الحلقة الأخيـــ 8 ــرة .
في سِلسلة الحَلقات السَّابقة ، أوضح الكاتبُ رؤيته لتعريفات " مصطفوية" لنظام الحكم و.. و يُكِمل اليوم في هذه الحلقة الثامنة و الأخيرة من سلسة حلقات جمهورية النبي ،رؤيته للتعريفات و المفاهيم " المصطفوية"
*****
إن هناك جزء كبير من العلمانية بمفهومها العام ، هو إسلامي جداً .. فمثلاً إحدى أهداف و منجزات العلمانية أنها حدت من السلطتين ، السلطة الرسمية ، و السلطة الدينية الكنسية على المجتمع و على الناس ، الإسلام يتعاطف مع هذه الأهداف ومع هذه الإتجاهات . وحتى الخلافة كمفهوم ، هي في الأصل مفهوم و أسلوب مستورد من ثقافة لا تنتمي للإسلام باي شكل من الأشكال ، هي نظام تم تقليده ، لا علاقة له بالدين ، فتعريف نظام الخلافة أساساً هو تعريف زرادشتي ، وتعريف ساساني أنها أو أُريدَ منها نيابة عن صاجب الشرع عليه الصلاة و السلام ( في حالتنا كمجتمع مسلم) في سياسة الدنيا ، وحراسة الدين ، وهذا فهم فارسي ، أردشير إبن بابك ، هو الذي قال هذا بالضبط . ولم يكن سيدنا أبو بكر الصديق ، رئيس الجمهورية المصطفوية الثانية ، كهذا ، و لم يكن يحرس الدين ، بل يحرس الدولة و شعبها ، بكل مكوناته و ثقافاته و مِلَلِه و إنتهت تسمية رأس الدولة بالخليفة بعد موت الصديق رضي عنه ، و في عصرنا الحديث وبما أن مصادر التشريع و القوانين في كل الدول العربية و العالم الإسلامي يرتكز على الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع ، و كافة الأحوال المدنية من زواج وطلاق و أسرة و ميراث و غيرها تطبق حسب الشريعة ، فاين المشكلة ؟ هل هي فقط الرغبة في الحكم السياسي ؟ أما الدولة و النظام فمكلف بحراسة الحدود بالجيش و الأمن بالشرطة و تبني العلاقات و المصالح ، دولة تحمى ولا تُهَدِّد، تَصُون ولا تُبدِّد، تُقوِّى ولا تُضعِف، تُوحِّد ولا تُفَرِّق، تُسَالِم ولا تُفَرِّط، تَشُد أَزْر الصَّديق، تَرد كَيد العَدو، لا تَتَحزّب ولا تَتَعصَّب، لا تَنحَرِف ولا تَنْحاز، تُؤكد العَدل، تَدعم السَّلام و التَعارف بين الشعوب كما أراد الله بنص الآية الشريفة ( لتعارفوا) و ليكون هناك تَثاقُف و تَواد و رَحمة مع الناس كَافة، توفر الرخاء لدولة النبي، ولمن حولها، للبشر جميعاً، بقدر ما تتحمل وتطيق ، المهام الأُخرى من بث الثقافة القَويْمَة ، و التدَيُّن السَليم ، و الدَّعوة و الوَعظ ، فهي مهام المُجتمع المَدَني بأفراده و مُؤسساته . هذه هي العلمانية كما نفهمها ، و نريدها .. وهذا ما نصت عليه الوثيقة التي بَنى على أَسَاسها نبيُ الله عَليه الصَّلاة و السَّلام الجُمهورية الأُولى ، و التي سَارت عَليها الجُمهوريات الأربع بعده ، و لنَا في هذا رؤيتنا و مذهبنا و قناعتنا ، أما أن يَتجنى أحدٌ بأن يقول أنها العلمانية المُحاربة للدِّين ، أو الرَّافضة للدِّين ، فهنا يدخل المفهوم كُله في مسرب آخر هو الإلحاد ، و هذا أبْعد مِمَّا يُمكن أن يَقبله عَاقل . فالعلمانية الملحدة جاءت كنزعة إنتقاميَّة ، عِقابية ، تريد أن تأخذ بالثأر من تَسَلُط " رجال الدِّين المَسيحيّ" في العُصور المُظلمة في الغرب .. فتطرَّفوا في الرَّد إلى حد الإِلحَاد .. فهل نَنْتِظر حتى نَصِل إلى هذه الحَافَّة ؟ هل سَنَسمح لِغُلاة المَذهَبية و العَصبَية و المَوروث و الخِلافة و غيرها بالإستمرار في تَشويه الدِّين و إشعال البُغض لدى أجيالنا ؟ و هنا أيضاً يجب التفريق بين ما أذهب إليه من مفهوم الدولة المدنية العلمانية ، على الطريقة المصطفوية ، و الجمهورية الأولى ، و بين ما يُردَّده البَعض في أيامنا هذه حَول الدَّولة الإسلاميَّة المَدنية !! و هذا اللفظ أو التعريف هو من التَّلفيق بمكان ، ولكن بالنظر إلى تعريفات و صيغ أخرى نجد أن هناك تعدداً للتَّعريف ، فمثلاً ليس هناك ولا صِيغة واحدة نهائية للمفهوم الدِّيُقراطي ، ولا حتى لتعريف العلمانية ، و لا حتى لمفهوم الدولة المَدنية ، لا يوجد صيغة واحدة موحدة ثابته . وليس ثمة صيغة واحدة أيضاً للفهم الإسلامي . أو تعريف واحد ثابت وواضح للنظام السياسي الإسلامي ، وما يحدث هو مُواءَمات بين صِيغة من هذه الصِّيغ و صِيَغاً أُخرى بما يتناسب مع إحتياجات المجتمع . و هذا ما يبعد ما أطرحه بالكامل عن ما يَتداوله البَعض من طروحات ، و تعريفات .. حول شكل و مضمون الدولة ، و معنى و مفهوم المدنية و العلمانية ، بحسب صحيفة المدينة و نظام الدولة المصطفوية . لنا تعريفاتنا و مفاهيمنا و لهم تعريفاتهم ، لنا ديننا و لهم دينهم ..العلمانية كحل ، ليست مطروحة كأُسلوب تَوافقي يجمع المُسلم بالمَسيحي ، بقدر ما هي أسلوب يُذيْب الإحساس بالفارق المذهبي و الدِّيني في أثناء ممارسة الحقوق و أداء الوَاجِبات الإجتِماعيَّة و الوَطَنيَّة .. هي لا تهدف إلى خَطب وُدّ المَسيحيين بالشكل السَّطحي و الذي أَدَّعيْ بأَنَّهُ يُكرّس الفُرقَة و يُميز بين النَّاس على حِساب تَوجُّهاتهم العَقائدية و الدِّينية مثل المَسرحيات الهَزليّة المَوسِميّة من زيارة القُسس للمشايخ و العكس و حفل إفطار رمضانيّ في كنيسَة و ما إلى ذلك من بروتوكولات النفاق الإجتماعي و التي لا تفعل شئ إلا أنها تُذكر الناس بإختلافاتهم ، و بأن بعضهم يجب أن ( يعصر ليمونة) على نفسه لإستيعاب الآخر .. دون إحساس حَقيقيّ ، و تلقائي بالشراكة ووحدانية الإنتماء الوطني .
العلمانية بمفهومنا المُصطَفوي، غير مُعادٍ للدِّين ، و لكنَّه في ذات الوقت رافض للدولة الدينية رافض لتَغُوُّل وتَوظِيف السَّاسَة للدين وتغول مؤسسات الدين و كهنته على السياسة ،وهي الحل لأنّها الطريقة الوحيدة لإذابة كل الموروث الطائفيّ المّسمُوم ، بين شِيعَة و سُنَّة و بين أرثوذُكس و بروتستانت وكاثوليك وغيرهم و هي السبيل و الطريق أمَامنا للتقدم صوب تحقيق غاية الله في عمارة الأرض (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (61) سورة هود – ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (17) الحج.. نحن جميعا ، مسلمين و نصارى عرب و أعراق و أقليات ، مِمَّن تَجمَعنا أرضٌ واحِدة و تظلنا سَماء واحِدة في وطن عربي واحد بحاجة للانسحاب من مربع الكَذب و التدليس و الهرطَقة وخرافات الموروثات ، و فرية تمثيل الله عز وجل في أرضه.. ولابد لنا من العيش في الواقع لِبناء وطن يتسع للجميع.. والطريق لذلك تبدأ بتربية الفرد و المجتمع على مبادئ صحيح الدّين لبِناء مجتمع الجمهورية السادسة . / إنتهى
m0121307222@gmail.com


