التصويت العقابي ، مقاطعة قوائم فتح و حماس ، مقاطعة قائمة منظمة التحرير ، لأنني وطني ، و لأنني أريد أن أرسل رسالة بأنهم " جميــعاً " لا يمثلونني ، و سوف أنتخب المستقلين ، و غير المؤطرين ، و المهنيين ، و الثقات ..
بهذا الشعار ، و بهذه النفسية ، وهذا العنــاد نسير بخطى حثيثة نحو الكفر ، و نحو إعادة نفس السيناريو ، و إرتكاب نفس الأخطــاء ، حيق بدأ بعض المستثقفين ، و المجتهدين يروجون و يشحنون الناس في فلسطين ، و في قطاع غزة بالذات ، قبيل الإنتخابات البلدية الوشيكة بمفاهيم و أفكار ، سألخص بعضها و أحاول أن أفنده و أرد عليه بالتالي ..
· بعضهم يتعلل بأن لا يمكن أن تكون نتيجة صبرنا على خلافات فتح و حماس و الإنقسام لعشر سنوات خلت ، بإنتخابات بلدية فقط ، نحن نريد إنتخابات تشريعية و رئاسية ..
· و بعضهم يقول : يجب أن نوصل رسالة قوية للأحزاب و التنظيمات و خاصة حماس و فتح ، بأننا نعاقبهم ، و نرفضهم ، فهم المسئولون عن تدهور حالنا و تراجع قضيتنا ..
وعليه ، فقد عزم عدد كبير من الناس على ( ضرب رؤوسهم في أكبر جدار ) و الإستمرار في عناد 2006 /2007 و بالتالي الإستمرار في حصد الأصفار و الخسارة و الخيبــة و التراجع .
يستشف المرء هذه الحالة من ( الطيش و الهيجان ، و الرغبة القوية في الإنتقام و التأديب لحماس و فتح ، و لكل ما هو مندرج تحت إسم تنظيم أو حزب ) .. و هنا يجب أن نتوقف قليلاً ، و نهدأ للنقاش الموضوعي العاقل و نحاول أن نستكشف ما نحن مقدمون عليه ..
- أولاً : الإنتخابات المقررة هي إنتخابات بلدية ...إجتماعيــة خدماتية ، لن تقرر سياسيات ، و لن ترفع حصار ، و لن تتكلم في حرب و لا سلام .. و إنما ستحاول أن تقدم خدمات للشعب ، بقدر ما توفره لها القيادة السياسة من مساحة حركة و قدرة على التنفيذ ، و ترصد لها من موازنات ، و إمكانات ، و بقدر ما تتوصل ( القيادة السياسية) لإتفاقات و تقوم به من إجراءات ستنعكس على عملية الإعمار و التطوير و المرافق و الخدمات .. يعني بإختصار ، لا علاقة لعقاب ، و رفض قوائم حماس أو فتح أو غيرهما " سياسيا " على تقصير أو سوء تصرف بالعملية اساساً .
- ثانيــاً : القول باننــا صُمنا و نُفطر على بصلة إنتخابات بلدية ، و كنا نريد إنتخابات تشريعية برلمانية و رئاسية ، قول في ظاهرة جميل ، و لكن لا يمكن بالمقاطعة ، أو رفض قوائم الأحزاب ، أن يؤدي إلى الخطوة التالية وهي الإنتخابات التشريعة و الرئاسية .. لماذا ؟ الإجابة بكل بساطة هي أنه و بعد الانتخابات البلدية والتي ستوضح الرؤية ، و المطلوب خدماتياً و إجتماعياً و ما هو وجه التنمية المحلية المطلوب ؟ و التي سيكلف نواب الشعب ( التشريعي بعد إنتخابه وفق هذه الرؤية) ، السلطة التنفيذية ( الرئيس و الحكومة) بتنفيذها .. و بالتالي يجب أن يتحدد بداية ، شكل و مضمون و أهداف محددة ، تظهر بوضوح تفاوت المجتمعات المحلية اجتماعياً وتنموياً واقتصادياً. وهو ما يستوجب ان يقوم السكان بالانتخاب وفقاً لانتظاراتهم وتطلعاتهم المحلية.. سيترتب عليها شكل الطرح و شكل المرشح للتشريعي و الرئاسي بعد ذلك .. هل يريد الشعب خدمات تقتضي إنفتاحاً على العالم و كسراً للعزلة و الحصار ؟ أم أن الشعب يريد إستمرار العزلة و الإكتفاء بالمساعدات " الكوبونة" من هنا و هناك ، و بالتالي سيستمر البرلمان ( التشريعي ) القادم على نفس المنهج و الأداء ؟؟
- أما القول " بتطليق " فتح و كافة التنظيمات و منظمة التحرير ، عقاباً لهم على ما سبق ، فهذا قول غريب عجيب ، إذ أنه يعتبر الهدية الكبرى و الجائزة العظمي التي يقدمها أصحاب هذا القول و التوجه لإسرائيل و لكل أعداء الشعب الفلسطيني .. فهو بإختصار نزع لوحدانية تمثيل منظمة التحرير ، و ضرب للمشروع الوطني الفلسطيني في الأساس .. بل خروج واضح عن الصف الوطني و هنا أرجوا من المحليين المنفعلين ، و غيرهم من أبناء الشعب الصابر المقهور ، أن يتعقل و يراجع مواقفه الوطنية قبل أن يتفوه و يجر وراءه الكثير من محدودي البصيرة أو المعرفة ..
- أما القول ، و الدعوة لإنتخاب " المستقلين " و غير المؤطرين حزبياً .. فهذا أمر متروك لحرية الشعب و الناخب ، قطعاً .. و لكن لي رأي فيه ، وهو أن المستقل هو شخص غير مقيد على كشوف عضوية أي من الأحزاب أو الفصائل .. ولكن ، بالقطع هو إنسان له ميول و رؤى سياسية و إجتماعية ، تميل إلى هنا أو هناك .. فضلاً على أن أي "مستقل" يترشح للإنتخابات البلدية ، هو في حاجة إلى برنامج خدماتي مقنع ، يستطيع من خلاله أن يقنع الناس بأحقيته في أصواتهم .. و لكنه أيضاً في حاجة إلى من يدعم هذا البرنامج و يساعده على تحقيقة وفق آليات و موازنات .. وهنا سيضطر إلى الميل و التحالف ولو بشكل غير مباشر مع فتح أو حماس أو غيرهما ..
- أما التصويت لإنتخابات وفق العائلة و الجهة ، و القبيلة و العشيرة ، فهذا أمر جد خطير ، يضع من يعتقد به أو يناصره في مصاف الرجعية ، و الخروج على الوطنية الجامعة ، و هنا يسقط شعار ( ننتخب فلسطين ) ليصبح ننتخب العائلة أو العشيرة أو الكامب أو المعسكر أو المدينة .. ويُغرق الكل فيما بعد في بحر من الخلاف الجِهوي و القبلي ، و يجعل المجتمع الفلسطيني اشبه بتلك المجتمعات المتقاتلة ، و المتخلفة و التي ما زالت تعيش في القرون الوسطى في عام 2016 ... وأعتقد أن أي عاقل ، أو وطني و صاحب ضمير لن يرضى بهذا الجهل .
- رفض العقلانية ،هو نوع من العناد الذي يولد الكفر ، و الإستمرار به ، سيؤدي بالقطع إلى نفس الدائرة المفرغة ، و يكرس حالة الضياع و فقدان البوصلة ، و ربما بشكل أكثر خطورة .
- أخيراً .. فإنني إرتأيت أن أدلي برايي هذا ، لا إنتصاراً لجهة سياسية أو إجتماعية كانت ، و ليس لي دافع سوى ضميري الوطني ، الذي يدفعني إلى الإنحياز في الإنتخاب إلى الجهة التي تثبت لي أنها ستساعد في تطوير المجتمع و الخدمات ، بإمكانات لن تتوفر إلا من خلال رؤية وطنية شاملة ، تسقط شبح الإنقسام ، و الحصار ، و تلتزم بالبرنامج الوطني ، على طريق بناء دولة فلسطينية ديمقراطية ، اللهم هل بلغت ، أللهم فإشهد .


