حقوق الحيوان وحقوق البشر في غزة
هكذا اذا لم يكن الأمر يتعلق بتأكيد امتلاك قوة الردع، وإلا لكان هذا العملُ موضعَ هزء لأنه لا احد بين الغزيين على اختلاف أجيالهم او الفلسطينيين عموماً، لا يعرف او ينكر حقيقة ان إسرائيل على هذا الصعيد تملك قوة نيران مرعبة ومخيفة. وانما باستغلال فرصة سانحة صاروخ طائش او افتعال هذه الفرصة لو لزم الأمر، من أجل ضرب أهداف او إنجازات تكتيكية لـ «حماس» في منطقة محددة، توفرت معلومات استخبارية بشأنها، ورأوا لزوم ضربها الآن دون انتظار او تأجيل ضربها الى حرب قادمة او شاملة، لم يعد من الضروري خوضها بنفس الطريقة او المناورة السابقة على مدى الحروب الثلاث الماضية، والتي عرضت إسرائيل الى أضرار على المستوى الأخلاقي والقانوني، ما زالت تدفع ثمنها على المستوى السياسي الدولي الى الآن، ولم تكن ذات جدوى او نفع في الحد من قوة «حماس».
هو تعديل او تغيير او تحسين في أسلوب المقاربة التكتيكية او المناورة الحربية، ربما هي الحرب بالمفرق او المجزأة بمزيج من القوة القاسية او الناعمة، دون إزهاق أرواح. يمكن تبريرها او امتصاصها دون ان تجلب ردود فعل مكلفة، سواء من الجانب الدولي او «حماس» على حد سواء.
ولكن اذا صح هذا التقدير للسلوك الإسرائيلي الجديد، فإنني أظن ان المناورات الجديدة هي أيضا من قبيل الدوران مجددا في الحلقة المفرغة، ولكن الجهنمية من قبيل العبث واللعب الذي لا مبرر له بالنار. اذا كان الوضع الغزي ما عاد يستطيع احتمال حتى هذا النوع من الضغوط فوق الضغوط التي يعانيها، وقد كان المتوقع بعد الحرب الأخيرة ان نشهد نوعاً من التعقل الإسرائيلي بتغيير المقاربة فعلا، باستبدال القوة القاسية بالقوة الناعمة، فك الحصار وإنشاء الميناء. وترك السفير القطري والفريق التركي يقومان بإتمام المهمة الثانية أي تحسين الشروط الحياتية للغزيين عموما.
هذه ارتكاسة أكاد أقول انها تنطوي على قدر من التصرفات ذات النزعة الصبيانية، فليست هذه مدينة صالحة للعب. وإذ يأتي هذا التصرف محمولا في توقيت دلالته مع احترام مشوب بهذا القدر المقابل من اظهار هذه النزعة الحضارية والمدنية وغير البربرية، من الرفق والخوف على مصير نمر وخمسة قرود كانوا لا يزالون عالقين في غزة. فإن كل ذلك من شأنه فقط ان يفيض بمشاعر الإهانة والاستهتار بمصير وواقع آدمية وإنسانية مليونين من البشر المحاصرين والعالقين في غزة، ويذكرهم بحقيقة انهم أي هذه الفئة المتجلد إحساسُها بالمشاعر الإنسانية، ليبرمان وايزنكوت، حينما يسارعان للرد بهذه القسوة المفرطة على صاروخ طائش دون ان يكترثا للرعب والهلع الذي يصيب الآلاف من الأطفال وآباءهم وأمهاتهم وأجدادهم. فإنه يبدو لهم وكأنه لا احد يرحمهم او يرأف بحالهم.
وارجو ان أكون مخطئاً بأن هذا الشعور هو الوصفة العنوان الكبير على الحائط للذهاب الى الحرب او انفجار الغزيين القادم، الذين يشعرون يوما بعد يوم وقد سدت كل الطرق أمامهم، ان الموت والحياة يتساويان إزاء هذا بالملل واليأس من هذه الضغوط المتواصلة عليهم، دون انتظار مغيث يخلصهم من هذا الوضع سوى انفسهم.
إننا في كل مرة إزاء هذه المعادلة الحمقاء، تفوق وغلبة غريزة الحرب لدى إسرائيل على الحسابات السياسية العقلانية، وهي الوصفة الحقيقية التي ترسم ملامح صورة سوداء كارثية، لمواصلة النزعة المدمرة هذه لنا ولهم. وحيث لا غالب ولا مغلوب في نهاية المطاف سوى الجنوح الى السلم للخروج من هذه الحروب العبثية، ومن هذا الصراع بالمعنى الأشمل مع الفلسطينيين ككل.
على عجل او قلق كأن الريح تحتهم
على عجل او قلق كأن الريح تحتهم، جو بايدن نائب الرئيس الى تركيا، وجون كيري الى السعودية، على عجل وبسرعة لأن الوقت لا يسمح بالتلكؤ او التأخر بالسباق، سباق المسافات القصيرة وقد بلغ ذروته الساخنة او المحمومة، ويكاد الحلف الاستراتيجي الذي أقيم منذ عقود طويلة ان يتهاوى هكذا فجأة مثل قصر من الرمال.
وإذ دعا علي عبدالله صالح الرئيس اليمني المخلوع وعلى الجملة بوتين، أن تعالَ هنا وأقِم قواعدك على باب المندب بعد ان أصبحت هذه القواعد في بلاد فارس قرب مضيق هرمز، وعلى مضيق البسفور سلاما أردوغان وبوتين على الصداقة الجديدة. فإنه لم يبق عندئذ غير أن يدعو الفلسطينيون بالمرة روسيا لتقيم قاعدتها في رفح قرب قناة السويس، وعلى الحواف الأفروآسيوية.
على قلق قدّم جو بايدن الاعتذار لرجب طيب أردوغان، الذي ما برح منذ محاولة الانقلاب الفاشل يردد تهديده للأميركان بفك التحالف الاستراتيجي معهم، فقد تم الإمساك بهم وهم شبه عراة من سراويلهم في هذه المحاولة المشؤومة، إسقاط حليفهم هذا ما لم تسلم أميركا بدون قيد او شرط فتح الله غولن المتهم الرئيسي بتدبير الانقلاب. واقرن أردوغان الذي لا يمزح القول بالفعل، حين ذهب الى موسكو وجاء اليه في اليوم التالي وزير الخارجية الإيراني، فدب الذعر في أوساط البيت الأبيض.
وليس الاعتذار وحده ولكن تقديم الهدية او الجائزة الكبرى لتركيا، السماح لها بإقامة المنطقة العازلة على حدودها مع سورية. وتقديم رأس الأكراد السوريين لأردوغان على طبق من الفضة، وكل ذلك على أمل امتصاص غضب الأتراك والمراوغة في تسليم فتح الله غولن، ليس تمسكاً بهذا الأخير الذي بات ورقةً محروقة عديمة الأهمية ولا تصلح للعب، ولكن لئلا يؤدي تسليمه لتركيا إلى كشف المستور أي الدور الأميركي السري في الانقلاب.
أما الى السعودية، فنحن ونحن فقط أيها الحلفاء الأعزاء والقدماء، من يستطيع إخراجكم من هذا الوحل او المأزق اليمني. وكان لزاما علينا «أصول الشغل» ان نستبق طرح مبادرتنا او وساطتنا الحميدة، لإرضاء كل الأطراف، الإلقاء الى الحوثيين بهذه العظمة او الوهم، بالإعلان عن تقليص عدد المستشارين العسكريين خاصتنا، في إطار التحالف معكم للظهور أمام خصومكم كما لو أننا محايدون او صادقون. وهكذا فإننا الآن نلقي وبعد ذلك بعصانا السحرية. والمخرج ثلاث كلمات: التساوي في الحكم، والسلاح الحوثي يسلم الى طرف ثالث، وعودة الأطراف الى تموضعها السابق قبل الأزمة.
هكذا اذن بخطوتين مبادرتين مزدوجتين لإرضاء تركيا والسعودية، تأمل إدارة أوباما في هذا الوقت الانتخابي إعادة إصلاح وترميم ما اعترى تحالفها مع القوتين السنتين الأكبر في الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي، وقف وكبح جماح الاندفاعة الروسية. وبدلا من إخراجها من اللعبة وعزلها على رقعة الشطرنج «كش ملك «، نقل الأزمة الى الملعب الروسي الذي بدا وكأنه، أي قيصر روسيا، على استعداد للذهاب أبعد من ذلك، في التسلل من بين الشقوق والثغرات التي خلفتها الأخطاء الأميركية، حين قدمت روسيا عرضها على إسرائيل والفلسطينيين لرعاية مفاوضات تفضي الى حل هذا الصراع المتطاول، ما يعني حلول روسيا كعراب بديل عن أميركا في حل الأزمة الام في الشرق الأوسط، وهو ما كان يعني اخذ المنطقة برمتها وسحبها من يد الأميركيين.
وبالمناسبة فان نتنياهو ولأسبابه الخاصة في ازمته مع إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي، ولدوافع تتعلق بمحاولة التهرب والالتفاف على المبادرة الفرنسية والمؤتمر الدولي، فأنه لم يتردد نكاية بالأميركيين باللجوء إلى هذا القدر من التساوق مع الروس وبوتين، ولو على سبيل المناورة واللعب على الحبال والتعارضات، لتوجيه رسالة إلى الأميركان بأن إسرائيل تملك خيارات أخرى بالتنسيق مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الروسي بوتين. فهل تكون الحركة الثالثة الخطوة المقبلة لإدارة أوباما هي إغلاق هذه الثغرة بالتوجه نحو الفلسطينيين؟.


