خبر : Sorry .... محمد يوسف الوحيــدي

الخميس 08 سبتمبر 2016 04:07 م / بتوقيت القدس +2GMT
Sorry  .... محمد يوسف الوحيــدي



لا يلدغ المؤمن من جُحر مرتين ، هكذا قالت العرب ، و لا أدري لم تحافظ أمتنا العربية على تقاليدها الموروثة ، و كأنهاا أقسمت بكل مقدس ألا تتغير أو تتبدل ، فتحافظ على صفة ( نقول و لا نفعل ) فرغم هذا المثل النابع من تجارب طويلة و متعددة ، إلى جانب آلاف الأمثال ، و الحكم و الأشعار الفخيمة العظيمة ، التي تصب في نفس المعنى ، إلا أننا نكرر ذات الأخطاء ، و نعشق ان نُلدغ من ذات الجُحر ، مرات و مرات ، حتى أصبح اللَّدغ إدمان ، فتجد العربي يسأل صديقه في صيغة الإطمئنان على الصحة و السلام ، هل إلتَدَغت اليوم ؟ فيجيبه نعم نعم ، فأنا اغبى مما يبدو على مظهري ..
عن الإنتخابات البلدية أتحدث ، وحال التمزق و الهرتلة و الضياع المزري الذي يحكم المشهد الفلسطيني .. لا أعتقد أن شعبنا الفلسطيني على مر عصور كان في مظهر عجز و تَفكك و تهاون مثلما هو عليه الآن .. واجه المذابح و عانى التهجير و القمع و القتل و الطرد و الترحيل و التطهير و الحقد ، ولكنه ابداً لم ينحن أو ييأس أو يفقد بوصلته .. إلا في الإنتخابات الأولى ،أو اللدغة الأولى التي جاءت ضمن سلسلة تقديرات وضغوط أمريكية و إقليمية لإجرائها ، و تمخضت عن كارثة ، حيث إعتمدت على تحليلات و قراءات مشوهة و مغلوطة تماما كتقديرات المخابرات الأمريكية البلهاء التي أدت إلى تدمير العراق و خوض حروب و إزهاق ملايين الأرواح ، ثم إنتهت بإستقالة " العبيط " جورج تينيت رئيس المخابرات المركزية الأمريكية ، و إنتهاء عهد الموتورة سوزان رايس ، صاحبة الفوضى الخلاقة التي ما زلنا نعاني منها حتى الآن و التي إنتهت أو أنهتنا بكارثة ، ثم قالوا لنا جميعاً : Sorry ..
ربما تعامينا عن حقيقة واضحة وضوح الشمس ، و لا مجال لإنكارها إلا أمام سكران أو مسطول ، أو يائس بائس فكلنا يريد أن يستعيد اللحمة و إنهاء الإنقسام البغيض البشع المذل الذي عَرنا و فضحنا و شوّهنا أمام العرب و العالم ، و لهذا تجدنا نتعلق بحبال الهواء ، و نتغاضى عن المنطق ، بل نُغيِّب العقل أحياناً و لا نهتم بالحسابات ، فنُسارع و نتَسرّع بإتخاذ قرارات ، لننجو بأنفسنا من مهلكة عار الإنقسام و نتخلص من رذيلة و خطيئة الإنشقاق .. ثم ما نلبث أن نكتشف أن ما قمنا به ، زاد الطين بله ، و عقد الأمور أكثر و كرس الإنقسام ، و فتح جروح التجنح و التشقق أكثر ..
الإنتخابات ، حق وواجب ، لا ينكر هذا إلا مجنون ، ولكن أيضاً ، الإنتخابات عملية ، تحتاج إلى تربة و بيئة و حاضنة ، و شعب قادر على الإختيار و التمييز .. الإنسان المغيب و المخدر ، و المريض ، لا يملك قراره ، أو ربما سيبني قراره على ردود أفعال ظرفية ، غير مستشرفة لآفاق مستقبلية و غير مبني على آمال و طموح أكبر من غاية التخلص من مأزق آني . أو الإنتقام من اسباب التوهة و المرض الذي يعاني منه ، فقرار المصاب بالصداع ، أن يضرب راسه بالحائط ، أو يعصبه و يمنع الدم في شرايين راسه ، قد يريحه و يشعره بأنه يؤلم الألم ، و يمنع الصداع ، ولكنه في الحقيقة يفاقم المشكل و يعطل الحل و التشافي ..
لن أزيد برايي على دراسات و بحوث ، و مئات بل ألاف الأسطر و الأفكار و النصائح و التوسلات ، التي كتبت ونوقشت و رفعت و خفضت ، بأن الحلول السياسية يجب أن تتعامد على رؤية موحدة ، و إستراتيجية وطنية موحدة ، يعبر عنها خطاب موحد ، لشعب واحد موحد ، يختلف ضمن مؤسساته و يتكاتف في مواجهاته .. ولكننا ، لم نستمع ، و لم نفهم ، ولم نُعر اقوال القائلين ، و دراسات الدارسين اي إهتمام ، بل إننا قبل كل هذا و بعد كل هذا ، لم نستمع لقول الله تعالى ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾. ، تنازعنا ، و مازلنا نتنازع ، ففشلنا و ما زلنا نفشل ، و ذهبت ريحنا و مازالت تذهب .. و ما زلنا مصممين على الغباء و تكرار الخطأ ذاته ، بنفس الأسلوب ، و الدوافع ، و الظروف ، و الغريب العجيب المُضحك المُبكي أننا توقع نتائج جديدة ...!!
الطبقة السياسية ، ما زالت على نفس المنوال القديم المتجدد ، متفرقة متنازعة ، بين شرعية و تجنح و جماعات الراقصين بين بين ، يشيرون باصابعهم نحو القدس و أعينهم على دبي أو قطر أو إسطنبول و الرياض ... و جماعات البين بين ، مثل "الردّاحة و المُعددة " تُسخِّن هنا و تُحبِط هناك ، تُشعل هنا و تطفئ هناك ، تنفث ريح واشنطن هنا أو عواصف تل أبيب هناك .. و بعد أن تقع الواقعة ، يتخذون جانباً ، و يقولون Sorry .
خطابنا و إعلامنا ، منشغل في لاشئ ، مثل أم العروسة " فاضية مشغولة " يكرر إنتاج ذاته ، نفس الأسلوب نفس الأدوات ، نفس الأحلام الوردية ، ولكن بموازنات أعلى ، و تكاليف أفدح ، و النتيجة صفر كبير .. لا تاثير للخطاب الرسمي في الشارع الفلسطيني ، فما بالك بتأثيره في الراي العام العربي أو الدولي !! و المصيبة أنه أصبح داء ، و شغل من لا شغل له ، تجد المؤسسات الرسمية من وكيل الوزارة و إنت نازل ، كلهم يصرحون ، و يتبارزون على إصدار النشرات الإعلامية ، و التقرب للمسؤول الأول بالأخبار و التحليلات و التصريحات ، لا عجب أن تجد مكتب إعلاميا في دائرة الكراجات و صيانة السيارات مثلا لإحدى الوزارات أو المؤسسات الرسمية !!
كل هذا يساهم في إرباك الشارع ، و إخماد عزيمة المواطن ، و إصابته بالعجز و الملل و ( اللخبطة) وفقدان الثقة ، على مدى عشر سنوات يُشحن المواطن بفكرة عدم قبول الأمر الواقع الإنقسامي ، و عدم القبول بالتعامل مع المؤسسات الناتجة عن الإنقسام ، و في لمحة بصر ، في فيمتو ثانية زويلية ، يتم شرعنتها ، وقبولها ، و البناء عليها و على قراراتها ، و نكتشف أن أحمد شوقي كان مبالغاً حين قال ( مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب دينا ) ، و نكتشف أن للثعلب دين ، و عهد ، و يجب أن نثق به.. و يقال للمواطن Sorry ..
أعتقد أنه قد آن الأوان ، لأن نقول Sorry هذه المرة ، ولكن في مكانها و لزومها .. نلغي الإنتخابات البلدية ، أو نؤجلها إلى أن يتم تصحيح الأوضاع و خلق بيئة مناسبة ، و الإتفاق أولا على الشكل القانوني و تمكين أجهزة السلطة الشرعية من بسط هيمنتها على كافة مناطق و مفاصل الوطن .. و أخص بالذكر سلك العدل و القضاء ، و الأمن .. و إلا ، فلا تستغربوا أو تندهشوا إذا ما جاءت النتائج الحتمية ، وبرز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا وقال Sorry .