خبر : بين الخوف و الأمل ضاع الحلم ...محمد الزعيم

الأحد 14 أغسطس 2016 01:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
بين الخوف و الأمل ضاع الحلم ...محمد الزعيم




ما زالت السياسة الفلسطينية تعاني من غياب استراتيجية واضحة في التعامل مع الإسرائيليين, والدليل على ذلك هو حجم الإخفاقات التي سجلتها السلطة على مدار أكثر من عشرين عامًا من المفاوضات. حاول ياسر عرفات التوصل إلى حل مع الإسرائيليين دون المساس بالقدس التي كان يعتبرها جوهرة التاج التي لا يمكن التنازل عنها. خاض كل المعارك السياسية اللازمة في سبيل الوصول لحل وكان كلما اقترب من التوصل لاتفاق اصطدم بأحد مكونات النظام الإسرائيلي الذي يتعاقب عليه اليمين واليسار واللذان أثبتا كليهما لعرفات أنه لا وجود لليمين أو اليسار عندما يتعلق الأمر بمصلحة إسرائيل.
أجبر هؤلاء أبو عمار على المواجهة وتفجير الانتفاضة التي خلقت حالة من فوضى السلاح في الأراضي الفلسطينية، وانتهت هذه الحالة بمحاولة تصفيته سياسيًا ومن ثم تصفيته جسديًا. وبرحيل ياسر عرفات، فقدت الساحة الفلسطينية الرجل الذي عَرِف كيف تُعقل الناقة .
تغير وجه المشهد الفلسطيني بمجيء محمود عباس الذي حاول أن يطبق سياسته الخاصة المعتمدة على أساليب المقاومة الشعبية، حاول أن يطبقها على شعب ما يزال مثقلًا بالجراح، شعب ما تزال بندقيته بيده. شرع القائد الجديد في محاولة شرعنة وجوده كقائد للشعب الفلسطيني بإرساء دعائم الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية غير المستقرة بسبب استمرار ممارسات فصائل المقاومة المتمثلة في اللجوء إلى المقاومة كأعمال دعائية لكسب الرأي العام وإحراج السلطة. أصدر أبو مازن مرسوم خاص بالانتخابات التشريعية وأصر على إجراء الانتخابات التشريعية رغم كل التحذيرات الفتحاوية له من نتائجها. انتهت الانتخابات بفوز حماس وتشكيلها الحكومة ومن ثم الانقلاب على أجهزة السلطة، لتتعرض القضية الفلسطينية لأعنف ضربة في تاريخها وعلى أيدي أبنائها .
بدأ فصل جديد في السياسة الفلسطينية منذ حدوث الانقسام. انتهجت قيادة الضفة الغربية التي فرضت نفسها وصيًا على أهل غزة وتحكمت بهم من خلال أرزاقهم وما تقدمه لهم من نذر يسير من الخدمات، سياسة جديدة في التعامل مع الإسرائيليين من خلال ما أطلق عليه الرئيس عباس "المقاومة الشعبية". استغلت إسرائيل حالة الانقسام وقدمت تسهيلات للسلطة الفلسطينية في الضفة، واستطاعت السلطة من خلال هذه التسهيلات إعادة ترتيب الأوضاع بالضفة وإحكام قبضة الأمن هناك وبناء دولة مؤسسات تفتخر بها قيادة المقاطعة التي أصبحت تأمل أن تحافظ من خلال ضغطها الشعبي والسياسي على إسرائيل على المكتسبات والدولة. لكن التجربة أثبتت أن الإسرائيليين لن يمنحوا القيادة في الضفة أكثر مما حصلت عليه. ظلت القيادة تراوح مكانها خوفًا من ضياع ما حققته من انجازات وامتيازات. وفي المقابل، تم فرض الحصار على القطاع واستفادت منه حركة حماس إعلاميًا في تأليب الرأي العام العربي ضد السلطة الفلسطينية في رام الله. خاضت حماس ثلاثة حروب دفع ثمنها أبناء قطاع غزة وجنت حماس ثمارها من خلال سيطرتها على جميع موارد الدعم المقدمة للمتضررين من الحرب. ولم تجد الحركة أي غضاضة في التنقل من حليف إلى حليف ومن عاصمة إلى عاصمة في سبيل الحفاظ على مكتسبات الانقلاب. تعلم حماس جيدًا أنها في مأزق لذلك فهي تلجأ دومًا لافتعال الأزمات وابتزاز خصومها السياسيين في سبيل التخفيف من أزماتها. وما زالت تأمل الحركة في التوصل إلى حل يعيد لها هيبتها أمام الغزيين الذين أرهقهم الحصار والفقر والبطالة والحروب المتعاقبة. لكن حماس لم تجن أكثر من التوصل لاتفاق الأمن مقابل الهدوء, وتنتظر حماس التي تعول كثيرًا على علاقتها مع تركيا وقطر انفراجة عن خلال حليفيها ولكنها تتخوف في الوقت نفسه من أن تلطخ نفسها بعار الاتفاق الذي سيضعها في مواجهة مع جيش معبئ ضد المفاوضات .
استطاعت إسرائيل الاستفادة من الوضع الفلسطيني الجديد، فجعلت القيادة الفلسطينية تتأرجح بين الخوف والأمل. وأصبح الفلسطينيون في حالة توقف دائم، فلا إقدام ولا إحجام، بل دخلوا في دوامة التخبط التي أضحت تقود المشروع الفلسطيني إلى قعر الجب: فالأمل في تحقيق مكاسب يتقاطع مع الخوف في الحفاظ على المصالح, والأمل في المواجهة يصطدم بالخوف من خسارة الامتيازات, بينما الأمل في إرغام الإسرائيليين على الخضوع للمطالب الفلسطينية يصطدم بالخوف من ضياع المكتسبات الضئيلة. قدم الفلسطينيون وللأسف لإسرائيل أفضل هدية بانقسامهم واستطاعت إسرائيل استغلال هذا الانقسام لتتعامل مع كل طرف بالطريقة التي يحب أن يلعب بها، وبهذا نجحت في وضع حلم الدولة في خزنة سرية لتعود وتخرجه بعد أن تكون قد صاغته بالطريقة التي تحلو لها .
على القيادة الفلسطينية أن تعي جيدًا أنه لم يفت الأوان بعد ولكن أيضا لم يتبق الكثير من الوقت. وحتى ننقذ حلم الدولة من الضياع، يتعين على القيادة توحيد استراتيجيتها ويتعين عليها أن تعيد للمقاوم مكانته كسيف لفلسطين وللمفاوض وضعه كترس للقيادة.