خبر : من تحرير الوطن إلى كيس أسمنت وجرة غاز د. ناصر الصوير

الأربعاء 31 أغسطس 2016 10:21 ص / بتوقيت القدس +2GMT
من تحرير الوطن إلى كيس أسمنت وجرة غاز د. ناصر الصوير



 في سنة 1918م، وما تلاها بقليل وتحديداً بعد احتلال بريطانيا لفلسطين وانتصار الحلفاء وهزيمة الإمبراطورية العثمانية التي كانت فلسطين تقبع تحت سيادتها، وإعلان الانتداب البريطاني على فلسطين بقرار من عصبة الأمم آنذاك كان سقف مطالب أهل فلسطين يتمثل بوقف تسلل اليهود إلى فلسطين والقضاء على الوجود الصهيوني في فلسطين مع العلم أن عدد اليهود لم يكن يتجاوز بضع عشرات من الآلاف حينها ، وظل هذا السقف يتدنى ويتدنى ويتدنى إلى أن وصل في الوقت الراهن إلى درجة لا يصدقها عقل ولا يستوعبها منطق!! فقد أصبحنا نستجدي ونتوسل ونتسول مطالب لم يكن أكثر المتشائمين ولا أحذق المحللين السياسيين يتصورها أو يتخيلها، فلقد هوى سقف مطالب شعب فلسطين ليصل إلى استجداء أنبوبة غاز الطهي وكيس الاسمنت، وزيادة ساعات وصول الكهرباء ، وفتح المعابر، وإدخال الأسمنت ومواد البناء، وأصبح إعادة فلسطين من البحر إلى النهر ضرب من ضروب الأحلام والخزعبلات وأضغاث الأحلام، بل أصبح الحديث عن الوطن الحر المستقل في الضفة الغربية وغزة فقط أمراً بعيد المنال ويصفه الكثيرون بأنه من المستحيلات في الظروف الفلسطينية والعربية والدولية الراهنة.!!

 السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في ظل هذا الوضع المتعثر والمنفلش والمتأزم: لماذا حدث هذا الانهيار؟!!! أنا شخصياً أعتقد أنه من أهم أسباب التي أدت إلى هذا الانهيار والتقهقر منذ أوائل القرن المنصرم هو بالأساس الحركة أو الزعامة السياسية المتعاقبة للشعب الفلسطيني التي ساهمت بغبائها أو بتواطئها في وصولنا إلى ما وصلنا إليه ؛ هذا طبعاً بالإضافة إلى جانب العديد من الأسباب الاستعمارية والعربية الأخرى التي لا يمكن إغفالها أو التقليل من شأنها.

كانت فلسطين طيلة فترة الاحتلال والانتداب البريطاني (1918-1948م) مثقلة ومبتلاة بصراع علني وخفي بين العائلات الفلسطينية الكبرى!! صراع مرير على سيادة زائفة وزعامة بائدة أدى إلى إجهاض معظم الخطط والجهود التي استهدفت القضاء على الوجود الصهيوني في فلسطين؛ بل على العكس ساهمت هذه العائلات في كثير من الأحيان عن قصد أو بدون قصد بغباء أو بتواطؤ في تمرير مخططات اليهود وتحقيق مأربهم. !! مرت الأيام والسنون وتبدلت الأحوال وانزوت العائلات الكبرى انزواءً مخزياً بعد أن اكتوى الشعب الفلسطيني بنارها وجمرها لعقود طويلة، وتسلمت الأحزاب والتنظيمات والحركات السياسة الفلسطينية التي قامت أصلاً لمقاومة الاحتلال ومقارعته واستعادة أرضنا المنهوبة وحقوقنا المسلوبة، لكن هل اختلفت هذه الأحزاب عن العائلات البائدة بشيء ؟!!

 هذا السؤال لن أخوض فيه كثيراً فالمعروف لا يعرف والحاضر لا يشكر فكل الأمور التي أنتجتها الصراعات الحزبية وكل تداعياتها ونتائجها تتم على مرأى ومسمع من جميع أفراد الشعب، فنحن جميعاً نعيش منذ وقت ليس بالبعيد الحزبية والفصائلية بأوضح صورها وأوضح أشكالها، ونعيش في ظل صراع حزبي غير مسبوق بين القوى السياسية الفلسطينية لا سيما بين كبيري القوم (حماس وفتح) فا هو الانقسام البغيض الذي أطل برأسه منذ عشر سنوات تقريباً ويرفض أن يغادرنا البتة لأسباب متنوعة ومتفاوتة ، بل على العكس يترسخ يوما بعد يوم لدرجة أنه أصبح نمطاً عاديا ترك تبعات وتداعيات كارثية على شعبنا وقضيتنا وسيكون له نتائج كارثية أكبر وأعمق في المستقبل إذا استمر وتوطن وتوطد !! 

إن المنطق يحتم علي جميع فعاليات الشعب الفلسطيني السياسية والمجتمعية والثقافية والأكاديمية والاقتصادية والشبابية أن تقف وتنظر من أمامها ومن خلفها ومن فوقها ومن تحتها وعن يمينها وعن يسارها ومن حواليها وتدرس واقعنا الفلسطيني بعناية شديدة وتتخذ قرارات شجاعة لإعادة اللحمة إلى الجسد الفلسطيني المترهل والمنقسم ورأب الصدع الموجود في جدار الوحدة الوطنية الفلسطينية وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بشكل جذري وكامل، قرارات بحجم المعضلات الموجودة والتحديات الماثلة أمامنا كشعب وكقضية، ولكن شريطة أن تكون قرارات ملزمة للجميع وهذا لن يتأتى إلا بدعم شعبي وجماهيري لها حتى تتحول من حيز النظرية إلى حيز التطبيق. 

ختاماً إن الخشية كل الخشية أن يؤدي هذا التردي في واقعنا الفلسطيني المعاش وعدم تدارك السفينة التي تغرق وتقلنا جميعا إلى تشتيت ما تبقى من مخزون وطني لدينا جميعاً ويصبح الحديث عن فلسطين وحقوق شعبها من ضروب الخيال

 د. ناصر الصوير كاتب ومحلل سياسي