خبر : في الطريق إلى المؤتمر الدولي للسلام ...حسين حجازي

السبت 03 سبتمبر 2016 11:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT




مناورة نتنياهو الالتفافية: بين القطع والوصل
يضغط بنيامين نتنياهو بكل ما يملك من أدوات الضغط في هذه الأيام، من اجل ان يجلب الرئيس أبو مازن الى لقائه في موسكو او في أي مكان اّخر، ليس حبا بأبو مازن او الفلسطينيين، ولكن كرها بالفرنسيين والأوروبيين وباراك أوباما معهم. ويريد باي ثمن قتل المبادرة الفرنسية ودفن المؤتمر الدولي حتى قبل ان يعقد باعتبارها فكرة تؤرق بنيامين نتنياهو.
اما بالنسبة لنا والرئيس أبو مازن، فالواقع ان هذا المؤتمر هو رهاننا، بل ورقتنا الأخيرة، على امل النجاة من عنق الزجاجة والتخلص من روث الاحتلال، ولذا فأن اللعبة واضحة فكل ضغوط الدنيا لا تحملنا على التراجع، وقد بدا لنا قرب خلاصنا وانصافنا.
وما الفرق اذا بين مبادرة باريس ومبادرة بوتين اذا جاز ان نسمي التحرك الروسي لعقد اللقاء بين نتنياهو وأبو مازن مبادرة؟ والجواب هو الذي تحدث عنه هنري كيسنجر منذ أربعين عاما، أي من يملك ورقة الضغط على إسرائيل وإعطاء الزبدة للعرب سابقا وللفلسطينيين اليوم؟ .ودعونا نكون واقعيين وصريحين مع انفسنا فنحن نستطيع ان ننظر الى الصعود والتمدد الروسي في الشرق الأوسط، على انه تحول راديكالي ربما في توازنات القوى العالمية، وفي المشهد الشرق اوسطي على وجه الخصوص. لكن أبو مازن ونتنياهو كلاهما معا ونحن معهم ندرك ان هذا التحول لم يصل الى تغير المعادلات، وهنا بالضبط اس المسألة سر تمسك أبو مازن بالمبادرة الفرنسية، أي بالرهان على ما ينتج او يأتي من أوروبا واميركا، وخوف نتنياهو من الأوروبيين والاميركيين رغم انهم حلفاء إسرائيل التاريخيين، لانه يعرف انهم الاقدر على ممارسة الضغط عليه، بينما ماذا يملك بوتين لاقناع نتنياهو والضغط عليه؟.
ان مناورة نتنياهو تقوم على قاعدة الالتفاف والفصل بين التحرك الأوروبي والتحرك الإقليمي او الروسي، بينما تقوم مناورة أبو مازن الاعتراضية على قاعدة الوصل والربط ان تكون هذه المبادرات غير منفصلة عن المبادرة الفرنسية وتحت عبائتها، مع الزام نتنياهو باستحقاقات العملية التفاوضية المعروفة والتي يرفضها الرجل.
ومن المتوقع ان يعقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الجاري مؤتمرا تمهيديا او تحضيريا اّخر لانعقاد المؤتمر الدولي في نهاية العام، وفي هذا تأكيد واضح وإصرار فرنسي واوروبي على المضي في عقد المؤتمر الدولي في موعده، واذا اضفنا الى ذك الغموض الذي يحيط به الرئيس الأميركي باراك أوباما، القاء ورقته الأخيرة على الطاولة الى ما بعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني القادم. فأن صورة او ملامح المعركة الحاسمة تبدو واضحة لجلب نتنياهو الى الطاولة.

الديمقراطية الفلسطينية
او الطفو فوق الانقسام
نذهب نحن اذن في هذا الوقت المستقطع الى انتخابات بلدية، وأرى هنا ان هذا التوقيت في تشرين الأول تم اختياره بعناية وذكاء، فهذه الانتخابات مهمة لذاتها كما أرى وليس بذاتها، أي بما تحمل او تلد فوز فتح او حماس او تحالف اليسار او جميعهم معا. وانما هي مهمة في دلالتها السياسية لذاتها، أي بما نريد او يرى اليها من رسائل في هذا التوقيت يوجهها الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية.
والرسالة هنا اننا نذهب او نأتي الى المؤتمر الدولي ونحن شبه موحدين أي جاهزون للصلاة. فقد نجحنا في التفوق او الطفو فوق الانقسام مبدئيا بإقامة حكومة الوفاق الوطني التي تعمل في غزة والضفة، وها نحن نتوحد في اجراء انتخابات بلدية او محلية، ولم يتبق سوى الانتخابات التشريعية. وهذا خطاب بما يحمله من دلالات موجه بالدرجة الأولى الى الخارج الى الغرب الديمقراطي، لنقول لهم : نحن نشترك في القيم نفسها، وهذه جدارتنا. وان هناك قيادة واحدة للفلسطينيين تستطيع اتخاذ القرار، وهي قيادة جديرة بالعمل معها لانها تملك الرؤية والمسؤولية والاجماع.
اما الرسالة الأخرى، فهي لنا نحن الفلسطينيين في الطريق الى الانتخابات الكبرى في مرحلة لاحقة، لنعمل في وقت محدد هذا الشيء المطلوب أيضا لذاته، وهو ما يطلق عليه الفلاحون او المزارعون الحاجة الى تقليب الأرض او الحرث من اجل تجديد ذاتنا او اكتشاف انفسنا. وفي الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي نكران شرعية مطالبنا وحتى وجودنا التاريخي على هذه الأرض، ويمارس ضدنا ابشع القمع والقهر من اعتقالات وقتل يومي وهدم للمنازل واعتداءات أخرى لا حصر لها، فأننا نعلم انفسنا بانفسنا المرة تلو المرة كيف نرد بهذا الشكل بهذه الإرادة الجماعية على هذا الاحتلال بهذه الوسيلة، باننا هنا نحن الباقون وان شيئا لن يكسرنا، نستطيع ومع كل ذلك ورغم كل ذلك ان نطفو فوق هذا الاحتلال، ونمارس هذا الرقي الحضاري بل السيادي لتأكيد تجذرنا التاريخي والوجودي على هذه الأرض. حين ترقى انتخاباتنا البلدية الى مستوى في وقعها لا يقارن بانتخابات بلدية في دول أخرى اكثر عراقة بديمقراطيتها ونظامها السياسي، وهو انطباع او تفرد ينبغي ان يمثل فخرا لنا وخزيا وعارا لعدونا.

هل إسرائيل على اعتاب
التفكك والانقسام؟
كانت الفرضية منذ سبعينيات القرن الماضي تقول ان الحروب ضرورة وجودية لإسرائيل، أي العيش على حد السيف. لان السلام وغياب الاعداء الخارجيين يقوض إسرائيل من الداخل ويعيد تفكيكها الى عناصرها الأولية، مجموعاتها العرقية والطائفية غير المتجانسة، وبالتالي تبرز تناقضاتها المخبئة وراء هذه القشرة الخارجة من التماسك، لأن تصبح هي المشكلة الرئيسية. فهل تبدو إسرائيل اليوم حتى مع انعدام تحقق هذا السلام الكلي والشامل بإزاء هذا المنحدر؟.
يلفت انتباهنا هنا ما قاله احد رؤساء الموساد السابقين، وهو رجل بحكم خبرته ومنصبه السابق يعرف عما يتحدث، ان إسرائيل تقف اليوم امام احتمال الحرب الاهلية الداخلية. وهو قول خطير اذا ربطناه بتلويح ايهود باراك نفسه وهو احد اركان المؤسسة العسكرية السابقين، بثورة على نتنياهو يمكن ان تصل الى حد الانقلاب العسكري. واذا اقرننا كل ذلك بتصريحات قائد الشرطة أيضا قبل أيام والتي لا تزال تهز إسرائيل، والتي تشتم منها رائحة عنصرية ضد اليهود السود الاثيوبيين، على غرار نفس الرائحة العنصرية ضد الافارقة السود الأميركيين من لدن ترامب والشرطة في الولايات المتحدة. فهل إسرائيل حقا تقف امام هذا الاستحقاق؟.
ولعل نتنياهو تفوق على بن غوريون على الصعيد الكمي بعدد السنين التي أمضاها في الحكم، ولكن الفارق هنا ان بن غوريون هو من حسم هوية الدولة العلمانية، وان نتنياهو يعيد إسرائيل الى هذا الصراع ليطفو على السطح مجددا، وبهذا المعنى فأن جميع رؤساء إسرائيل تقريبا كانوا توحيديين استطاعوا الإبقاء على التلاحم الداخلي في إسرائيل.
ولكن نتنياهو اليوم هو اول رئيس حكومة يضع إسرائيل امام العملية التاريخية لتفككها من جديد، وهو يفاخر بانه اكثر من عمل على تهويد القدس مقارنتا باسلافه السابقين، ولكن هنا بالضبط كان خطأه القاتل الثاني حين دعا بن غوريون الى عدم احتلال القدس، لان إسرائيل لا تستطيع حمل مكة والفاتيكان على كتفيها. وصرح اّفي ديختر رئيس الشاباك الأسبق، ان إسرائيل لن تسمح للفلسطينيين بتحويل القدس الى مكة والمدينة.
لكني أرى ان فهم المسألة يجد مفتاحه مرة أخرى بقوانين فلسفة التاريخ، التي تتميز بالمكر. فحين يبدو وكأن الدول العربية استقالت من الحرب مع إسرائيل ولم يعد الجيش السوري ولا العراقي ولا المصري يمثلون تهديدا جديا او واقعيا لإسرائيل، وتبدو اليوم حماس وحزب الله قد تم ردعهما بالفعل كما تم ردع إسرائيل بالمثل. والرجل الذي يقود الفلسطينيين من المقاطعة في رام الله لا يحارب إسرائيل بالكلاشنكوف، وانما بالدهاء السياسي والدبلوماسي أي بقوة الاعتدال وليس ببدلة عرفات العسكرية. وحيث تبدو الدول العربية الإقليمية ولكن الوازنة والمحورية ناضجة لعقد السلام التاريخي مع إسرائيل، الذي حلم به بن غوريون ولم يتحقق في عهده. فاين عندئذ وباي اتجاه تجد الصراعات والتناقضات التي لا تنتهي او تموت، طريقتها الجديدة في التعبير عن مكنونها؟ والجواب بالضبط في إعادة احياء النزاعات المكبوتة وقد ازيلت أسباب كبتها او القشرة اللاصقة التي تخفيها.
لقد تفككوا عبر التاريخ، عند ذات اللحظة القاتلة وقد بلغوا اوج قوتهم وفخرهم بهذه القوة على حد سواء. ولاحظ ايضا احد قادة قوات الاحتلال العسكريين، اننا بلغنا بهذا الغرور والفخر اعتبار انفسنا فناني ممارسة الاحتلال، أساتذته وابطاله، ورأى ان هذه هي الكارثة. ويتضح اليوم كما اتضح هذا القانون الاّخر من حكمة التاريخ، ان الاحتلال ليس مفسدا يصيب فساده الشعوب الخاضعة للاحتلال، ولكنه يفسد دولة الاحتلال نفسها جيشها ونخبتها السياسية
ومن المدهش والصادم كيف لا يرى العقل الإسرائيلي اليوم ان المؤتمر الدولي ليس انقاذا فقط للفلسطينيين وانما لإسرائيل بالقدر نفسه؟.