خبر : الشيطان يعظ: الخطاب الغربي المنافق تجاه تركيا ...د. عبدالله السعافين

الإثنين 18 يوليو 2016 04:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
الشيطان يعظ: الخطاب الغربي المنافق تجاه تركيا ...د. عبدالله السعافين





لست تركياً وبالتأكيد لست أردوغانياً ولكنني قاريء للسياسة ومهتم بما يؤثر منها على وطني وشعبي وحسب. مهم أن أبدا بهذه العبارة حتى لا يتهمنا قاصر بأننا ندافع عن نظام أو سياسة أو شخص.

 هذا الإستقلال في الفكر والإنتماء هو الذي يجعلنا نلحظ بسهولة أي ظاهرة أو مواقف تنطوي على الإجحاف ونرصد الممارسة والمواقف والسلوك والأفعال التي تجانب الإنصاف. الحدث الزلزال الذي كان مركزه أنقرة وأسطمبول ما زالت ارتداداته تتوالى وستبقى تحدث هزات في المواقف والعلاقات الدولية في المنطقة والعالم. 

لكن أخطر هذه الإرتدادات هو ما كشف عنه الإنقلاب الفاشل من صراع حضاري تتكشف آياته كلما اقتربنا من تصديق شعارات التعايش والعولمة وذوبان الفوارق التي يرفعها الغرب ويصل فيها إلى بلادنا وشعوبنا على صهوة المنظمات غير الحكومية أن جي أو.


لقد انتظرت أوروبا الغربية ومعها إيران حتى يعلن الإنقلابيون عن انتصارهم والقبض على أردوغان، بل صدرت تصريحات وبيانات سياسية إعلامية عن الإتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية تتسم بالاستبشار والسعادة المكتومة حين اكتفى الإتحاد الأوروبي بالقول في بداية الإنقلاب: إن ما يحدث في تركيا يبدو عملية واسعة جداً!! في حين أصدرت القنصلية الأمريكية في أنقرة تحذيراً لرعاياها بسبب وجود "إنتفاضة" في تركيا! حتى بعد ظهور الرئيس أردوغان مخاطباً شعبه، الأمر الذي كان العلامة الأولى على فشل الإنقلاب، فقد تغير الخطاب الغربي ليصبح "الوقوف مع الديمقراطية"، وليس الشجب الصريح للإنقلاب.


ولما انبلج صبح السادس عشر من تموز عن هزيمة للإنقلاب وانتصار الشعب بدأت الجوقة الغربية على جانبي الأطلسي بعزف ألحان الوعظ بضرورة التزام الحكومة التركية بالقانون وبحسن السلوك!
موعظة الرّئيس الأميركيّ، باراك أوباما، جاءت على النحو التالي: نذكر تركيا بأنّ على الأطراف المعنيّة كافّة، أن 'تتصرّف في إطار دولة القانون" . وكرر وزير خارجيته أن بلاده بريئة من تهمة دعم الإنقلاب، بل لوح لتركيا باحتمال فقدان عضويتها في حلف الناتو إن هي استمرت في الإشارة إلى دور أمريكي غربي محتمل في الإنقلاب!


أما موعظة الإتحاد الأوروبي فقد جاءت على لسان وزيرة خارجيّة الاتّحاد الأوروبيّ، فيديريكا موغيريني، وهذا نصها: "احترام القانون ودولة القانون والدّيموقراطيّة تشكّل أفضل وسيلة لمواجهة الصّعوبات التي تعيشها تركيا، مع الحرب على حدودها ومأساة الإرهاب وضرورة تعزيز الانسجام الاجتماعيّ والحوار السّياسيّ".


حتى الإسكندنافية شاركت في كورس العزف ودعا وزير خارجيّة النّمسا، سيباستيان كورز، أنقرة، إلى الابتعاد عن 'سوء استخدام' الانقلاب الفاشل وإلى 'عدم منح التّعسّف تفويضًا على بياض'.
ومن الجانب الآخر للمحيط نفخ وزير الخارجيّة الكنديّ ستيفان ديون في شبابة الوعظ والإرشاد، داعياً أنقرة إلى تسوية مسائل 'ما بعد الانقلاب' وفق "المبادئ الأساسيّة للديموقراطيّة".


أما بريطانيا فالتزمت الصمت بحجة انشغالها بأزمة خروجها من الإتحاد الأوروبي، واكتفت بإطلاق العنان لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي لتشويه ما يدور وقلب الحقائق والتحريض على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً ورئيسها في تركيا.

لكن الموعظة الأكثر وقاحة كانت من وزير الخارجيّة الفرنسيّ، جان مارك آيرولت، الذي قال: " إنّ الانقلاب الفاشل في تركيا، لا يعني 'شيكًا على بياض' للرئيس إردوغان للقيام بعمليّات 'تطهير".


الغرب يعتبر نفسه وصل إلى حالة النضج، التي تؤهله لكيل النصائح لمن يعتبرهم "مراهقين وأغرار" من بقية دول العالم مثل تركيا وإيران وحتى روسيا. لكن يتناسى الغرب وعن سبق الإصرار دوره النشط في إثارة الحروب والفوضى والتسبب في موجات الهجرة وانتشار بؤر التوتر والإرهاب حول العالم.

 يرفع الغرب سيف مجلس الأمن والأمم المتحدة عندما يناسبه ذلك، فإذا كانت الأمم المتحدة عائقاً ضرب بها وبقراراتها عرض الحائط كما حدث في حرب احتلال العراق وفي إنشاء إسرائيل والدعم اليومي لإرهابها وعدوانها وإحتلالها.
الغرب لم يتخلص رغم تقدمه العلمي والتكنولوجي من عقدة العداء للآخر، الشمال لم يتخلص من عقدة تفوقه على الجنوب، أغنى دول العالم هي التي تتسبب في موجات الهجرة بسبب الحروب التي تشعلها، لكنها لا تستقبل إلا 3% فقط من هؤلاء المشردين، ثم تضج بالشكوى من أعداد المهاجرين وتحمل مسئولية إيوائهم!


لو كنت في مكان الرئيس التركي، لقلبت الطاولة في وجه هذا الغرب المنافق، معلناً التحالف العلني مع روسيا، متخذاً من اللقاء المرتقب مع بوتين الشهر القادم فرصة لبداية تحقيق ذلك.