خبر : في ربع الساعة الأخير .. كل الرياح تدفع في أشرعة الفلك الفلسطيني .. حسين حجازي

السبت 20 أغسطس 2016 11:19 ص / بتوقيت القدس +2GMT




ندخل بعد أيام في شهر أيلول خريف عمر كل السنين، في استدارة الشمس نحو برج السنبلة أو العذراء، نقصان النهار وزيادة الليل. ولكننا في هذه السنة عامنا هذا ربما جاز لنا الافتراض بأننا نبدأ مجازاً الولوج من عتبة الأمتار العشرة الأخيرة في سباق المسافات الطويلة التي قطعناها في غضون السنين الماضية. او بالمعنى الرمزي ربع الساعة الأخيرة قبل أن تدق عقارب الساعة الكبرى على الحائط معلنة الحادية عشرة، أي انتهاء الوقت او فوات الأوان. اذا كنا ندخل في أيلول الى الربع الأخير من عام رأينا أنه سنة الحسم الأخيرة في تقرير مصير ما يسمى بحل الدولتين.
وقد يبدو الآن أن كل المنطقة وليس نحن فقط، بدأت منذ الآن الانتقال من أمر "استرح "الى أمر الاستعداد "استعد". وحيث كل طرف يستعد ويتخذ لنفسه وضعية هذا الاستعداد، انتظارا لنتائج الانتخابات الرئاسية في شهر تشرين الثاني في الولايات المتحدة. وحيث يتضح الآن ان تأخير موعد عقد المؤتمر الدولي بخصوص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الى كانون الأول عند نهاية العام، إنما للسبب نفسه.
وهكذا فإن هذه ثلاثة شهور يتوقع لها من الآن ان تشهد تطورات وأحداث من قبيل حبس الأنفاس، وقد نشير فقط هنا الى معركتين فاصلتين سوف تقرران مصير التوازنات الجديدة في الشرق الأوسط، هما حلب والموصل. كما انه ليس بعيدا عن هذه التموضعات الجيوسياسية إعادة خلط التحالفات، التقارب الروسي الإيراني التركي الجديد مثالا.
واذا صحت المعلومات التي تتحدث عن نية او عزم الرئيس الأميركي نفسه باراك أوباما، إعادة موضعة موقف أميركا في ربع الساعة الأخير هذا من انتهاء ولايته، فيما يشبه إطلاق الرصاصة الأخيرة على رأس بنيامين نتنياهو، غريم الرئيس بيل كلينتون قبل نهاية ولايته وغريم أوباما طوال ولايته، بالتقدم الى مجلس الأمن الدولي بقرار لا سابقة له يؤكد على حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. فإن هذه الضربة الأخيرة لباراك أوباما والتي تهدف ربما الى إلزام الرئيس القادم بدعم مخرجات المؤتمر الدولي فيما يخص آليات تنفيذ هذا الحل، فإنها قد لا تكون الخطوة الأخيرة والوحيدة التي سيقدم عليها أوباما في اللحظة الأخيرة، أي في غضون الأسابيع القليلة القادمة، والتي تسبق موعد الانتخابات. وذلك دعما لمرشحته هيلاري كلينتون. وانما قد نشهد تدخلاً أميركياً حاسماً في إنهاء حكم تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل على غرار التدخل الأخير في سرت بليبيا ولكن على نطاق أوسع في الموصل.
بالمناسبة، كان التحرك الكبير وذو المغزى الذي قام به الرئيس الأميركي بل كلينتون، قد تم أيضا في الشهور الأخيرة من نهاية ولايته الثانية برعايته لمفاوضات كامب ديفيد بين عرفات وايهود باراك،؟ وكان بنتيجتها رفض عرفات المقترحات التي عرضها، ان أوصى بل كلينتون خليفته جورج بوش الابن، عدم استقبال عرفات في البيت الأبيض باعتباره أهان رئيس الولايات المتحدة. وهو ما دعا عرفات الذي توقع الانتقام الأميركي منه إطلاق الانتفاضة الثانية كنوع من إعادة التموضع والاستعداد، لكن الانتقام الأميركي من عرفات كان شديد القسوة، اذ صمت بوش الابن على حصار شارون له في المقاطعة، واغتياله بالسم لاحقاً.
بيد أن الانتقام او تصفية الحساب مع الحلفاء أي من يعتبرون تابعين وأصدقاء، هو شيء مختلف ويتخذ عادة أسلوبا مغايرا هو الانقلاب الداخلي عليهم، إسقاط نتنياهو العام 1998 من قبل كلينتون، ومحاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان الشهر الماضي، التي يعتقد على نطاق واسع ان إدارة أوباما وراءها.
فهل نحن اليوم مجدداً بإزاء تكرار نفس السيناريو للمرة الثانية مع بنيامين نتنياهو، الذي استخف بل استفز طوال الوقت باراك أوباما؟. اذا كان هذا الاحتمال هو المغزى الوحيد عند هذه اللحظة لسماعنا أصوات استلال السكاكين داخل حزب الليكود ومن خارجه ضد نتنياهو: إسرائيل كاتس وجدعون ساعر وموشي يعالون وحتى ايهود باراك، بعد فشل حزب العمل في التصدي للمهمة. وما هي إعادة التموضع او ضبط الأداء التي سيقدم عليها نتنياهو لمواجهة هذه الضغوط بل لعلها الحرب المزدوجة ضده من الداخل والخارج؟.
يقال إنه جمع المراسلين السياسيين في وسائل الإعلام والصحف الإسرائيلية، وابلغهم نيته طلب اللقاء بالرئيس أوباما، حين يذهب الى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول القادم.
وقد يبدو لنا من الواضح انه لم يبق امامه سوى لعب هذه الورقة، أي التنازل للقاء أوباما في محاولة لاسترضائه، وقد رفض في وقت سابق قبل بضعة شهور قبول دعوة أوباما للاجتماع به في البيت الأبيض. وهذه المحاولة الانحناءة امام أوباما في اللحظة الأخيرة على أمل إصلاح الموقف وإقناع الرجل بوقف إطلاق النار، انما تأتي بعد فشل محاولته الالتفاق على المبادرة الفرنسية والمؤتمر الدولي، بالتعاون بل والتآمر مع توني بلير عبر ما يسمى بمؤتمرات السلام الإقليمي، واتخاذ الرئيس أبو مازن موقفا صلبا من جميع هذه المناورات والحيل، التي كانت تهدف الى إفشال المؤتمر الدولي والمبادرة العربية حتى قبل ان ينعقد هذا المؤتمر، ويظهر الفلسطينيون في موقف غبي وسخيف وكأنهم يديرون الظهر لأوروبا وفرنسا، وحتى لإدارة أوباما، في إجماعهم على عقد المؤتمر وتحدي بنيامين نتنياهو.
الخضوع اذن ولكن الممزوج بهذا الملق الذي يعكس بهذا الإذلال واقع الحال بين سيد البيت الأبيض وتابعه، وانكسار الغرور اذا كانت الحسابات أيضا في النهاية انعدام فرص هذا المعتوه دونالد ترامب، وفوز هيلاري كلينتون. والتقديرات التي تشير كلها الى انها لن تخرج عن سياسة زوجها وعن سياسة أوباما.
ولكن، لئن صح القول أن ثمة أساسا في هذه الدراما للبعد والطابع الشخصي بين الرجلين، الا ان لهذه المسألة عند قرب نهاية عهد أوباما بعداً أكثر تعقيداً، وهو يستعد ليخط توقيعه الأخير او اللمسة الأخيرة على اللوحة، وهنا اذا راهن او اعتبر الرجل أن الاتفاق مع إيران من دون قتال او إطلاق رصاصة واحدة هو ارثه الشخصي، فإن مفاجأة بوتين له من قاعدة همدان الجوية في إيران قبل أيام، تبدو الآن وكأنها تجرد الرجل من هذا الادعاء وتمحو هذا الإرث على حد سواء. وعليه هل نخاطر بالتقدير والتوقع وقد رأينا ذلك من قبل، أن قلنا إنه لم يبق أمامه سوى هذا القرار او الموقف التاريخي بوضع الإطار القانوني والسياسي الدولي لفرض قيام الدولة الفلسطينية. اذا كانت روسيا تأخذ اليوم تركيا وإيران معها اي السنة والشيعة، ولن يكون أمامه وأمام الرئيس الأميركي القادم سوى محاولة كبح جماح روسيا، بإرضاء القوم السني لئلا يرى انضمام السعودية غدا الى تركيا في هذا التحالف مع روسيا. وما المدخل هنا غير المسألة الفلسطينية؟.
ان الولايات المتحدة في طريقها اليوم لخسارة اهم حليفين لها في الشرق الأوسط، وهما تركيا والسعودية. وفي الوقت الذي يرسل فيه بوتين بمبعوثه بوغدانوف برسالة شخصية الى أبو مازن من بوتين، فإن هذا يعكس صورة هذا السباق او التنافس الحاد بين موسكو وواشنطن على وراثة روسيا لأرث الولايات المتحدة بأوضح من أي مرة سابقة.
فهنا حيث يهدد هذا المعتوه افيغدور ليبرمان السلطة الفلسطينية والرئيس أبو مازن بالمقاطعة والالتفاف عليها، فإن كل الرياح تبدو كما لو أنها تدفع في أشرعة الفلك الفلسطيني. الى تركيا اذاً، حسنا أيها الرئيس لتكن المحطة الأولى في وجهة السفر، واذا تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، فقد كان حكيماً وصائباً ممارسة هذه الديمقراطية والانتخابات على المستوى المحلي، ومن بعد ذلك قدماً الى المؤتمر الدولي والصراع على المحور القانوني.