«قمة بلا رؤوس» «قمة بلا قيمة» «قمة سعودية» «قمة أمل وعمل» «قمة الأمراء» مسميات أطلقت على «قمة نواكشوط» التي عقدت يوم 24 تموز / يوليو في العاصمة الموريتانية. التفاؤل الوحيد حول القمة جاء على لسان احمد الجروان رئيس البرلمان العربي الذي أطلق اسم «قمة أمل وعمل « وما عدا ذلك فإن التشاؤم والاستخفاف بالقمة طغيا على كل شيء. لا خلاف على انحدار سقف التوقعات الى الدرك الأسفل. ولا أحد ينتظر اجتراح مواقف واتباع سياسات لمصلحة الشعوب العربية. انعقاد القمة مناسبة لامعان النظر في قدرات النظام العربي الرسمي المدهشة على إخراج العرب شعوبا ودولا من التاريخ.
النظام العربي الرسمي فرادى وجماعات في واد والشعوب العربية كلها او كل شعب بمفرده في واد آخر. وهذا لا يتفق بالطبع مع اصحاب الخطاب القومي الذين يخلطون بين الخندقين المتضادين. العرب عربان، شعوبا في كفة، وأنظمة في الكفة الأخرى، ولا يوجد نظام واحد في كفة الشعوب، ولا يوجد شعب واحد في كفة الانظمة، رغم وجود شرائح وفئات (أقلية) في كفة الانظمة. ولا يعني الصراع بين أنظمة وأخرى أن بعضها ينتسب الى خندق الشعوب، بالقطع الإجابة لا، على العكس من ذلك فإنها جميعا في الخندق المضاد للشعوب. كانت نقطة التقاطع الوحيدة بين الشعوب والانظمة هي الخروج من التاريخ.
وللتدليل على وحدة النظام العربي وتمترسه في الخندق المضاد للشعوب، يمكن التوقف عند المظاهر التالية، اولا : تحول الانظمة الجمهورية الى أنظمة شبه ملكية غير دستورية، من خلال الاستمرار في الحكم عبر انتخابات صورية لا تمت الى الديمقراطية بصلة، ويستمر الرؤساء في الحكم إلى ما لا نهاية أو حتى الوفاة التي تندمج مع توريث الحكم للأبناء، هكذا الرؤساء يموتون والأبناء يواصلون الحكم، الرؤساء قبل موتهم يحرصون على بناء مقومات التوريث ضمن مؤسسات الحكم التي توفر أدوات السيطرة والتحكم وهي «الجيش وأجهزة الأمن والاقتصاد والمليشيا الطائفية المسلحة». ثانيا : تحويل الدولة التي ترعى المواطنة وتحافظ على النظام والقانون بالمعنى الافتراضي، الى سلطة شمولية تلغي المواطنة وتقمع الحريات وتغلق كل الابواب أمام الإصلاح والتطوير، وتفرض حزبا حاكما لا يرتضي بغير وضع المعارضين والمعارضة تحت أبطه سبيلا. ثالثا : انبرى النظام العربي بكل ما أوتي من قوة وأموال للدفاع المستميت عن بقاء مكوناته في الحكم إبان الانتفاضات الشعبية السلمية الضخمة. كان العدو الاخطر للنظام العربي هو الشعوب المنتفضة، فحرص على إفشالها او استيعابها بأي ثمن. فقد تضامن العديد من السلطات العربية مع النظام المصري في مواجهة الانتفاضة الشعبية العارمة، وحرصوا على استبقائه عبر أشكال من التحالفات وأشكال من الدعم المالي، واقتصر الخلاف الرسمي حول أي نوع من التغيير يقبلون للنظام المستهدف. وما هو مؤكد انهم وفي حالة التغيير على وقع الانتفاضات فإنهم سيدعمون استبدال حاكم مستبد بآخر مستبد وفي كل الاحوال يرفضون استبدال نظام مستبد بنظام ديمقراطي. إن اختيار الأمين العام الجديد للجامعة العربية أحمد ابو الغيط وهو احد أركان نظام حسني مبارك القديم الجديد، دون معارضة من أحد يؤكد مستوى الاتفاق بين مكونات النظام العربي. رابعا : التشابه الهائل في الدساتير ومناهج التعليم والخطاب الديني الرسمي والصفقات المبرمة مع قوى الاسلام السياسي، وما ترتب على ذلك من سيادة ثقافة محافظة واحدة عززت التحولات الرجعية.
كما نرى، فإن عناصر الالتقاء الاساسية التي عبرت وتعبر عنها دائما اجتماعات وزراء الداخلية العرب تفوق كثيرا عناصر الخلاف التي برزت أثناء الرد على الانتفاضات العربية، في ظل التدخلات الاقليمية والدولية التي ارادت تعزيز دور بعض الدول على حساب الاخرى لكنها لم تمس الاتفاق الجوهري حول إجهاض الانتفاضات.
بيد ان موقف النظام العربي من القضية الفلسطينية يلخص واقع النظام العربي. ذلك الموقف الذي سجل تدهورا دراماتيكيا في السنوات الاخيرة. كان تجزيء الصراع العربي الاسرائيلي عن بعضه البعض والاستفراد بكل بلد عربي ضمن عملية تفاوضية هدفا إسرائيليا أميركيا، وكان فصل القضية الفلسطينية عن الحلول والاتفاقات العربية الاسرائيلية هو جوهر التجزيء الذي جرى تبريره بالاستعداد لحل القضية الفلسطينية. وبمرور الوقت وصولا الى اللحظة الراهنة، تلاشى الاستعداد الاميركي الاسرائيلي لتسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وبقي التجزيء على حاله. بل لقد حدث تقارب وتناغم ومستوى من تحالف عربي إسرائيلي شبه معلن في الوقت الذي أعلنت فيه دولة الاحتلال تنصلها من حل الصراع. وحدث التقارب العربي الاسرائيلي في الوقت الذي تستبدل فيه حكومة نتنياهو المتطرفة القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بأيديولوجيا دينية شطبت كل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، واعتبرت الارض الفلسطينية المحتلة اراضي محررة وليست محتلة، واعتبرت الاستيطان عملا مشروعا وحقا طبيعيا للاسرائيليين. التقارب العربي الاسرئيلي شبه المعلن وشبه الرسمي الذي يغطى بخطر الإرهاب الداعشي، وبتغلغل النفوذ الايراني في المنطقة، يشكل عقبة إضافية كبيرة أمام حق تقرير المصير وتحرر الشعب الفلسطيني الذي يستبدل بإذابة وتسكين القضية الفلسطينية في الوضع العربي، وبتأبيد الاحتلال المنسجم مع «الحق التاريخي المزعوم «الذي تطرحه الأصولية اليهودية. وواقع الحال فإن الحلف الجديد المقدس يأتي ليقطع الطريق على تحرر الشعوب العربية وانفلاتها من علاقات التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية.
التقارب العربي الرسمي الاسرائيلي هو الحلقة الاخطر والخطر الاكبر الذي يواجه الشعب الفلسطيني، والذي لا يمكن تغطييته ببيانات الدعم والتأييد للحقوق الفلسطينية التي تصدر عن الهيئات الرسمية العربية. كان ينبغي تقديم اعتراض رسمي فلسطيني على التحول في المواقف العربية الرسمية من على منبر قمة نواكشوط. وكان ينبغي أكثر انهيال العرائض والخطابات والاحتجاجات من قبل المعارضة الوطنية الفلسطينية مستخدمة منبر القمة لمخاطبة الشعوب العربية وقواها الديمقراطية من اجل رفض الحلف غير المقدس الذي ينشأ ويتبلور بهدف قطع الطريق على تحررها.
وإذا كان لا غرابة في تكرار النظام العربي لاساليبه ولآلياته ولخطابه، ولا غرابة في اقتصار التغيير على الانحدار في المواقف نحو الحضيض، فإنه من غير الطبيعي أن تهمد المعارضات العربية أو أن تُستأنس في أحضان الأقطاب الأقوى من النظام العربي، ومن غير الطبيعي أيضا أن تصمت المعارضة الوطنية الفلسطينية، أو تتشبه بالصمت دون ان يكون الصمت شكلا للمقاومة كما فعل «أولاد الغيتو « في رواية الاديب اللبناني الياس خوري. في قمة نواكشوط لنا البيان ولمصالحهم الأمان.
Mohanned_t@yahoo.com


