خبر : تركيا بين نار العسكر ونار السلطان ...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 19 يوليو 2016 11:39 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تركيا بين نار العسكر ونار السلطان ...مهند عبد الحميد




الاستقطاب مع وضد الانقلاب في تركيا لا يختلف عن الاستقطابات السابقة. ظهر إلى العيان مدافعون عن الديمقراطية التركية كما جسدها حزب العدالة والتنمية، وفي مقابلهم ظهر شامتون بأردوغان وبحزبه العتيد. الاستقطاب أظهر أيضا قلة قليلة كان لها موقف ضد قطبي الصراع، الانحيازات استندت للبعد السياسي والتحالفات التي تأسست عليه أكثر من استنادها للبعد الديمقراطي، على سبيل المثال لعب موقف "العدالة والتنمية" من استقبال اللاجئين السوريين (مليون ويزيد) في تركيا والتميز الإيجابي في معاملتهم دورا كبيرا في الانحياز إلى جانب أردوغان ضد الانقلابيين، وجاء موقف الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون) الذي يربطه بحزب العدالة والتنمية فكرا وسياسات ومواقف واحدة مؤيدا بشكل مطلق لأردوغان، وفي المقابل فإن القوى والاتجاهات المؤيدة لنظام بشار الأسد كانت سعيدة بالانقلاب وحزنت حزنا شديدا لفشله. العنصر الجدير بالنقاش في تجربة الانقلاب وإجراءات الرد عليه هو الديمقراطية.
بصرف النظر عن النتائج، التي أفضت إلى منتصرين ومهزومين فإن الانقلاب والرد عليه هز تركيا سياسيا وأمنيا ومعنويا واقتصاديا. هزة قد تجعل حياة المنتصرين صعبة وفي مهب التغيير، أما الخاسرون فقد هبطوا إلى الدرك الأسفل، لقد شاعت فرضية تقول، إن الانقلابات العسكرية تنتمي إلى النظام القديم، وإنه بالقدر الذي تتطور فيه مدنية وديمقراطية البلدين فإنها تبتعد بل وتغادر هذا الشكل الغابر من وسائل تغيير نظام الحكم، ولما كانت تركيا من البلدان المتقدمة فلماذا يُستحضر الانقلاب العسكري كأداة تغيير؟ بعد تسعة عشر عاما من حكم حزب العدالة والتنمية حاولت تركيا العودة إلى الانقلاب كتعبير عن وجود تناقضات بين القوى المتنفذة اقتصاديا وسياسيا، التي هي من طبيعة واحدة، وتحت عنوان الصراع على السلطة، وعند القول من طبيعة واحدة فهذا يعني أن قطبي الصراع ينتميان إلى النظام الاقتصادي الرأسمالي النيوليبرالي العضو في "الناتو" والملتزم بسياساته بمختلف أشكالها، وليس بين حزب وقوى شعبية مستقلة ومناهضة لسياسة الهيمنة والنهب والخصخصة والقواعد الإمبريالية ومع تحرر الشعوب بما في ذلك مع حقوق الأكراد الطبيعية، وبين قوى تريد العصف بهذا التخندق المفترض.
إن الخلافات بين القطبين في مجال المصالح والاصطفاف، تكاد تكون محدودة والمؤكد أنها غير نوعية، وللتوضيح اكثر فإن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي ينتمي إليه حزب العدالة والتنمية، لم يتبن أي فرع من فروعه في مصر وتونس واليمن والسودان والمغرب والأردن سياسة ضد علاقات التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية، فما حسب أن يتبنى حزب العدالة والتنمية الحاكم موقفا ضد علاقات التبعية وهو يتحول إلى مركز للتنظيم الدولي وحكومته لا تعارض كونها عضوا في "الناتو" مع أن قواه الاقتصادية جزء من الشركات الاحتكارية التي تسيطر على الأسواق وتمارس النهب.
حزب العدالة والتنمية والعسكر يرتكزان إلى قاعدة اقتصادية واحدة، وينتميان إلى سياسات واحدة، الموقف من حقوق الأكراد الطبيعية واحدة، ويلتقيان مع استخدام تنظيم "داعش" لإعادة بناء علاقات السيطرة والتبعية، فقد استقبلت تركيا "العدالة والتنمية" كل عناصر التنظمين من دول الغرب وسمحت لهم الانتقال إلى سورية والعراق، وغضت الطرف عن تدفق النفط من إنتاج التنظيم إلى السوق السوداء، وساهمت كدولة من دول التدخل في قطع الطريق على الثورة الشعبية السلمية الديمقراطية لصالح العسكرة وصعود فصائل الإسلام السياسي المتطرفة والمعتدلة، ولسان حالها دعم الانتقال من سيطرة نظام مستبد إلى سيطرة نظام أصولي مستبد.
الاتفاق الذي أبرمته حكومة حزب العدالة والتنمية مع إسرائيل كشف حدود الاختلاف بين الطرفين، متجاوزا ديماغوجيا تنظيمات الإخوان المسلمين التي نفخت في الخلاف الإسرائيلي التركي وجعلت من تركيا دولة مواجهة ضد إسرائيل. فقد أظهر الاتفاق أن كل ما يهم تركيا هو استبدال نافذة قطاع غزة إلى العالم من مصر إلى إسرائيل، المترافق مع سياسة فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.
وإذا كان حزب العدالة والتنمية لم يتمايز اقتصاديا إلا من زاوية تشجيع الاستثمار لفئة من الرأسماليين الوسط، وخلق مصالح للطبقة الوسطى، ما أفضى إلى انتعاش اقتصادي على مدى دورتين، لكن هذه الميزة التي كانت وراء صعود حزب العدالة والتنمية في طريقها إلى الاستنفاد، ولم يتمايز سياسيا إلا في الخطابة التي باعدت بين الأقوال والأفعال، وأدخلت تركيا في تناقضات مع العديد من بلدان المنطقة، ما دفعها إلى التراجع وتقديم الاعتذار والهرولة الناجمة عن مواقف غير مدروسة، في غياب التمايز الاقتصادي والسياسي هل تمايزت تركيا "العدالة والتنمية" في الديمقراطية.
ان الرد على الانقلاب بحملة تطهير غير مسبوقة لأجهزة الدولة وبخاصة الجيش والقضاء، لا يختلف عن ما أراد الانقلابيون فعله، بل هو انقلاب مضاد هدفه إحكام السيطرة، فقد اعتقل في يوم ونصف اليوم 7500 بينهم مئات الجنرالات والقضاة والمدعين العامين أكثريتهم العظمى لم تشارك في أعمال الانقلاب، وهناك وعود بإعادة العمل بقانون الإعدام الذي ألغي في العام 2004، والأخطر أنه ظهر مع بداية الانقلاب الدور الأمني للأجهزة الخاصة من شرطة واستخبارات كقوة موازية لقوة الجيش، شبيهة بالحرس الثوري الإيراني، هذه القوة هي التي اشتبكت مع عسكر الانقلاب وهي الاحتياط الثابت للدفاع عن النظام.
ظاهرة "الحرس الثوري" والميليشيا كأداة سيطرة التي بدأت في ايران وانتقلت إلى العراق ولبنان وسورية واليمن وغزة وليبيا، الجيوش الموازية هي نقيض للديمقراطية وتشكل الوجه الآخر للعسكر، ولا يستقيم التعامل بواجهة ديمقراطية وبسيطرة من تحت تعصف بالديمقراطية عند اللزوم، وتنذر باندلاع حرب أهلية إذا ما جرى تهديد السلطة الحاكمة.
الديمقراطية لا تقتصر على صناديق الانتخاب والحصول على أكثرية، بل هي الطريق إلى صندوق الاقتراع وهي ثقافة وآلية تحقيق وممارسة ما قبل وما بعد الفوز.
يقول مراقبون ومعارضون، لقد قام حزب العدالة والتنمية بخطوات سابقة للانقلاب هدفها الاستئثار بالسلطة من خلال مصادرة قرار السلطات القضائية والأمنية والعسكرية، وكان من ضمنها تعديلات دستورية أقصت رئيسين مواليين لكنهما شريكان بهدف تركيز السلطات بيده، ويقول هؤلاء إن الضباط الذين قاموا بالانقلاب كانوا على لائحة الاعتقال أو التسريح، ما دفعهم إلى المقامرة بحركة الانقلاب الذي لم يكن يملك أي فرصة للنجاح. وكان أردوغان وحزبه يعملان بكل جهد للانتقال إلى نظام رئاسي كامل الصلاحيات في حال حصولهم على ثلثي الأصوات.
بقي القول، إن معارضة العسكر وانقلابهم وكل ما له صلة بالعسكرتاريا وسلطتهم الديكتاتورية، لا يقود تلقائيا إلى تأييد حزب العدالة والتنمية الذي يبني حكم السلطان بما يتناقض مع الديمقراطية، وإضعاف العسكر وطموحاتهم غير المشروعة، وإضعاف حكم السلطان الجديد، وجاءت تجربة الانقلاب والرد عليه بالتطهير لتضعف القطبين المتصارعين. ومن المفترض أن يسمح إضعافهما بصعود القوى الديمقراطية إلى المسرح السياسي، فهل يحدث ذلك؟
Mohanned_t@yahoo.com