خبر : الإنقلاب في تركيا: فشل لكن نجح، أو نجح لكن فشل! د. عبدالله السعافين

الثلاثاء 19 يوليو 2016 12:16 م / بتوقيت القدس +2GMT
الإنقلاب في تركيا: فشل لكن نجح، أو نجح لكن فشل! د. عبدالله السعافين




هكذا يسعى كتاب وصحفيون في العالم العربي إلى رسم صورة ما حدث في تركيا قبل ايام. العديد منهم حول العالم أيضاً كتبوا في نفس الإتجاه. بعضهم أظهر إشفاقاً على الديمقراطية التي (وأدها) أردوغان! (الصديق الفلسطيني عبد الباري عطوان)، والبعض الآخر نزع عن أردوغان أي شعبية أو تأييد بين الأتراك واصفاً إياه بأنه إخواني متخلف! (الكويتي خير الله خير الله) وآخرون اعتبروا أن فشل الإنقلاب كان مصادفة، وبشروا بأنه سيكون هناك انقلاب ناجح قريب! (البريطاني روبرت فيسك)، وعنونت مجلة الإيكونوميست (المحترمة) مقالها عن الإنقلاب ب "السلطان ينجو"!
كراهية أردوغان أو التحامل عليه شخصياً هي القاسم المشترك بين كل هؤلاء. وهناك تواؤم عجيب وتساوق غريب وتطابق مريب بين ما كتبوا وبين موقف القوى الغربية التي تواطأت، نعم تواطأت، على التخلص من أردوغان شخصياً لدرجة أن دولة كبيرة جداً وافقت على إزهاق أرواح مائة بريطاني وغربي كانوا يقيمون في نفس فندق أردوغان في مرمريس كما قال دكتور محمد الجوادي. استهدفوا مكتبه وفندقه وموكبه، وأعدوا لمهاجمته في الفندق بمتفجرات تؤدي إلى صهر جسده وليس تفتيته فحسب.
هؤلاء الكتاب والصحفيون الذين كتبوا ويكتبون محذرين أردوغان من سفك دماء الإنقلابيين وأن يظهر تسامحاً كسبيل وحيد لإنقاذ "شعبيته المتهاوية" بعد النجاة من قبضة الإنقلابيين، لم نسمع لهم صوتاً ولا تجرأ أحدهم على الكتابة مطالباً ، مثلاً، بلجيكا أو فرنسا اللتان ضربهما الإرهاب في بروكسل ونيس بالتعامل مع الإرهابيين بضبط النفس وضمان محاكمات عادلة لهم ومحاسبتهم وفق دولة القانون! ليت الذين رأوا في الإنقلاب دليلاً على ضعف شعبية أردوغان قرأوا ما قاله المستشرق د. شاؤول شاي، من المركز المتعدد المجالات في مدينة هرتسليا، شمال تل أبيب، الذي رأى أنّ فشل الانقلاب يؤكد أنّ الأغلبية الساحقة من الشعب التركيّ تُريد المحافظة على الخط السياسيّ الداخليّ والخارجيّ للرئيس أردوغان، كما أنّ الشعب التركيّ أثبت أنّه متمسك بالمحافظة على اللعبة الديمقراطيّة في كلّ ما يتعلّق بتغيير الحكم والحاكم.
لكن نفر من هؤلاء الكتاب العرب ولفيف من أقرانهم الغربيين، يبدون كل تعاطف وتخوف من تعرض إنقلابيي تركيا لسوء المعاملة وربما الإعدام. لا نفهم سبباً لكل هذا التناقض والعداء لنموذج العدالة والتنمية الحداثي المنفتح الناجح إقتصادياً الذي حقق الرخاء للمواطن وأعلي من قيمة البحث العلمي وأطلق العنان لطاقات الشعب. ليت هؤلاء الذين يختزلون المشهد برمته في "إخوانية أردوغان" غير المثبتة، على أساس أنها الشر الوحيد المستطير في المشهد برمته، يتوقفوا قليلاً أمام دموية الإنقلابيين الذين خططوا لقتل الرئيس واغتيال رئيس الحكومة وقصفوا البرلمان وحركوا الدبابات وداسوا أجساد الأبرياء بجنازيرها وطيروا المقاتلات وأغلقوا المطارات.
الذين نزلوا إلى الميادين ممن لا تعجبهم "ديكتاتورية أردوغان" نزلوا بناء على نداء أردوغان، ورفضاً للبديل الأسوأ الذي هو حكم العسكر. لكن جميع المراقبين وشهود العيان يؤكدون أن العمود الفقري لمن تواجدوا في الشوارع والميادين هم أنصار العدالة والتنمية. ومعروف أن من اشتبك مع الإنقلابيين في أكثر من مكان هي غالبية الجيش التركي و القوات الموالية للرئيس أردوغان وعلى رأسها جهاز المخابرات، ومن لاحق الإنقلابيين وأنزل العسكر من مدرعاتهم هم مغاوير القوات الخاصة التي أنشأها حزب العدالة والتنمية. أما رؤساء الأحزاب العلمانية والقومية فقد أعلنوا رفضهم للإنقلاب فقط بعد ظهور أردوغان، أي بعد ظهور المؤشر الأول على فشل الإنقلاب وبدء تحركات المخابرات والشرطة لإفشاله. وفي المناطق المعروفة بولائها للأحزاب العلمانية والقومية داخل اسطمبول لم ينزل للشوارع أحد كما أفاد شهود عيان، وكانت أشبه بمدن أشباح طيلة ساعات الإنقلاب وخلال اليوم الذي تلاه.
لست أفهم تعمد إغفال البعض حقيقة أن أردوغان وحزبه يمثلان الأغلبية في صفوف الأتراك، وهذا ما جاءت به صناديق الإقتراع وليس صناديق الذخيرة، هنا يكمن الفرق بين دعاة الديمقراطية وأدعيائها.
نتمنى مع كل المشفقين على الإنقلابيين أن تسود العدالة وألا تراق قطرة دم واحدة، لكن ماذا سيقول هؤلاء المشفقون على الشعب التركي من (ديكتاتورية) أردوغان لو كشفت التحقيقات عن مخطط للإنقلابيين لسحل واعتقال عشرات الآلاف من شباب ومنتمي حزب العدالة والتنمية في حالة نجحوا في قلب النظام؟! اللهم إلا إذا كان هؤلاء يتوقعون من قائد الإنقلاب (الملحق العسكري السابق في تل أبيب) أن يقول لأنصار العدالة والتنمية إذهبوا فأنتم الطلقاء.