خبر : شعرة عباس ...محمد الزعيم

الأربعاء 07 سبتمبر 2016 01:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
شعرة عباس ...محمد الزعيم




سادت الفرحة أواسط الفتحاويين وعموم الفلسطينيين خصوصًا في غزة منذ اللحظة الأولى لانتشار الأخبار حول المبادرة العربية لتحقيق المصالحة الفتحاوية، ونظر الفلسطينيون إلى هذه المبادرة على أنها بصيص الأمل الذي قد ينقذ ما تبقى من أطلال القضية الفلسطينية التي ردمها الانقسام وجعل منها ملفًا تتداوله بعض العواصم العربية والإقليمية .
كانت القضية قد شهدت أقسى ضرباتها منذ ظهورها في العام 2007 عندما انقلبت حركة حماس على الشرعية الفلسطينية وسيطرت على قطاع غزة الذي يشهد منذ عشر سنوات أسوأ أيامه تحت حكم حماس. تم الانقلاب في عهد الرئيس عباس الذي جعل نفسه طرفًا محايدًا في أهم معارك الفلسطينيين من أجل الحفاظ على الوحدة واستقلالية القرار الفلسطيني. اتخذ الرئيس عباس عدة إجراءات تضمن إحكام سيطرته على الضفة الغربية وإبقاء سطوته على قطاع غزة الذي أصبح يئن تحت وطأة حكم حماس وممارسات حكومات عباس التي تنظر إلى قطاع غزة على أنه عبئًا ماليًا عليها وترى أنه يتعين تخفيف أعبائه بتقليص مصروفاته .
انتهج الرئيس عباس سياسة الإقصاء لكل من يحاول أن يعترض على سياسته، وأول من اكتوى بنيرانه كان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والنائب في كتلتها البرلمانية محمد دحلان الذي تم فصله من حركة فتح ومن ثم إبعاده قسرًا عن أراضي السلطة الفلسطينية. كان غياب دحلان عن الساحة الفلسطينية والفتحاوية له أثره الكبير، فلقد انقسمت القاعدة بين مؤيد ومعارض للقرار وأصبح هناك استقطاب واضح في الحركة بين الإصلاحيين والمحافظين. كانت حماس أكثر المستفيدين من الخلاف الذي صنعه الرئيس عباس، فاستغلت الوهن في الجسد الفتحاوي والتصدع الحادث في جسم الحركة وذلك بإشعالها الفتنة من خلال أبواقها الإعلامية بين القاعدة الفتحاوية تارة وباستخدام هذا الصدع، تارة أخرى، كورقة ضغط تلجأ إليها لانتزاع مواقف من قيادة فتح التي أصبحت تخشى على بقائها أكثر من خوفها على ما تبقى من القضية الفلسطينية التي أصبح القرار فيها أسيرًا بأيدي العواصم العربية والإقليمية .
حاولت بعض الدول العربية رأب الصدع بين الرجلين – عباس ودحلان – واصطدمت دومًا بالإملاءات العباسية التي أدت في كثير من الأحيان إلى خلق حالة من التوتر والجمود في العلاقات بين هذه الدول، بل أن القضية أدت لنوع من القطيعة بين السلطة وإحدى أهم العواصم العربية الداعمة للقضية الفلسطينية: أبو ظبي التي استقبلت النائب دحلان كضيف مرحب به دومًا. كان واضحًا أن الرئيس عباس غير مستعد لأي مناورة بخصوص عودة دحلان وكان في كل مبادرة للصلح يضع العراقيل ويصدر الأوامر للجنة المركزية للحركة لإدارة الأزمة بحسب تعليماته حتى وصل الجميع إلى طريق مسدود في هذه القضية وظل ملف المصالحة الفتحاوية مجمدًا بسبب تعنت الرئيس عباس.
تسارعت الأحداث في الأراضي الفلسطينية بإعلان حكومة الوفاق الوطني موعدًا للانتخابات المحلية وإعلان حماس موافقتها على قرارها بجعل الفتحاويين أمام استحقاق الوحدة الفتحاوية. في خضم هذه الأحداث، سارع القيادي الفتحاوي سمير المشهراوي وطمأن الفتحاويين بدعوته إلى وحدة الصف الفتحاوي، وخرج بعدها النائب دحلان ليعلن الوحدة الفتحاوية بمبادرة شخصية كان لها وقعًا جميلًا على الكل الفتحاوي. تلقفت بعض العواصم العربية الأخبار وعلم قادتها أن الفلسطينيين أمام استحقاق خطير يلزمه عودة بيت الفلسطينيين الكبير موحدًا لمواجهة تحديات المرحلة القادمة. بادر هؤلاء القادة إلى تقديم خارطة طريق للمصالحة الفتحاوية التي رأوا فيها الحل لاستعادة القرار الفلسطيني الذي ما يزال رهين بعض العواصم العربية والإقليمية نتيجة ما مارسته حماس من مراهقة سياسية.
بدأت لقاءات المصالحة في العاصمة المصرية وكانت أجواء الترقب والتفاؤل سائدة بين الفلسطينيين الذين يروا في اتحاد الرجلين جزءًا كبيرًا من الحل وإخراجهم من الأوضاع التي يعيشونها. كانت التسريبات الإعلامية تشي بنوع من التقدم في ملف المصالحة الفتحاوية و حاولت الماكينة الإعلامية لحركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين دس السم بالعسل من خلال إطلاقها الإشاعات والتقارير الإخبارية التي من شأنها إشعال الخلاف من جديد، ولكن الفتحاويين اثبتوا هذه المرة أنهم على قدر كبير من المسئولية ولم يتعاط أحد مع تلك الشائعات. جاءت أولى بشائر الاتفاق بإعادة بعض المفصولين من الحركة بسبب تأييدهم للنائب دحلان، ولكن رغم الأجواء الإيجابية السائدة في الضفة الغربية خرجت العديد من الأصوات النشاز التي عكرت صفو ذلك التفاؤل بما بثته من سموم بتصريحاتها وكان من الواضح أنها لا تريد المصالحة التي ستتقاطع مع المصالح التي تحققها من غياب دحلان عن الساحة الفلسطينية والفتحاوية. , لقد جعل غياب دحلان الكثيرين يحلمون بخلافة عباس.
قرر الرئيس عباس الذي يبدو أنه يرى في دحلان منافسًا قد يطيح به أن يقطع جميع الآمال الفلسطينية الفتحاوية بتحقيق المصالحة الفتحاوية التي ستكون أول خطة لاستعادة الوحدة الفلسطينية، وسارع إلى التصريح بأنه لن يقبل الإملاءات والتدخل في القرار الفلسطيني، ليقطع بذلك الشعرة الأخيرة في ذلك الملف الذي يعتبر أملًا لكل الفتحاويين خصوصًا للخروج من النفق. هدم تصريح الرئيس عباس الكثير من الأحلام وخلق حالة من السخط داخل القاعدة الفتحاوية التي رأت أن ما فعله الرئيس عباس سينعكس على القضية بعد اتهامه للدول التي وقفت مع السلطة الفلسطينية في أحلك ظروفها بالرغبة في مصادرة القرار الفلسطيني المستقل، متناسيًا أنها وقفت معه ضد محاولة مصادرة القرار وحاربت الدول التي دعمت الانقلاب في غزة. لقد تناسى الرئيس عباس كل الجهود التي بذلتها تلك الدول في سبيل استعادة الوحدة الفلسطينية في لحظة غضب لم يحتمل فيها أن يرى النائب دحلان داخل الإطار التنظيمي لحركة فتح.
حاول بعض مستشاري الرئيس الفلسطيني شرح تصريحه وقالوا أن التفسيرات التي طرحت لهذا التصريح لم تك موفقة. وسارعت المحكمة الحركية من جانبها إلى رفع قرارات الفصل عن أربعة من قادة الحركة المفصولين بسبب علاقتهم بالنائب دحلان كنوع من المبادرة والمناورة أمام الرباعية العربية التي رأت في تصريح الرئيس عباس ضربةً لجهودها و جحودًا لمواقفها. كان لابد من تلطيف الأجواء وبث أخبار تفيد بأن الرئيس لم يقصد مبادرة المصالحة وإنما قصد بعض الدول التي تدعم الانقلاب. لكن أفعال عباس سيبقى عبؤها على عاتق الفلسطينيين الذين يئنون تحت وطأة ظروف معيشية صعبة وانقسام بغيض وفقدان بوصلة العمل الوطني.
على الرئيس عباس أن يدرك جيدًا أنه بقطعه تلك الشعرة أصبح مكشوف العورة محليًا و عربيًا وأنه عليه أن يقوم بمبادرة حقيقية بصفته كبير البيت الفتحاوي للم شمل كل الفتحاويين تحت راية فلسطين وقطع الطريق على كل من يريد النيل من استحقاق المصالحة .