خبر : هل تستحق القيادة التركية كل هذا التضامن الفلسطيني؟؟!! ..صابر عارف

الجمعة 22 يوليو 2016 10:21 ص / بتوقيت القدس +2GMT




كاد الانقلاب العسكري التركي لو نجح ان يغير معالم الشرق الاوسط ، ليس اقله في خارطته السياسية والعسكرية ، فلا يستطيع عاقل ان يتجاهل عمق وتاثير الدور التركي في المنطقة ، لما له من امتدادات في حركة الاخوان المسلمين ، ومن تحالف تركي خليخي تتقاسم قيادته كل من تركيا والسعودية ، يتناغم وتغازل واضحين مع العدو الصهيوني وفق المعطيات الرسمية المعلنة .
لو نجح الانقلاب وإنفتح هذا الأفق وجب علينا ان نخصص مقالنا لمناقشة ابعاده واحتمالاته ، اما وقد فشل وانحصرت نتائجه وآثاره ( التي ستكون بالغة وعميقة في الشان الداخلي التركي التي ستنعكس حتما على السياسة الخارجية التركية ، والتي سيستغلها أردوغان لتعزيز سلطته وهيمنته على الحياة السياسية التركية بالرغم من ان الانقلاب اسقط احلامه الامبرطورية العثمانية القديمة )، فانني سأركز مقالي من موقعي الفلسطيني على ظاهرة الحفاوة والاحتفال الفلسطيني بسقوط الانقلاب التركي رغم تخلي القيادة التركية التي نتضامن معها عن شرطها السابق بفك الحصار عن قطاع غزة لتحقيق المصالحة التركية الصهيونية التي تمت بالشروط الاسرائيلية الكاملة ، بل وفوق ذلك فقد أخذ حصار القطاع الشرعية التركية !!!
بالأمس أضحت مدينة غزة الفلسطينية وكأنها مدينة تركية من شدة الإفراط في التعبير عن التضامن مع القيادة التركية ضد الإنقلاب العسكري الفاشل الذي وقع مساء يوم الجمعة الماضي ، واليوم الاثنين نظمت الهيئة الإسلامية العليا وقفة تضامنية مع الحكومة التركية ، أمام قنصليتها في حي الشيخ جراح، بمدينة القدس. وأصدرت بيانا تضامنيا رحبت فيه باحباط الانقلاب العسكري . علاوة على الموقف الرسمي لقيادة الأمر الواقع الفلسطيني الداعم ، الأمر الذي دفع السفير التركي لتوجيه الشكر والتقدير لللشعب الفلسطيني على وقفته مع الحكومة والشعب التركي بعد فشل محاولة الانقلاب، وقال ان ،، موقفهم مشرف واثمن جهودهم عاليا ” .
هل ما حصل من دعم في غزة والقدس هو تعبير حقيقي وصادق عن المشاعر الفلسطينية تجاه تركيا وقيادتها ام ماذا ؟؟ وما هي اسبابه ودوافعه ؟؟ وهل يمكن الرهان على الدور التركي ؟؟ والى أي مدى ؟؟ ام اننا أمام وهم وسراب جديدين ؟؟ يقتضي الحذر الحذر حتى لا نقع مجددا في فخ الأوهام والأحلام .
لم ينقسم العرب بما فيهم الفلسطينيون خلال نصف القرن الماضي وربما لقرون خلت كما انقسموا حول مسالتي الموقف من الكارثة السورية ، والموقف من تركيا وسياستها الراهنة ، فالانقسام عمودي وحاد بين مؤيد ومعارض لهذا الموقف او ذاك ، وما يدمي القلب ويدمر العقل والوجدان ان الدم العربي المسفوح في الشوارع هو الحد الفاصل بين الموقفين . والرابط بين القضيتين واضح وجلي ولا يحتاج لشرح او تفسير ، انه الاسلام السياسي بشكل عام ، والاخوان المسلمين على وجه خاص ، وليس الدين الاسلامي وان كان له نصيب ورصيد مما نحن فيه وبصدده .
فليست صدفة وليس غريبا ان يدخل الحدث التركي كل بيت عربي ، بعد هذا الانقسام العميق ، وللمؤيدين المعجبين بالتجربة التركية وشخصية زعيمها الاول رجب طيب اوردغان الذي يتمتع ،، بكريزما ،،عالية وبقدرات وامكانيات قيادية لا ينكرها الا جاهل او حاقد ، اسبابهم الراسخة في التراث والموروث الديني باعتبار تركيا دولة اسلامية ، وبالروابط التاريخية القديمة التي جمعت العرب بالاتراك العثمانيين . وبتأثير الاسلام السياسي وفي القلب منه تاثير حركة الاخوان المسلمين وفروعها في العالمين العربي والاسلامي ، بما فيهم الفرع الفلسطيني ممثلا بحركة المقاومة الاسلامية حماس . ومن اسباب المعجبين عقم القيادة العربية وتطلع الشعوب لنموذج وقدوة يفتقدها الشارع العربي ، وجدوه بشخص أردغان الذي داعب المشاعر الفلسطينية والعربية بموقفه الشجاع أمام الرئيس الاسرائيلي اثناء انعقاد مؤتمر دافوس الاقتصادي قبل سنوات ، في الوقت الذي جلس ممثل العرب وجامعنهم ذليلا عاجزا عن فعل اي شئء . وعززت تركيا موقفها هذا بارسال سفينة مرمرة محملة بمساعدات انسانية في محاولة لفك الحصار الصهيوني عن قطاع غزة وما نتج عن ذلك من قتل تسعة اتراك .
لا انكر على شعبنا ما فعل ،ولكني أحذر من وهم تعلق الغريق بقشة في عرض البحر الهائج ، وكما تذكرنا ما ذكرنا من مبررات لهذا الدعم ولهذا الفرح والتفاؤل الفلسطيني ، علينا ان لا ننسى عمق العلاقات التاريخية بين عدونا وتركيا التي كانت اول دولة عربية اسلامية اعترفت به ككيان غاصب ، عندما كان يعتبر مثل هذا الاعتراف قمة الخيانة والجريمة للمبادئء والقيم الاسلامية ، وما زالت تركيا وفي عهدها الحالي وفية تماما لهذه العلاقات ، والمصالحة الأخيرة بين الطرفين وبالشروط التي قامت عليها واعتبرها رئيس وزراء العدو بانها إنجاز سياسي وأمني تاريخي واستراتيجي لاسرائيل ودون فك الحصار على غزة كما كانت تشترط تركيا دليل يقيني يدفعنا للتفكير والحذر حتى لا نقع في المحظور ونكرر تجاربنا في الرهان والبناء على اوهام واحلام لا اساس لها وجود في الواقع .
مع احترامي لبعض الجوانب المشرقة في التجربة التركية ، الا انني لا استطيع ان اغمض العينين عن عمق العلاقات التركية الاسرائيلية ، ، ولا استطيع ان اوافق على تحويل القضية الغزاوية والفلسطينية لمجرد قضية انسانية يمكن حلها بمساعدات انسانية ، ولا ستطيع ان اغمض عيني عن التدخل التركي الدموي في الشؤون العربية وخاصة في سوريا وفي التواجد العسكري التركي في العراق .
كنت وكثر غيري يتمنون تغيير المواقف التركية التي أشرت اليها ، ولكن حتما ليس بانقلاب عسكري قد تكون نتائجه اكثر ضررا علينا وعلى الشعب التركي الذي لا نتمنى له الا كل الخير ، كما لا نتمنى لشعبنا الغرق مجددا في الأوهام .
كاتب فلسطيني
Saberaref4@gmail.com