خبر : الانقلاب التركي : طلاسم وألغاز ...أحمد محمد أبو شاويش

الأربعاء 20 يوليو 2016 09:04 ص / بتوقيت القدس +2GMT





بعد أن هدأ ، بعض الشيء ، الضجيج الذي أثير على هامش محاولة الانقلاب التركي ، لا سيما ونحن لا (نجيد) التفكير إلا برؤوس حامية ، وفي عز سخونة الحدث ، الآن يمكن القول إن التصدي لحل المفارقات التي لازمت هذا الحدث على خطورته يحتاج إلى التسلح بجدول للوغاريتمات لفك بعض طلاسمه ، ونحن لا نزعم أننا نملك ذلك ، ولكننا وبعد متابعة لمجريات واقع الانقلاب لحظة بلحظة ، على سائر وسائل الإعلام المعنية بالحدث ( تأييدََا ومعارضة) ، وعلى امتداد ثلاث ساعات متواصلة ، من الساعة الحادية عشرة والنصف وحتى الثانية والنصف صباحاََ (لحظة اليقين بفشل الانقلاب ) ، سوف نقوم هنا بطرح بعض الأسئلة التي قد تساعد في حل تلك الطلاسم ، لمن يعنيه ذلك بموضوعية :
- لماذا استمرت فضائيتا " الحرة" الأمريكية و"العربية" السعودية ، تروِّجان على امتداد تلك الساعات لنجاح الانقلاب ؟ ، لا بل زادت "الحرة " باستضافة بعض المحللين الاستراتيجيين الأمريكيين ، القريبين من دوائر صنع القرار ، ليتحدثوا فيما بدا وكأنهم يتناولون مرحلة ما بعد "أردوغان" ، بالقول مثلاََ : إن أردوغان دفع ثمن فشله في إسقاط نظام الأسد .. ! ، وثمن مناوراته في محاربة الإرهاب ..!
- لماذا التزمت الإدارة الأمريكية الصمت عن التعليق على ما يجري حتى الساعة الثانية والربع صباحا ..فيما عدا دعوة رعاياها في تركيا للحذر والتزام مساكنهم ، ليتلو ذلك فجأة وبعد اتصال بين الرئيس ووزيرخارجيته المتواجد في موسكو ؛ صدور تصريح لناطق رسمي ، تلاه مباشرة تصريح للرئيس ، ثم تصريح لوزير الخارجية ، والختام كان اتصال الأخير بوزير الخارجية التركي (صح النوم ) ، وكان فحوى ذلك كله ( دون أدنى مقدمات لتفسير الصمت ) تأييد الشرعية ، وشجب المحاولة الانقلابية ، والحفاظ على المسار الديموقراطي في البلاد ..! ( أيتها الديموقراطية كم من المساخر ترتكب بحقك وممّن ؟ من سدنتها الذين يشكلون لنا القدوة الديموقراطية كي لا نقول الرعاة حسب التعبيرات الدارجة في الآونة الراهنة ..فعلاََ إنه زمن المسخرة..)
_ لماذا تأخر الأمين العام للحلف الأطلسي في تعقيبه على مثل هذا الحدث الخطير في بلد عضو في الحلف طيلة تلك الساعات الحرجة حتى بيان الخيط الأبيض من الأسود في الولايات المتحدة..! وطبعاََ كان تعليقه مطابقا للموقف الأمريكي ..ولا عجب في ذلك..
والأسئلة الاستنتاجية التي تترتب على ما سبق :
هل ضاقت الولايات المتحدة ذرعاََ بمواقف أردوغان ( شبه الاستقلالية المبنية على وهم السطنة) ، والتي لم تعد منضبطة كما يجب مع المواقف الأمريكية ، لاسيما في مسألة الأكراد ، وحل المسألة السورية ، وفي توطيد العلاقة مع روسيا كما بدا مؤخراََ ، في حين ان ألولايات المتحدة، بالتعاون مع الحلف الأطلسي ، تقوم بتشديد الحصار على روسيا في شرق أوروبا ، وفي دول بحر البلطيق ، رغم أنه في مقابل خطوته تجاه روسيا حاول أن يعادلها بخطوة مماثلة تجاه إسرائيل ، وهو يدرك أن الطريق إلى نيل الرضى الأمريكي يمر عبرمدللتها اسرائيل ، فأعلن عن تحالفه الاستراتيجي معها ، وعن التزامه بألا يتخذ موقفا مضاداََ لها في الأمم المتحدة ، بما يعني أنه إذا طُرِح مثلا في الغد القريب أو البعيد مشروع قرار فلسطيني لإدانة إسرائيل بسبب الاستيطان فيجب عليه أن يعارضه (!) (، وقس على ذلك .(وهذا برسم كل حريم السلطان في المشرق العربي ) ومع ذلك فما لم يدركه هو أن للقوى العظمى مصالحها ، وبالتالي سياساتها ، الجيو استراتيجية التي تتجاوز ما يمكن أن يطلق عليه عبثيته في اللعب مع الكبار..وتتجاوز اسرائيل نفسها . وبالعودة إلى سياق البحث نقول هل ضاقت الولايات المتحدة به فقررت العمل على التخلص منه ، أو على الأقل محاولة فرك أذنه لإعادته إلى صوابه ، فأوعزت إلى ، أو تواطأت مع، بعض المتضررين في الجيش التركي مباشرة ، أو بواسطة " غولن " الموجود لديها . غير عابئة بما قد يترتب على ذلك من نتائج بالنسبة لأردوغان نفسه ، أو بالنسبة لتركيا أو بالنسبة للجيش التركي ، أو للذين تكون قد تواطأت معهم مؤخراّّ ، فكل هؤلاء فرادى أو جماعات يذهبون فرق عملة في حسابات القوى العظمى .
وبالعودة إلى سياق الأسئلة التي نوهنا إليها في المقدمة ؛ نقول :
_ لماذا بدا الانقلاب وكأنه قد أُعدّ له على عجل ، ودون وجود ملامح خطة محكمة ، ودون بيان إن لم يكن برنامج سياسي للانقلاب مقنع للشعب من أجل دعمه ، ودون الإعلان عن قيادة معلنة ومعروفة بصدقيتها لتحقيق الأمر ذاته .
_ لماذا لم تتخذ الإجراءات الوقائية والاحترازية التي يُفترض أن تتخذ في مثل هذا التحرك ، فلم يجر سوى توقيف رئيس الأركان ، دون المس بأى مسؤول سياسي حكومي ، أو قيادي تنظيمي في حزب العدالة لإرباك أي تحرك مضاد للحزب على الأقل ، إن لم يكن شل حركته ..! وبقي الجميع بدءا من الرئيس ، ومروراََ بالوزراء ، وانتهاء بسائر المسؤولين أحرارا طلقاء ، يصدرون التعليمات ، ويطلقون النداءات ، والانقلابيون يرمقونهم عن كثب . كذلك فإن حجم ونوعية القوات التي نزلت إلى الشارع لم تتناسب مع المطلوب لحدث كهذا .
_ لماذا لم تؤخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار في حسابات قادة الانقلاب ، هل هو الجهل بشروط نجاح مشروعهم ، يصعب إقناعنا بمثل هذه الذريعة . أم أن ذلك يعود لصحة ما يقال من ان القائمين على تلك القيادة (وعلى رأسهم المستشار العدلي - القانوني -لرئيس الأركان وهو برتبة عقيد) هم من المتضررين من قرارات كانت ستصدر في أجتماع خاص للقيادة السياسية والعسكرية ، وكانت تتناول التنقلات والترقيات والإحالات على التقاعد ( والتي كما يبدو أنها مشمولة في الإجراءات التي تطبق الآن) وكان المستشار القانوني قد اطلع عليها مسبقا بحكم موقعه ، فقرروا التحرك بما (تيسّر) معتمدين على وعود دولية بدعم تحركهم ، كما نوهنا ، وللغايات التي ذكرناها ، أعلاه ..وإلا كيف يمكن تصور أن يقدم قادة جيوش واسلحة (برية وجوية ) أن يقدموا على عمل خطير كهذا في بلد عضو في الحلف الأطلسي وفيه مخازن نووية وقواعد عسكرية للحلف ، بمثل تلك الارتجالية كي لا نقول بمثل تلك الخفة.. ولكنهم غفلوا عن أنهم يمكن أن يذهبوا فرق عملة في حسابات الكبار.
_ والسؤال الأهم هو ما هي الاتصالات وما الذي كان يجري خلف الكواليس داخليا وخارجيا خلال الساعات الأولى وتمخضت عن كسر للانقلاب فجأة وهو في لحظة انتصاره ، فبدا عاريا من أي دعم خارجي ، ومحاصرا بتنديد قوى وأحزاب المعارضة الداخلية بفكرة الانقلاب من أساسها كحل لمعضلات الحياة السياسية والاجتماعية ، وكذلك بوقوف الأجهزة الأمنية بما في ذلك الشرطة وجهاز المخابرات التي يبدو أنها كانت قد أعدت جيداََ لمثل تلك اللحظة ، وأيضاََ نزول محازبي وأنصار حزب العدالة مسلحين بأيديولوجية متطرفة ، وسكاكين مشرعة لقطع رقاب الجنود كما بدا على شاشات التلفزة.ويبدو أن هذا الحزب قد أُعد جيدا وقد تعلم دروس انهيارالحكم والحزب في كل من الاتحاد السوفياتي ، وحكم الإخوان في مصر.وأما القول بأن نزول الشعب هو الذي حمى النظام ، فمثل هذا الادعاء لا يدعمه واقع الحصار الخانق خارجيا ، ولا يؤيده واقع الفساد المعلن والذي تحفل بقضاياه ملفات القضاء التي تطال العديد من مسؤولي نظام أردوغان ، كما يدحضه الانقسام الداخلي في المجتمع (العرقي والطبقي وسواهما) وماينجم عنه من عدم استقرار ، وزعزعة للأمن ، ويخطيء من يظن أن الديموقراطية تعني شيكاََ على بياض لصناعة مستبد ولو ب (القانون) .