عضو البرلمان من حزب اردوغان Aydin Yunal أدعى في عمود له في جريدة يومية تركية ان ضباطاً من الجيش الأمريكي شاركوا في الانقلاب . و صرح وزير العمل سليمان صويلو Soylu أن الولايات المتحدة كانت وراء الانقلاب الفاشل .
جاء الرد الامريكي على لسان وزير الخارجية جون كيري الذي هاتف نظيره التركي في 16/7/2016 حيث قال ” ان الولايات المتحدة لم تشارك في محاولة الانقلاب وإن الادعاء بمشاركتها كاذب ومضر بالعلاقات الثنائية بين البلدين . ” وسارع كيري في اليوم الثاني لأن يحذر اردوغان من ان ” عمليات اجتثاث المعارضة الواسعة غير مقبولة من اوروبا ومن الناتو ومن الولايات المتحدة .” يبدو واضحاً بأن العلاقة التركية الامريكية لم تعد من اولويات النظام التركي وأنها متوترة ولن ترجع الى سابق عهدها .
إحدى النقاط الشائكة في العلاقات التركية الامريكية هي مطالبة تركيا بتسليمها فتح الله غولن والذي يعيش في الولايات المتحدة والوثيق الصلة بالمخابرات الامريكية . تقول مجلة الايكونوميست وثيقة الصلة بمراكز القرار الانغلوأمريكية بأن المخابرات التركية تحتفط بتقارير وبراهين في الف صفحة عن زعزعة فتح الله غولن للنظام التركي لكنها تحتاج الى ترجمة للانجليزية لتقديمها للولايات المتحدة . وتتنبئ المجلة سلفاً أن هذا التقرير سيكون مصيره سلة المهملات في دوائر التحقيق الامريكية .
الكاتب Pepe Escobar يرى ان موقف الولايات المتحدة نحو الانقلاب كان غامضاً من بدايته حيث يقول أن السفارة الامريكية في تركيا سمت الانقلاب عند بدايته ( بالانتفاضة التركية). وكتب ان موقف الولايات المتحدة واوروبا بقي غامضاً الى أن تأكدوا أن الإنقلاب قد فشل فسارعوا الى الاعلان عن مساندتهم للشرعية المنتخبة والديمقراطية . يرى اسكوبار أن العلاقة الامريكية التركية قد تردت لدرجة أنه جاء في خطاب اردوغان ليلة الانقلاب على محطة CNN التركية : ” اذا اردتم استعمال قاعدة Incirlik فيجب عليكم تسليمي غولن ” ويصل الكاتب الى النتيجة ان الولايات المتحدة وتركيا هما في طريقهما للصدام .
الكاتب الامريكي F.William Engdal أجاب على سؤال أن كان الانقلاب متوقعاً فقال :” ان محاولة الانقلاب كانت نتيجة تغيير دراماتيكي في سياسة اردوغان والتي سوف تُحدث تغييراً جيوسياسياً عميقاً وأهمها إعادة التقارب التركي الروسي . ويضيف ان من قام بالحركة الانقلابية هم عناصر موالية لفتح الله غولن والمعروف بشكل قطعي بأنه أحد عناصر وكالة المخابرات المركزية CIA . ويقول انعدال: أحد جوانب التقارب الروسي التركي كان ان يتوقف اردوغان عن محاولة الاطاحة بنظام الاسد في سوريا .وهذا سيحدث تغيرات عميقة في التحالفات المتشابكة الشرق اوسطية .
في الشهور الاخيرة بدات العلاقات التركية الامريكية بالتدهور خصوصاً بعد أن أصبح واضحاً ميل الولايات المتحدة الى اكراد سوريا وتسليحهم بل ووضع اشارات مليشياتهم على البسة القوات الخاصة الامريكية المحاربة بجانبهم – وخصوصاً ان تركيا تعتبرهم امتداداً لحزب العمال الكردستاني التي تعتبره تركيا و( امريكا) حزباً ارهابياً . وبناء عليه اصبحت تركيا تطالب ( كما روسيا) بوحدة الاراضي السورية وذلك منعاً لقيام كيان كردي في شمالي سوريا على حدود تركيا الجنوبية. وهذا أحد التغيرات الهامة في مسرح المنطقة العربية .
إن فترة ما بعد محاولة الانقلاب هي فترة “طحن العظام ” بين الولايات المتحدة واتباعها من جانب وتركيا اردوغان وحزبه من الجانب الاخر . وسينتج عن ذلك تغيرات استراتيجية وخطيرة ومنها احتمال ان يتجه اردوغان بتركيا شرقاً وشمالاً بدلاً من الغرب مما سيكون له تأثرٌ كبير على مسرح السياسة العالمية .
اما تهديد الاتحاد الاوروبي لاردوغان بعدم القسوة والتمادي في اجتثاث خصومه وتطبيق عقوبة الاعدام مما سيؤثر على امكانية انضمام تركيا الى الاتحاد فالاحتمال الاكبر ان يكون قد توصل اردوغان الى ان حلم الانضمام مع الاتحاد الاوروبي ما هو الا سراب . وقد يكون من المفيد ان أؤكد ان مثل ذلك الاحتمال ليس ضئيلاً فقط لكنه معدوم ودعني أعيد حكايتي مع رئيس وزارء البوسنة الاسبق .
” نظمت قناة الجزيرة ندوة عن الربيع العربي بتاريخ 16/3/2013. جمعت فيه أكثر الشخصيات المؤثرة فيه، مع جمع من الاعلاميين والاكاديميين وكنت أحد المدعوين لالقاء كلمة عن اي لون من الاقتصاد ينبغي على اصحاب الربيع العربي اتباعه. كانت الكلمات يتم نقلها على الهواء مباشرة . كان من بين المدعوين الدكتور حارس سيلوجوليك . Haris Silojolzic رئيس وزارء البوسنة بين سنوات 1993-1996 ايام التطهير العرقي لمسلمي البوسنة من الصرب وكنت اجلس الى جانبه مباشرة . في كلمته من على المنصة بيّن الدكتور حارس كيف ان الغرب كان يحابي الصرب بل يحمي عمليات تطهيرهم العرقي ، وكيف سعوا بعد ذلك لتفتيت البوسنة .
عندما رجع الى مقعده ذهب متكلم اخر على الهواء. أبديت ملاحظتي على كلمة الدكتور حارس كتابة حيث كتبت ” ربما عاملوكم كذلك لانكم مسلمون . الاتحاد الاوروبي أعرب انهم لا يرغبون بدولة اسلامية في اوروبا ). اعطيته الورقة فكتب مباشرة : هذا ليس سراً ، فقد كتبه المؤلف Taylor Branch في كتابه Clinton Tapes (قال كلينتون : كما جاء في كتاب (Clinton Tapes) للمؤلف تايلور برانش بأن حلفائه الاوروبين لا يرغبون بدولة اسلامية في اوروبا مسيحية) .
في فترة الاستراحة وتوقف البث المباشر وقفنا لاكمال ما بدأناه كتابة. كان اعجاب الدكتور حارس شديداً برجب طيب اردوغان . قلت أني أشاركه الاعجاب في نواحي عديدة في شخصية اردوغان ليس اقلها أنه اداري يقال عنه أنه نظيف اليد ويحارب الفساد لكني اخاف على انجازاته الاقتصادية أن تذروها الرياح . ذلك لانها في النهاية رهينة الى عدد قليل من الاصحاب الحقيقين للنظام العالمي الرأسمالي القابعين في وول ستريت . لم يسعفنا الوقت لاستكمال الحديث سوى أنه عبر عن اعتفاده بأن ( الرجل واعي وصاحي) .
عند عودتي من الدوحة اشتريت كتاب Clinton Tapes …في الصفحة (9) و(10) من الكتاب المذكور يقول كلينتون :”خلال اسابيع توصلت الادارة (الامريكية) الجديدة الى ضرورة تخفيف الحظر الدولي المفروض على السلاح لتلك المنطقة لان الحظر يعاقب الضعيف والضحية وهي دولة البوسنة فدولة البوسنة ذات الاغلبية المسلمة كانت محاصرة ولا تستطيع تهريب السلاح عبر الحدود. كانت البوسنة تطالب برفع الحظر لشراء السلاح للدفاع عن النفس لعل تعادلاً في الموقف العسكري بين المتحاربين يتيح الفرصة لحل سياسي “. يضيف كلينتون : ” ان حلفاء الولايات المتحدة الامريكية عارضوا ذلك بشدة. برروا معارضتهم لاسباب انسانية لان السلاح الاكثر سينتج عنه ضحايا أكثر ، ولكن في السر قالوا أن البوسنة المسلمة ستكون غير طبيعية كالدولة المسلمة الوحيدة في اوروبا .
لقد اصروا على الابقاء على الحظر لانه يحابي الصرب ويحافظ على عدم التوازن الراهن. في واقع الامر استعمل الاوروبيون جنود حفظ السلام كدرع لمساعدة الصرب في اكمال تقطيع اواصر البوسنة ” . اضاف كلينتون :” الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران كان في منتهى الصراحة حين قال: لا مكان للبوسنة بيننا وان كبار المسؤولين البريطانيين اصروا على ضرورة استعادة اوروبا المسيحية.”
لو أراد رجب طيب اردوغان وحزبه البقاء في معركة تحطيم العظام القادمة فعليه أن الانتقال من مرحلة نظام هجين مهادن الى نظام ثوري وعليه أن يتذكر شروط الثورة كما عرفها لينين بأن أركانها ثلاثة : حزبٌ قائد وقيادةٌ قوية الشكيمة ووضوح كاملٌ للاهداف التكتيكية والاستراتيجية . إن إعادة هيكلة سياسات وتحالفات تركيا بالاتجاه الصحيح (وهو شمالاً وشرقاً) فإن لذلك تأثيرات دراماتيكية على المشهد المحلي والعالمي .
إن التزاوج بين بعض الحركات الاسلامية والرأسمالية الأمريكية في الفترة الماضية محكوم عليه بالفشل من بدايته. يتم إستعمال الحركات الاسلامية كحركات الاخوان المسلمين بل وحزب العدالة التركي مرحلياً . لكن الاستراتيجية الامريكية قد تغيرت .
في العقد الاول من القرن الواحد والعشرين قبلت الولايات المتحدة ان تصل الحركات الاسلامية كجماعة الاخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية التركي الى الحكم ما داموا قابلين بالاحلاف العسكرية الغربية واسرائيل . لكن هذه السياسة قد تغيرت الى رفض كل الحركات الاسلامية كائناً لونها ما يكون .
…. هناك ما اسمه socioeconomic orderوهو تزاوج النظام الاجتماعي مع النظام الاقتصادي. . إن حلف الناتو الذي ينتمي إليه اردوغان هو جزء من منظومة عالمية وصفها جورج سوروس في كتابه ” أزمة الرأسمالية العالمية” وهي بطبيعتها معادية لاي نظام اسلامي او غير اسلامي يتناقض مع فلسفتها الطفيلية لافتراس الشعوب الاخرى.
أن دور وموقع تركيا المحوري بين اوروبا وروسيا وكونها منطقة عازلة بين اوروبا وبلدان الشرق الاوسط الملتهب ، كذلك كون تركيا هي ممر لانابيب بترول دول بحر قزوين وكذلك كونها ارض انابيب الغاز المستقبلية الروسية الى اوروبا وكونها تمتلك احد اكبر الجيوش في العالم مما يوصل الى نتيجة ان الولايات المتحدة لن تتخلى عنها بسهولة وان نتيجة المعركة القادمة سيكون لها انعكاسات عالمية .
من البساطة بل والسذاجة قبول ادعاءات فتح الله غولن بأن محاولة الانقلاب الاخير تمّ تدبيرها من اردوغان وهي لا ترتقي حتى لمجرد بحثها .
مستشار ومؤلف وباحث


