رغم سُرعة الإنقلاب التركي الأخير ، و رغم الشُكوك المُثارة حوله ، و كيفية التغطيه الإعلامية خطوة بخطوة ، و كيفية تعبِأة الشارع التركي و سرعة تجاوبه ، و كم الأعلام التركية سابقة التجهيز وكأنها كانت تنتظرهم ليحمل كل واحد من متظهري الليل علم بيده ، و سبحان الله تواجد المصورون بجانب الحالات الفذَّة و الغريبة لإلتقاط الصور المؤثرة كالشاب المُمَدّد على الأسفلت أمام دبابة ليمنع "الإنقلاب" ، و كيف يقوم النيون بالقبض على الجنود المسلحين و يوثقون أيديهم برباط بلاستيكي لا تستخدمه إلا الشرطة السرية ووحدات الأمن الخاصة،وكيف خرج اللاجئون العرب هناك وعلى رأسهم فلول الإخوان ويتامى الحركات و التيارات و التنظيمات و الجمعيات " الإسلامية " الفارة من بلادها ، في وسط " إنقلاب بوكيمون " الغريب العجيب .. ترى أناساً في غزة يحتفلون بإنتصار الديمقراطية على الإنقلاب !! و شر البلية ما يضحك .. و إذا سألتهم ، أجابوك بكل وقاحة و صلف ، أنهم يُشَبِّهُون ما حدث في تركيا بما قاموا هم به ، فهم هبوا و قتلوا الناس في غزة ، و إعتقلوهم ، حماية للديمقراطية من ( الإنقلابيين) ، يعني من السلطة الشرعية الفلسطينية بإعتراف 138 دولة حول العالم ماعدا إسرائيل ، و هُم ، و مايكرونيزيا .. لا أدري هل أضحك ، أم أبكي ، أم أشق الثوب على ما آلت إليه الأحوال ..و الضحالة و الرخص التي وصل إليها هؤلاء .. فأصبح لكل حَلَّافٍ مَّهِينٍ ،هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ، مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ، عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ ، و هيئة بل ووقاحة ، و بعين قوية تماما كعين المرأة " سيئة السمعة " عندما تتكلم عن العفة و الشرف ..
وهنا أتذكر ذلك المثل المشهور ( ما إحنا دافنينه سوا ..)
ولمن لايعرف أصل هذا المثل .. فقصته هي أن صديقين كان لديهما حمار يعتمدان عليه في كل شئ ، في توصيل و حمل و نقل البضائع من قرية إلى أخرى، وكان الحمار قوياً ، و جميلاً ، و لطيفاً إلى درجة أنهما أحباه و نقلاه للعيش معهما في البيت، يأكلان معه، وينام بجوارهما، وأعطياه اسما للتحبب هو "أبو الصبر" وفي أحد ألايام وأثناء سفرهما في الصحراء خارت قوى الحمار المسكين ، من شدة الحر و ثقل الحمل ، فسقط ونفق.
حزن الصديقان على الحمار ودفناه بشكل لائق وجلسا يبكيان بكاءا شديداً ، و يندبان حظهما ، فكيف سينقلان البضاعة و من أين سيعتاشان بعده ، وهما على هذا الحال مرت بهما قافلة عليها أمير ظاهر الثراء و الشأن فلاحظ هذا المشهد وحزن فسألهما عن " المرحوم " فأجاباه بأنه "المرحوم أبو الصبر " وكان الخير والبركة، ويقضي الحوائج، ويرفع الأثقال، ويوصل البعيد، ويؤنس الوحيد ، فإرتعش أمير القافلة ، و فهم أن " المرحوم" صاحب مقام ، أو مبروك أو شيخ جليل أو عبد صالح ، فنزل أمير القافلة ، و أمر كل من معه أن يترحموا على الفقيد ، و أن يجود كل منهم بما يستطيع لبناء " مقام " و ما يكفي لإعاشة خادمي المقام ، ومرت الأيام ، و بعد أن حدَّث كل من كان في القافلة أهله و أصدقائه ، إنتشر الخبر ووسعت الدائرة ، وزادت الحكايات التي تصف الفقيد ، وورعه و بركاته و معجزاته، وزادت التبرعات، والناس تزور المقام ، وتقرأ الفاتحة على العبد الصالح الشيخ الجليل أبو الصبر، وصار المقام مزاراً يقصده الناس من كل حدب و صوب ، وصار لمزار أبو الصبر كرامات ومعجزات يتحدث عنها الجميع، فهو العبد الراشد ،شيخ الإصلاح و التغيير ، يفك السحر ويزوج العانس ويغني الفقير ويشفي المريض ويحل كل المشاكل التي لاحل لها و ربما يحرر القدس و البلاد من البحر إلى النهر ، فيأتي الزوار ويقدمون النذور والتبرعات طمعاً في أن يفك الولي الصالح عقدتهم، و يحرر أرضهم وجمع الصديقان مالاً وفيراً وصارا أصحاب منبر ، و أئمة ، و يرشدان و يفتيان و يجمعان الأموال التي يتبرع بها الناس السذج ويتقاسمانها بينهما. وفي يوم اختلف الصديقان على تقسيم المال، فغضب أحدهما ، و يبدو أنه صَدَّق كذبته ، وارتجف وقال :
- والله سأطلب من الشيخ أبو الصبر "مشيراً إلى المقام " أن ينتقم منك ويريك غضبه ويسترجع حقي . فضحك صاحبه وقال :
- أي شيخ و أي صالح يا عكروت ؟ أنسيت الحمار ؟ ما احنا دافنينه سوا !!".


