خبر : إن لم تقنعهم .. أربكهم .... محمد يوسف الوحيدي

الخميس 21 يوليو 2016 01:35 ص / بتوقيت القدس +2GMT
إن لم تقنعهم .. أربكهم .... محمد يوسف الوحيدي




ظاهرة إحتدام الصراع ، و إنتشار الإشاعات ، و الإفتراءات ، و التأويلات ، وصولاً إلى إستخدام كل الوسائل حتى الخسيسة منها ، و الضرب تحت الحزام ، و حتى الطعن في الشرف و القذف و السب و التطاول ، كلها أعراض طبيعية تصاحب مخاض ولادة أي إنتخابات .
عادة يظل الكبار بقدر المستطاع ، تحت مظلة من الهيبة و السكينة ، و يمثلون أداور الفرسان ، و المنافسة الشريفة .. و يتركون المهام الملوثة و أعمال الردح و التطبيل و اللطم و العواء إن إقتضى الأمر .. للصغار و التابعين ، و هؤلاء الصغار و التابعين صنفان ( و بينهما متشابهات) : الأول مرتزق مستفيد يتقاضى ثمن ولائه .. و الثاني : إمَّعه ، مُغررٌ به ، ساذج ، ملكي أكثر من الملك متعصب ، عبد لزعيم أو شخص و أبعد ما يكون عن النهج القويم أو الفكر السليم.
و هنا أريد أن أركز على ما نشهده حالياً من إرهاصات للعملية الإنتخابية القادمة ، للبلديات في فلسطين .. و التي يراهن عليها الفتحاويون و الحمساوين بشكل رئيس ، و يقف منها باقي التنظيمات و التيارات موقف المراقب و الداعم لأسباب ومصالح هنا وهناك .. و مع بداية موجة الإنتخابات البلدية أيضاً ، و قبلها كانت هناك قوى تلعب في الشارع الفلسطيني ، تحاول ترتيب البيت الفلسطيني ( بإخلاص)، بما يتناسب مع مشروعها هي ، و خارطتها و أجندتها هي ، و تعمل بجد و إجتهاد دون كلل أم ملل لضرب المشروع الوطني الفلسطيني .. هذه الأطراف ، كانت و مازالت ، و ستظل تلعب دوراً في تشتيت القوى الفلسطينية ، و منع الفلسطينيين من الوصول إلى هدفهم الحقيقي وهو بناء الدولة الوطنية . و ربما من أكثر الأساليب و الألاعيب التي تمارسها دهاءً و مكراً ، هو أسلوب الإرباك و التشكيك .. على قاعدة النظرية السياسية الشهيرة : " إن لم تستطع إقناعهم .. فأربكهم "
If you can't convince them, confuse them
ينسب البعض هذه الحيلة أو التكتيك إلى الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان ، بينما يرى آخرون أن هذا القول أعقد من مستوى تفكيره ، و أرفع لغة من قدرات ترومن ، و ربما هو ردده فقط .. و أياً كان صاحب النظرية ، فإنها تظل أسلوباً ما زال يستخدم ، بوسائل مباشرة أو غير مباشرة .. علمياً ، و حسب ما تقول الكتب ، فإن إستراتيجية التشتيت (التفتيت) هي أحد أهم إستراتيجيات العمل التفاوضي ، أو أحد أهم حيل و مكائد المساومة و ينتهج هذا الأسلوب الطرف الذي يريد أن يثني و يكسر إيمان الطرف الآخر بقضيته. وتقوم هذه الاستراتيجية على فحص وتشخيص وتحديد أهم نقاط الضعف والقوة لدى الآخرين وتحديد انتماءاتهم وعقائدهم ومستواهم العلمي والفني والطبقي وكل ما من شانه أن يصنفهم إلى شرائح وطبقات ذات خصائص محددة مقدماً. وبناء على هذه الخصائص يتم رسم سياسة ماكرة لتفتيت وحدة وتكامل الطرف الآخر للقضاء عليه، وتقوم هذه الإستراتيجية على نسف احترام الآخرين للمثل العليا و الثوابت و الأصول و الرموز ..و تشكيكهم بها و بجدواها ..ليصبح الهدف مفتت متعارض تدب بين أعضائه الخلافات والصراعات ومن ثم يصبح جهدهم غير منسجما.
و يتم هذا بخطوتين ظاهرتين واضحتين :
الأولى - التشكيك : "إِن نَّظُنُّ إِلا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ" إيصال (المستهدفين) إلى قناعة ( عبثية) ما يؤمنون به ،وأن ( كل الأطراف ) حولهم لا تستحق الإحترام و الولاء ، و أنها هي المسئولة عن كل المشاكل و الكوارث .. و في حالتنا الفلسطينية يكون أولاً بالتركيز على إقناع الشارع بعبثية التنظيمات و فسادها ، و يتم رصد و تكبير و تعظيم كل و أي تجاوز أو فساد و تسخير كل اساليب " الوسوسة " الحديثة من إعلام و صحافة و تواصل إجتماعي ، و إشاعات ، و فوتوشوب ، و تسريب صوتي ، و إجتزاءات من أفلام أو خطابات أو مكالمات هاتفية ، بل و فبركات و أكاذيب .. حتى يصل الحال بالفرد و من ثم بالجماعات إلى ( فقدان الثقة و الشك الكامل ) ، و أول و أخطر علامات السقوط في هذا الفخ هو ما نسمعه يتردد كثيراً من مقارنة بين ( حزب و دولة ) مثل

( حماس كفصيل ، و الدولة أو السلطة الوطنية ) .. أو بين ( فصيل له رؤية و مشروع ، و بين نظام جامع له رؤية عامة و مشروع وطني شامل ) .. حتى يقول الشارع ( حماس أو السلطة ، الإثنان سيئان ) ، أو ما نلاحظة و سنلاحظة في الفترة القريبة من إزدياد حالة التوتر الظاهرة – قبل الأوان – بين أتباع محمد دحلان ، و بين أتباع حركة التحرير الوطني الفلسطيني - فتح . وسط محاولات من قبل من يحبون لعب دور " العقلاء و الحكماء في الجهتين " لتهدأة الخواطر و طرح لم الشمل ووحدة الحركة و ما إلى ذلك من شعارات .. علماً بأن في داخل كل فريق منهما مذاهب و مشارب و أزقة و جماعات متنافسة، و هذا أيضاً طبيعي ، فالصراعات على التسيد و السلطة و الترقي و الفوز مفهومة و معروفة ..أما ما يثير القلق ، و ليس طبيعياً أبداً ، هو أن تقوم هذه الفئة و في كل مرة ، بشق الصف ، و التخريب و التطاول على قيادتها ، و إثارة الفرقة ، مما يعزز اليقين بالقيام بتقديم خدمة مجانية ، بغير قصد ـ أو بقصد لتلك الجهات التي تستهدف المشروع الوطني برمته !!

الثانية - الحياد السلبي : فالهدف هنا واضح ، و هو تحويل المجتمع إلى كتلة صامته ، فاقدة للوعي ، أو غير مكترثة ، ليس للفرد فيها راي ، و إنما كالقطيع يسيرون حيث تدلهم إحتاجاتهم الغزيرزية و فقط . كأن تجد مثلاً من يقول لك ( و أنا مالي ) ، رغم أنه يتعرض كل يوم بل كل ساعة بل كل لحظة ، للإذلال ، و التعسف ، و التضييق ، لا يستطيع الحصول على أبسط مقومات العيش الإنساني الكريم ، ناهيك عن الحق في التعبير ، و حرية الحركة .. ولكنه يرضى و يقبل .. كما وصفهم الله تعالى : "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ "(179) الأعراف.

ومما يساعد هذه القوى التي تريد التفتيت و الشتيت و الإرباك ، و بشكل قوي ، واضح ، جلي ، مؤثر ، و غالباً بالمجان ، للأسف الشديد ، قوانا الوطنية ذاتها ..

وسط هذا البحر الهائج ، و المياه غير الصافية ، يجد المواطن الفلسطيني ، الغزي تحديداً نفسه أكثر ميلاً إلى المستقلين .. ظناً منه أن ( المستقل ) بالفعل مستقل .. و أنه أكثر فهماً لمشاكله و قرباً منه ، من تلك التيارات و التنظيمات و الفصائل و القبائل المتناحرة ،و أن الشخصيات المستقلة أكثر قدرة على تلبية إحتياجات المواطن، خاصة الخدماتية و البلدية ، فيبحث عن أسماء ( مستقلة) لأشخاص على قدر من المهنية و الثقافة و الدماثة و طيب السمعة .. و ينسى الأهالي في غمرة التدافع و ضيق الوقت أنه لا يوجد شئ إسمه ( مستقل) في عالم السياسة .. و ينسى الأهالي أن التنظيمات و على راسها ( فتح و حماس ) ستنبث الكثير و الكثير جداً من المرشحين على أنهم ( مستقلون ) .. و هنا سيجد الناخب نفسه ، قد إختار نفس التوجهات و نفس المناهج و العقليات ..
لهذا كله ، أرى أن الصوت يجب أن يوجه لصاحب الطرح الأفضل ، و البرنامج الأكثر نفعاً ، و أن يرتكز المواطن على بحث الماضي و الحاضر ، و إستخلاص العبر منه ، أن يصوت لصالح الحرية ، ضد الحصار ، أن يصوت لصالح الوضوح و المشروع الوطني ، أن يصوت لفلسطين ، مشروعه هو ..