والتحدث بكل حرية عن العقوبات والتحديات التي واجهنها، والخروج بتوصيات ترفع لجهات الاختصاص، من أجل تفعيل دور المرأة فعلياً في المرحلة القادمة.