خبر : جمهـــــــورية النبــــيّ ! محمد يوسـف الوحيـدي

السبت 13 أغسطس 2016 09:04 ص / بتوقيت القدس +2GMT
جمهـــــــورية النبــــيّ ! محمد يوسـف الوحيـدي




ح ( 7 )

في الحلقة السادسة رأى الكاتب أن تحرر الدّين من قبضة السياسة يعتبر الخطوة الأولى لنصرة الدين ، و عودة الوعي و عودة الحرية و الإحساس بالآدمية و في هذه الحلقة يكمل رؤيته ...
العلمانية في السياق الغربي أو الأوروبي ، هي ضد الرَّهبانية ، فهِي كل من يعيش خارج حُدود و مُحدِّدات الكتدرائية و الدير و الكنيسة ، و الرهباني هو من يعيش في نطاقها ، و هذه الحالة لم توجد في الإسلام أصلاً . حتى الصوفية لم يكونوا أبداً صورة مماثلة للرهبانية ، ولكنها على المُستوى الغربي كانت مفيدة جداً من حيث فك الإشتباك بين الطوائف المتصارعة من أبناء المجتمع الواحد ..فهل نحتاج هذا اليوم ؟ نعم نحن في حاجة إلى هذا اليوم و الآن .
لأن إقامة " دول إسلامية " بالمفاهيم المطروحة الآن ، يعني جِزية ، يعني لا خدمة لغير المُسلم في الجَيش و إنْ حدث لن يترقَ في الرتب و المراتب ، لا وظائف حساسة لغير المسلم لا ولاية لغير المُسلم و إلى آخر هذا مِمَّا لن يُقبل و لن يُصلح و لن يَصنَع دولة و مجتمعاً متقدم متفاهم متناغم ، منتمِ . و بإختصار لن يقيم الجمهورية السادسة ، المُمتدة و المُؤتَمة بالجمهوريات المُصطَفوية الخَمس . وهنا لابد لي من التذكير بما قاله برنار لويس في دراسته ، و تَوصِياته المُقدمة للبِنتاجُون الأَمريكي سنة 2007 " أن المُسلمين أمّة هَمَجية مَريضة ، ذليلة حقيرة فَمَزِّقُوها أفْضل لهم ولنا " .. المُسلمون و العرب غير مُثقفين ، المُشكل أن المُسلم بشكل عام و العربيّ بشكل خاص من أقل الأُمم قِراءَة و تَعاملا مع الكِتاب و الإطَّلاع هذه الأمة علاقتها بالعلم و بمصادر العلم و المعرفة علاقة سيئة جداً و ضعيفة واهنة ، حتى قُرآنهم يَهجُرون ، و لا يقرأون ، و إن قرأوا لا يتدبرون ، و إن تدبروا يلوون و يُفسرون بالهوى ، حتى أن رسول الله يَشكو ، يوم اللقاء العظيم و يقول كما جَاء في القرآن الكريم في سورة الفرقان (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا "(30) - و هذا يُفسر حجم الغُرور و الإنتفاخ و الإدعاء الذي يعاني منه الفرد و المجتمع العربي ، لذلك ستجد بعض المتحذلقين ممن يتقربون إلى الله زلفى ، عبر مشايخ وأولياء و آيات و ملالي و مذاهب و طرق و ملل و فقهاء { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } الزمر ( 3 ) وهم ممن سيتركون لُب الموضوع للمُساءلة عن الجِزية و الحُدود و الشرع و الشريعة و هل يجب أن تعطل أو تلغى .. و سيتعللون بأن أهم ركائز و مهام ( الدولة الإسلامية ) هي حماية الدين .. !! و هذا أمر مردود و بحثه في هذا الموضع هروب من القضية الأساسية ، فالدولة الحقيقية ، المصطفوية هي التي ترتكز على الأركان السيادية الأربعة ، ولا تجعل من مهامها " حراسة الدين " التي يرى واضعي مفهوم ( الخلافة) أنها من مهام الدولة في " الإسلام " و لا ادري عن أي إسلام يتحدثون ؟! و عن أي خلافة يُجادلون ؟ فحراسة الدِّين في الأسَاس هي مَفهوم مَدسُوس على الإسلام و المُسلمين ، و يُنافي و يجافي و يُعارض القرآن تماماً .. فالله تعالى ينفي بنص الآية الشريفة أن يكون النبي نفسه حارساً أو حافظأً لدين الناس ( قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (107) – سورة الأنعام.
حتى العبادات الأساسية ، لا أجبار عليها من بشر لبشر أو من دولة لفرد أو مُجتمع ، نداء الصلاة آذان ، لا أكثَر و لا أقل ليسَ بدفع النَّاس و لا بٍضربهم ، و لا مُطّوِّع و لا آمِر ، و لا يُدعى لصيام شَهر رمضان إلا بإعلان رؤية الهلال ، أما التحريض على المَعصية ، و بث الفتنة ، و الجهر بما يخالف دين أو أخلاق المجتمع و من يعتدي ، فيحارب ، و تتخذ ضده الإجراءت التي ينص عليها الدستور ، كما جاء في صحيفة المدينة ، و كما فعل أبو بكر الصديق مع المرتدين المهاجمين ، ومع رافضي دفع الزكاة كحق للدولة و الذين إعتبروها أو ظنوا أنها كانت تدفع للنبي بشخصه و نفوا أن تكون ركناً من أركان الإسلام ، أما المرتدين فقد حوربوا بإعتدائهم و تحرشهم و شنهم الغارات على الدولة و مصالحها .
فالدين يحفظه صاحبه ، من يتبعه ، بإخلاص ، فلا يُفسد و لا يَغش و لا يَكذب و لا يَسرق و لا يزني ، و لا يصدق الأكاذيب و الخُزعبلات ، و يُعمِل عَقله و قلبه ، و يكون إنساناً مُنتجاً في مُجتمع يعتبر العمل عبادة ،و الفساد فيه طارئ منبوذ !!
وعليه ، فإن تطبيق الشريعة الإسلامية ، لا يعني أبداً وجود " نظام سياسي " إسلامي ، فعندما يتم الحديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية ، أول ما يتبادر إلى العقل : النقاب و الحجاب و قطع اليد و الجلد و الرجم .. أو بما يعرف بالحدود . وهذا عملياً هو القانون ( الجنائي) ، و التفكير فيه على أنه صفة الحكم الإسلامي و الخِلافة و الدّولة الإسْلامية هو تَقزِيم و إجحاف بالشريعة الإسلامية، فالشريعة أكبر بكثير من أن تكون محض قانون جنائي ، بل أن القانون الجنائي أكبر بكثير من أن يكون محض الحدود .. فمفهوم الشريعة اساساً ، في جوهره ، هو إقامة العدل و القسط ( المَعْدَلَة ) ، وهذا الهدف واضح جلي في قوله تعالى في سورة الحديد آية25 ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) صدق الله العظيم .
ثانياً : لا يمكن الحديث عن تطبيق الحدود إلا بعد أن يتم الفراغ و بشكل حقيقي و فعلي من توفير الضرورات للجمهور من عند آخره ، بحيث بعد ذلك تعتبر الجريمة حقيقية ، و إلا فإن الضرورات تبيح المحظوات ، و عليه فمن غير المعقول أن يُنادى بتطبيق الحدود و الناس لم توفر لهم الضرورات . ( مثال تعليق عمر بن الخطاب لبعض الحدود ) .
وعليه ، فإن موضوع التَّشريع و الحُكم ، و تفسيراته التي تتبناها تيارات فكرية ، لا تعترف بالمتغيرات المجتمعية ، و تتذرع بأن الحاكمية هي لله فقط ، و لا يجوز للشعب أن يحكم أو يختار صِيغة حُكمة ، أو شكل نِظامه ، و هذا ما ذهب إليه أبو الأعلى المودودي و سيد قطب رحمهما الله ، بأن الحُكم لله ، أن يكون حاكماً ( Governor) . وهذا غير صحيح فالحاكمية لله ببساطة شديدة تعني السُّلطة القَضائية ، و ابداً ليست السُّلطة التنفيذية " الحكومة". هذا الإلتباس و هذا الخلط ، ذاته ، هو ما وقع فيه الخوارج الأوائل ، و كفَّروا بِمُوجبه الإمام عليّ بن ابي طالب كرم الله وجهه أمير المؤمنين الرابع ، ورئيس الجمهورية المصطفوية الخامسة و أتباعه ، بنفس الطريقة من الخلط و التلبيس ، و الفهم الخاطئ لآيات الله . فحين قالوا إن الحكم إلا لله ، أجابهم الإمام علي رضي الله عنه ، أحسن جواب ، حيث قال ( كلمة حق يراد بها باطل ) فهم يقولون لا حكم إلا لله ، و عملياً هم يقولون و يريدون ألا تكون ( إمارة ) إلا لله و سَدَنة المعابد ..وأنهم السلطة التنفيذية المفوضة من الله !! و علي أذهب إلى ما هو أبعد من هذا ، و هو قبول سيدنا علي ، و هُو مَن هُو ، من صِلة و قَرَابة برسول الله ، و هو زوج البتول المُصطفاة فَاطِمة الزهراء عليها السلام ، وهو الفدائي الأول ، إلا أنه فَضّل الصمت بعد بيـعة سقيفة بني ساعدة ، التي إجتمع فيها نواب الشعب و إختاروا بما يقترب من الإجماع أبا بكرِ الصديق رئيساً جديداً للجمهورية ، و لعل صمت الإمام علي لِسِتة أَشهر ، و صمتنا نحن المسلمين ، نابع من حبنا له كرّم الله وجَههُ و معرفتنا بأحقيته الدينية و عاطِفَتنا تجاه آل البيت الأشرف ، ولكن القبول بما أراده النبي و أراده الشعب ، و فكرة التداول على السلطة و رفض التوريث هي الأهم و هي الأبقى و الأسلم لحفظ إستمرارية دولة الإسلام ، ونظامها الذي أرساه الرسول عليه الصلاة و السلام ، أما مبدأ تقديس الحاكم ،و أنه يحكم بأمر الله فأمر علمنا رسولنا و قائدنا وزعيمنا عليه الصلاة و السلام أنه باطل و فاشل فحديث رسول الله عليه الصلاة و السلام وهو حديث في غاية من الأهمية : كانت بنو إسرائيل تَسُوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي ، فيه إشارة واضحة ، على أن المَثل العَمَلي و القواعد المنطقية الديمقراطية التي يرسيها للجمهورية الأولى هي لصالح من سيأتي بعده ، فماذا يفعل المجتمع وليس فيه نبي ؟؟ لابد من اللجوء إلى نظام جمهوري ، لا نبوة فيه و لا سلطة دينية ، بل السلطة فيه للشعب الذي يقرر مصالحه ، و يقرر هذه الماصلح وفق ما رسخ في قلبه و ووعيه من مبادئ الين الجنيف و الأخلاقيات التي تربى عليها في مجتمع مسلم مؤمن مسالم ، هذا الفهم و هذ القواعد لمبادئ النظام الجمهوري ، هي ما جعل غالبية المسلمين ، بل و عليٌ بن إبي طالب نفسه يقبل و يُبايع و لو بعد حين ، و لو حَمل كل ما يُؤهله من صفات دينية و نقاء السلالة ، ولكن و ربما في هذا إثباتٌ و مَثَل لِمن أراد أن يفهم ، أن السياسة شئ و صفات القائد الرئيس شئ ، و صفاته الدينية و فقههة بالدين و عرقه و نسبه شئ آخر .. و لا يبخس هذا شئ من عظيم شأن أبي بكر ، و لا من رفيع و علياء مقامه الشريف ، ثاني إثنين إذ هما في الغار ، رضي الله عنه ، فالقناعات الشخصية ، و العاطفة شئ ، و السياسة و مصلحة الدولة و شكل و مضمون نظامها شئ آخر ، إذن فالحاكمية لله ، بمعنى الرجوع لتشريعاته تعالى فيما يختصم عليه أو فيه الناس ، و هذا ما نصت عليه صحيفة المدينة ، وهو عين التحضر و عنوان المدنية و الحداثة وهو مُنتهى الطاعة لله بنص آية رد الأمر لله و للرسول ، تربية و ليست سياسة ، بل أكثر من هذا ، بعض الدول الغربية ، العلمانية ، تترك للمتحاكم الحق في الإحتكام إلى شريعته ، سواء أكان مسلماً أم غير ذلك .. وهذا هو عين الرشاد في الحكم و تحقيق عدل الله .. بأن يشعر الناس بالعدل .
لهذا ، يجب أولاً ، أن تكون هناك مرجعية تشريعية إسلامية واحدة ، حتى لا يلام القضاء بأنه لا يطبق التشريعات بحذافيرها .. فهذا يمكنه أن يرتكز على تفسير تشريعي يَقطع رأس مُذنب ، بينما في رؤية أو مَذهب آخر يُجلد ، و هكذا ..