خبر : د. أحمد يوسف: الإنسان والرجل والقائد ...د. أيمن أبو العينين

الجمعة 26 أغسطس 2016 01:43 م / بتوقيت القدس +2GMT
د. أحمد يوسف:  الإنسان والرجل والقائد ...د. أيمن أبو العينين



الجزائر ولمسة الوفاء: الجندي المجهول

لعل من محاسن القدر، أنني سمعت عن د. أحمد يوسف قبل مجيئه إلي أرض غزة، ففي عام 2004، حصلت على شهادة الثانوية العامة بمعدل 90.8% في القسم العلمي، وحصلت علي العديد من المنح، لدراسة الطب والهندسة في دول عديدة؛ السودان واليمن والجزائر، لكن كانت منحة الجزائر مميزة لي؛ لأنها تحقق طموحي للالتحاق بكلية الطب في جامعة عنابة بالجزائر، وبسرعة كان قراري هو السفر للجزائر لدراسة الطب هناك، لكن لم يقدر (الله تعالي) أن أسافر لظروف عائلية، وسافر صديقي وزميلي (م. ع)، كي يدرس الطب في جامعة عنابة، وفور وصوله هناك، كنت علي اتصال دائم معه، كان يحدثني عن الغربة والدراسة وكل ما يحدث معه، وفي ذات مرة وأنا أتحادث معه عبر الانترنت، قال لي بأنه التقي بقيادي فلسطيني في حماس والإخوان، حيث إن هذا القيادي هو من استطاع أن يستخرج بعض منح الجزائر للطلاب المتفوقين من شباب الحركة الإسلامية في غزة، وعبّر صديقي عن إعجابه بعقليته الواعية والواعدة لهذا القائد، موضحاً بأن اسمه د. أحمد يوسف، وأوضح صديقي بأنه جالس الدكتور أحمد لساعات معدودة فقط، وكان يتمني لو طال الحوار بينهما، وأجاب صديقي على استفساري، عندما أردت أن أعرف بأنه من الجزائر، فردّ عليّ قائلاً: إن د. أحمد يقيم مؤقتاً في الجزائر، وبالرغم من ذلك بذل جهوداً كبيرة في استخراج العديد من منح الطب والهندسة لطلاب (الحركة الإسلامية) المتفوقين في غزة والضفة.
لقد كان هذا الجهد المبارك منه، هو عبارة عن أول لمسة وفاء عملية لأبناء شعبه، حيث كان هذا الجهد، قبل أن تطأ أقدامه أرض غزة، حيث أثبت من خلالها د. أحمد يوسف أنه أينما أقام، كان خادماً لشعبه ووطنه.
لقد عبر صديقي الطبيب (حالياً)، عن فخره بتلك القامة الوطنية والإسلامية والحركية الكبيرة لفلسطين، وأن فلسطين لديها رجالات سياسية كبيرة خارج أرض الوطن تعمل علي خدمة شعبهم.
في الحقيقة، اشتقت لرؤية د. أحمد يوسف من شدة مديح صديقي وإعجابه به، ووفائه لنا كطلاب متفوقين في تحقيق أحلامنا لدراسة الطب، إن ما بذله د. أحمد يوسف من جهود كبيرة أثناء إقامته المؤقتة في الجزائر، لتأمين منح لطلاب (الحركة الإسلامية) المتفوقين في غزة والضفة، ينم عن وفائه لشعبه وحركته، وأنه أينما أقام سيخدم شعبه وأهله وحركته.
البداية: مخيم التدريب القيادي للكتلة الإسلامية
في عام 2007، وبعد الانقسام السياسي مباشرة، أقامت الكتلة الإسلامية مخيماً تدريبياً قيادياً لنخب من شباب الكتلة الإسلامية بجامعة الأقصى بغزة، حيث كان عبارة عن سلسلة من اللقاءات مع الرموز القيادية في حركة حماس، وكذلك مع شخصيات ونخب أكاديمية، حيث كان من بين الضيوف في إحدى اللقاءات د. أحمد يوسف.
بنفس القدر الذي تلهفت لمقابلة د. أحمد يوسف، صاحب الفضل علينا كطلاب (الإخوان) المتفوقين، بأنه ساعدنا علي تحقيق أحلامنا لدراسة الطب في الجزائر، أيضاً كان نفس القدر، الذي جعلني أفقد الرغبة في مقابلته عندما جاء ضيفاً علي هذا المخيم، والسبب هو أنني استمعت لأصوات الكثير من القيادات والنخب في حركة حماس، والتي كانت تصفه بالأوصاف التالية: (عامل حاله فهمان علينا، صاحب العقلية الأمريكية والتربية الغربية، يغرد خارج السرب)، وبعد أن تكررت لأذني هذه الأقوال، تكونت عندي صورة ذهنية عنه بأنه رجل صناعة أمريكية وأوروبية، وعلي أثر ذلك، قررت عدم حضور ذلك اللقاء، ولا حتي أي لقاءات أخري في أي من الأماكن.
لقد أخذت قراراً في نفسي، أن لا أقابل د. أحمد يوسف مطلقاً، وأن لا أحاول حتي الاستماع إليه في المحاضرات واللقاءات الحركية؛ لأنني قد بنيت في نفسي صورة ذهنية مشوهة عنه، بالطبع كانت نتيجة التعبئة – للأسف - من قبل البعض من نخب حماس وقياداتها.
النائب سيد أبو مسامح: جسر الوصول
في عام 2009، ربطتني علاقة قوية مع الشيخ النائب سيد أبو مسامح، هذا القائد المتواضع والإنسان الخلوق الطيب، والذي يحب مجالسة الشباب عموماً والشباب (الإخواني) خاصة، ويتقرب منهم، ويحاول أن يوثق علاقته بالشباب الطموحين منهم.. آنذاك، كنت ناشطاً في حركة المقاطعة الثقافية والأكاديمية ضد إسرائيل (BDS)، والتي كان يترأسها الأستاذ الدكتور/ حيدر عيد (أستاذ الأدب الانجليزي في جامعة الأقصى بغزة)، لقد كان د. حيدر عيد يساري الفكر، وأنا وصديقي النائب سيد أبو مسامح، من أبناء حركة حماس (إسلاميي الفكر)، فقررت أن أقدم د. حيد عيد، للشيخ سيد أبو مسامح، وبهذا نكون قد أصبحنا نحن الثلاثة، خليطاً فلسطينياً وطنياً.
بعد التعارف، جمعتنا لقاءات عديدة مع بعضنا البعض، تناولنا قضايا الوطن والمقاطعة الأكاديمية ضد إسرائيل، وتحدثنا لساعات طويلة، عن آفاق المستقبل لقضيتنا، وفي إحدى المرات، اقترح عليَّ الشيخ سيد الالتقاء بالأخ د. أحمد يوسف، الذي كان - آنذاك - قد أسس معهد بيت الحكمة لحل النزاعات والاستشارات، وبعد تردد، وافقت للذهاب كي ألتقي د. أحمد، وأتعرف إلى مؤسسة بيت الحكمة، وهناك أستطيع أن ألتقي بالوفود الأجنبية، فأطور من مهارة التحدث باللغة الإنجليزية معهم، وفي نفس الوقت أرتقي بقدراتي ومهاراتي في علم السياسة، وأوسع معرفتي بالقضية والوطن، من خلال اللقاءات التي تعقد هناك بشكل مستمر.
ذهبت بصحبة الشيخ سيد إلي معهد بيت الحكمة، وقد كان هناك لقاءٌ يجري مع وفد سويدي، وكان د. أحمد يوسف هو من يدير الحوار بين الوفد والنخب السياسية والأكاديمية التي تحضر اللقاء، وفي هذا اللقاء استمعت للأخ د. أحمد يوسف، وهو يخاطب العقلية الغربية، ويبني جسور التفاهم بيننا كإسلاميين وبين الغرب.. بعد هذا اللقاء، قررت أن أكرر زيارتي لمعهد بيت الحكمة، والجلوس مع د. أحمد يوسف، وبالفعل، زرت المؤسسة مرات متتالية استمعت فيها للأخ د. أحمد وهو يتحدث عن الحالة السياسية الفلسطينية، وعن تجارب حركة الإخوان المسلمين في الدول العربية والإسلامية وغيرها من الموضوعات التي أثارت فضولي كثيراً. في الحقيقة، لقد تغيرت قناعاتي عنه، وقررت إزالة الصورة الذهنية المرسومة عنه في نفسي، ومن ذلك الوقت قررت أن أطبق هذه المقولة "اسمع من الشخص، قبل أن تسمع عنه".
عرض علي الشيخ سيد أبو مسامح، العمل في قسم العلاقات العامة والإعلام في معهد بيت الحكمة، فوافقت وعملت لمدة أقل من شهر، عرفت فيها د. أحمد يوسف عن قرب، لمست من خلالها تواضعه الشديد في التعامل مع الآخرين مهما كانوا.. أثناء عملي مع د. أحمد، عرفت ماذا يعني أن تقابل مفكراً إسلامياً صاحب عقلية مستنيرة. للأسف، لم يدم عملي طويلاً مع د. أحمد، والاستفادة منه ومن تجاربه، وذلك بسبب وجود فرصة عمل أقرب وفي مجال تخصصي ، وبالرغم من خروجي من المؤسسة، إلا أنني لم أنقطع عن زيارة هذا المكان الذي يحتضن عقلية إسلامية مستنيرة.
إفطار رمضاني... نكهة نقاش خاصة
في شهر رمضان الماضي (2016)، كان هناك نخبة من الشباب الإسلامي علي موعد إفطار مع د. أحمد يوسف، يسبقه نقاش بين الشباب والدكتور حول تجربة تونس في الحكم والسياسة والتصريحات التي أطلقها الغنوشي وأثارت ردود فعل في الساحة الإسلامية، كما تمَّ مناقشة النظام الانتخابي للحركة الإسلامية وإمكانية مساهمة الشباب في تعديل النظام وتغييره، وضرورة التركيز على البرنامج الانتخابي وليس المواصفات الشخصية للمرشح، وألمح د. أحمد في حديثه ونقاشه عن تجارب الانتخابات المتنوعة للحركات الإسلامية في العالم، وكيفية الاستفادة منها في تطوير النظام الحركي، الذي يتيح ضخ دماء شبابية جديدة للنهوض بالوضع التنظيمي المتهاوي.
لقد كان النقاش ممتعاً، وتحدث الأخوة الأفاضل بما يدور في خلجات صدورهم عن الوضع الحركي والفلسطيني المأزوم، وطالب الأخوة في نهاية اللقاء من د. أحمد أن تستمر مثل هذه اللقاءات التي تصقل قدراتهم في شتي قضايا العمل الإسلامي.
د. أحمد يوسف... في عيون شباب الحركة الإسلامية
يعلم الجميع من أبناء الحركة الإسلامية، بأن د. أحمد يوسف يتمتع بروح شبابية كبيرة، وديناميكية عالية في التعبير عن رأيه بقوة وجرأة وصراحة فيما يستجد من أحداث علي الصعيد الوطني والإسلامي والدولي، فيكتب عنها بعين الإنصاف وبروح وطنية كبيرة، بعيداً عن الرؤية الحزبية الضيقة.
إن غالبية من جالسوا د. أحمد يوسف، وعرفوه عن قرب، لمسوا فيه التواضع والمعرفة والتجربة، أما أولئك الذين لم يجالسوه من قريب فهم صنفان:
الصنف الأول؛ هم الأشخاص الذين لم يجالسوه ويتعرفوا إليه، ولكنهم يتابعون كتاباته وآرائه ويتفقون مع رؤيته للأوضاع علي الساحة الفلسطينية خصوصاً، ولكنهم يخشون التعرف عليه والتقرب منه بسبب "الفيتو الحمساوي"، ممن يعتبرون أنفسهم قادة حماس وجهابذتها.
الصنف الثاني؛ وهم الأشخاص الذين لم يتعرفوا إليه - لا من المجالسة ولا من قراءة ما يكتب - ويرهنون أنفسهم بما يسمعونه عن د. أحمد من أنصاف المتعلمين أو المتحاملين بغير وجه حق عليه.
إجمالاً، أعتقد بقوة أن د. أحمد يوسف يعتبر مدرسة في الفكر والمعرفة السياسية، لما يمتلكه من معرفة واسعة وتجربة طويلة في شؤون الحركات الإسلامية في فضاءاتها الإقليمية والدولية، التي من الممكن الاستفادة منها في واقعنا الفلسطيني المأزوم، حيث انتهي بنا الحال إلى واقع سريالي من الضياع وفقدان البوصلة والترنح بعيداً عن أهدافنا الوطنية.
ماذا قال الآخرون عنه:
طارق سويدان... رفيق الفكر والدرب
بعد الانقلاب العسكري في مصر على الرئيس د. محمد مرسي، وأثناء الاعتصام السلمي للجماهير المصرية في ميدان رابعة، قدَّر الله أن أتحادث عبر "الفيس بوك" مع المفكر الإسلامي د. طارق سويدان، ودار حوار طويل بيننا، وخلال المحادثة، أوضحت للأخ د. طارق أنني علي علاقة صداقة مع د. أحمد يوسف، والذي كان رفيق درب معه في العمل الإسلامي في الولايات المتحدة، وعندما سألت د. طارق كيف بإمكاني أن أصبح مفكراً وقائداً إسلامياً بارزاً مثله، فكان رده: " تسألني عن النجاح والقيادة والفكر، ولديك نموذج في الفكر والقيادة والعمل الإسلامي، إنه أخي وصديقي د. أحمد يوسف".
قيادة حماس... هكذا وصفوه
في إحدى المرات ذهبت إلي مقابلة مع قيادات حركة حماس، وذلك للعمل في إحدى مكاتب الحركة بالخارج.. أثناء المقابلة، سألني أحد الإخوة القياديين عن آخر كتاب قرأته، فكان ردي هو كتاب "هكذا عرفناهم" للأخ د. أحمد يوسف، فأومأ برأسه قائلاً: "أنت من أصحاب المدرسة الفكرية للدكتور أحمد يوسف؟!"، وبالطبع، توالت الأسئلة منهم عن فكر د. أحمد ونظرته للقضايا والأحداث المتوالية في قطاع غزة.. مقابلة حملت أسئلتها الكثير مما لا زلت أفكر به حول علاقة المفكر بالتنظيم.