خبر : "كهوة وكتاب" في بغداد .. شاب يتحدى الإرهاب والتـطرف بتـرويج مكتبة والده بطريقة عصرية

الجمعة 02 سبتمبر 2016 10:23 ص / بتوقيت القدس +2GMT
"كهوة وكتاب" في بغداد .. شاب يتحدى الإرهاب والتـطرف بتـرويج مكتبة والده بطريقة عصرية



كتبت بديعة زيدان:
استطاع الشاب العراقي ياسر عدنان الحفاظ على مكتبة والده في شارع المتنبي الشهير (دار عدنان)، والذي قتل في تفجير إرهابي بالشارع العام 2007، بل وتعميم ما فيها عبر مشروع مبتكر في شارع الكرادة بالعاصمة العراقية بغداد حمل اسم «كهوة وكتاب» أي «قهوة وكتاب»، ما يشكل برأيه «امتداداً لأجواء شارع المتنبي الثقافية التي يشهدها في أيام الجمع، عبر مكتبة عصرية ومقهى يقدم المرطبات والقهوة، ويتيح الفرصة للشباب والمثقفين للاطلاع على ثروة أبيه من الكتب، بل وإقامة أمسيات أدبية وفنية، وعروض سينمائية، وغيرها من النشاطات الإبداعية، التي انطلقت بأمسية للروائي أحمد سعداوي قرأ فيها مقطعاً من روايته التي من المقرر أن تصدر قريباً بعنوان «باب الطباشير»، وشاركه فيها الشاعر حميد قاسم، وآخرون بينهم فرقة موسيقية شرقية، في حفل الافتتاح، قبل أيام.
وقال الشاعر العراقي حميد قاسم لـ»الأيام»: ارتأى هذا الشاب الطموح أن يذهب بمشروعه إلى قلب المدينة حيث الناس وحيث الشباب الذين يشغلهم الهم الثقافي في مدينة تتهدد مدنيتها من الإرهاب ومن التشدد الديني وتطرف المسلحين .. هنا تكمن أهمية هذا المكان، إنه يذهب إلى الناس في حياتهم اليومية.
وأضاف: هنا يجد الشباب مقهى حديثاً يوفر لهم الكتاب مع وظيفة أخرى للمكان، هي أن يكون ملتقى اجتماعيا ومنتدى ثقافيا، في بغداد المدينة التي أنهكتها الحرب والطائفية وقطعان المتطرفين، وهنا تجد المواهب الشابة بيئة صحية تصلح أن تكون حاضنة لهم، حيث أغلب الخدمات شبه مجانية، مثل المكتبة العامة فضلاً عن خدمة الانترنت المجانية.
وأكد قاسم: حين يلتقي المثقفون من مختلف الأجيال والاتجاهات مع الشباب، خارج الأُطر التقليدية للمؤسسات الثقافية، وخارج النمط الرسمي للتداول الثقافي والحوار الديمقراطي، فإن من شأن ذلك بناء تقاليد مدنية وديمقراطية رصينة، تسهم في تكامل مشهد ثقافي حر، صحي وسليم، بعيداً عن أمراض ثقافة المؤسسات ومهرجاناتها وفعالياتها التي تقدم استعراضاً، ولا تؤسس ثقافة أو حراكاً ثقافياً.
ويتميز ديكور المقهى المكتبة أو المكتبة المقهى بجدران ممتلئة بالكتب المتنوعة تفصلها قواطع ما يشبه «الأرابيسك»، إضافة إلى مساحة لإقامة الفعاليات الثقافية والفنية، في عملية بحث عن تجارب مبتكرة لتشجيع عملية القراءة التي تنحدر نسبها في غالبية الدول العربية، وهي تجربة سبقتها تجارب مشابهة في عواصم عربية وأوربية، اشتهر منها في العاصمة الأردنية عمّان مقهى (Books@Cafe) في شارع الرينبو بجبل عمّان، ومقهى «الزقاق» في جبل اللويبدة الذي بات محطة للعديد من المقاهي الثقافية ومقرات المؤسسات الثقافية والفنية وصالات العرض (الجاليري) بل ومقرات بعض الاتحادات الفنية، وغيرها، في حين يسعى البعض في فلسطين إلى تجارب قريبة، لكن الكتاب يبقى بعيداً عن تكوينها كجزء أساس منها، وبالتالي لا يمكن وصفها بالمقهى المكتبة.
وشدد المخرج السينمائي العراقي مهند حيال لـ»الأيام» على أن أهمية هذا المكان تكمن في «كونه بالكرادة» .. وقال: أنا من مدينة الناصرية جنوب العراق، وسكنت هنا منذ أكثر من عقد ولم أشعر بالغربة، احتضنني حي الكرادة ومدنني، وأهم أصدقائي تعرفت إليهم هنا، وأهم مشاريعي أنجزتها هنا.. أشعر دائما أن لدي علاقة حتى بالحيطان والناس البسطاء هنا .. المعروف أن حي الكرادة هو حي تجاري، ولكنه أيضاً حي غزير بالفعاليات والأنشطة المتنوعة، ووجود مكان مثل قهوة وكتاب، يعزز من الطابع الثقافي لهذا الحي المركزي في قلب بغداد.
أما الصحافي العراقي قيس حسن، فقال لـ»الأيام»: هذه التجمعات الثقافية والأماكن الثقافية، بعد هذا العقد الرهيب من الدمار، تعطينا أملاً ببلدنا، وهو بمثابة رسالة بأن المدينة حية ولا تموت .. أن يأتي شاب ويؤسس مشروعاً كهذا في منطقة مستهدفة بالإرهاب كحي الكرادة، يمثل فرحة كبيرة للمدنيين والمؤمنين بالعراق الديمقراطي الحقيقي.
ويبدو أن الشباب والمثقفين العرب، وخاصة في البلاد المنكوبة بآفة القتل اليومي، باتوا يجدون في طرق الترويج الجديدة للكتاب عبر المقاهي والمطاعم ما يبث الأمل في نفوسهم ونفوس الآخرين بعودة مأمولة لحياة طبيعية، عبر مشاريع داخل بلدانهم المثخنة بجراح الحرب، وروائح الدم والرصاص، أو خارجها، ففي العام الماضي، قام السوريان سامر القادري وجلنار حاجو، وبالتعاون مع الكاتبة والناشرة التركية زينب سيفدا باكسوي، وشركاء سوريين آخرين، بافتتاح أول مقهى ومكتبة عربية في تركيا، وبالتحديد في اسطنبول، وحملت اسم «صفحات»، وتحتوي على كتب بلغات عدة على رأسها العربية، إضافة إلى تنظيمها ورشات عمل للكتاب والمهتمين.
القادري وشركاؤه العاملون على إنشاء هذه المكتبة المقهى، هم من أصحاب الخبرة في مجال النشر، حيث كان يملك وزوجته داراً للنشر متخصصة في أدب الأطفال في دمشق، أما التركية باكسوي فهي أيضاً تعمل ككاتبة وناشرة لأدب الطفل في دار نشر «طازة كتاب»، والمشترك في هذه التجربة مع «كهوة وكتاب»، أن الكتب فيهما للبيع.