ليلة عصيبة مرت على الجمهورية التركية عندما عاد المشهد مره جديدة الى ما كان يجري في سنوات سابقة بنزول الجيش الى الشارع وسيطرة الدبابات على المراكز المدنية تمهيدا لانقضاض العسكر على السلطات السياسية وعزل قيادة سياسية منتخبة في انتخابات نزيهة وحرة وادخال دولة كبيرة مثل تركيا في دائرة الأحكام العرفية او قوانين الطوارئ وتغييب العمل السياسي لصالح حكم عسكري وايا كان حجم الخلاف او الاختلاف مع سياسات الرئيس التركى اردوغان فان الطريقة الوحيدة لتداول السلطة وعزل القيادة السياسية هي اما الثورة الشعبية العارمة او صناديق الاقتراع وليس صناديق الذخيرة
ان ما جرى خلال الساعات الماضية شهد عملية معقدة من الاحداث المتلاحقة والمواقف المتناقضة ولكن الجميع لا يختلف على مجموعة من الاستنتاجات وربما أهمها كالتالي :
الانقلاب العسكري وسيطرة العسكر على الحكم هو تصرف مرفوض ولا يمكن قبوله شعبيا او الإقرار به دوليا وانه بكل تاكيد ليس الطريقة الصحيحة لمعالجة الخلافات السياسية او الفكرية او الاجتماعية
الشعوب هي دائما صاحبة القدرة العالية على حماية منجزاتها وبلدانها ومهما بلغت قوة الانقلابيين بالتاكيد ستنهزم امام إرادة الشعوب وان الجيوش لا تنتصر على إرادة الشعب مهما بلغت من قوة خاصة اذا كان الشعب يعبر عن قناعاته دون اجبار ويمارس حقه في الانتخابات بشكل دوري وحر
ان المجتمع الديموقراطي هو مجتمع تفاعلي ولا يقبل ان يهيمن شخص او مؤسسة على كامل البلاد وبالتالي السلطات السياسية وحتى وان كانت منتخبه فيجب عليها ان توازن بين مؤسسات البلاد السياسية والعسكرية والاجتماعية بما يضمن عدم الهيمنة والتفرد والاقصاء للحفاظ على السلم الاجتماعي وحماية البلاد من اي اهتزازات قد تؤدي الى كوارث كبيرة احيانا لا يمكن معالجتها
ان البلدان ذات الفعالية الأكبر دائما تحتاج الى عقلانية اكبر في رسم السياسات وتنفيذها وان اي اخطاء او خطايا سواء كانت داخلية او خارجية ستؤدي بكل تاكيد الى اختلال في التركيبة الداخلية للنظام ولهذا لا يمكن لبلاد مثل تركيا ان تبقى تراهن على كسب الأطراف المتناقضة بسياسات متناقصة احيانا دون اجراء مراجعات حقيقية للسياسات الخارجية والعلاقات مع القضايا خاصة المشكلات الإقليمية
ربما كان لمحاولة الانقلاب الفاشلة تأييدا شعبيا خارجيا رغم عدم وجود حاضنة شعبية تركية للانقلابيين وهذا يعبر عن ان فكرة ان التدخل فى شئون الغير سيدفع الغير للتدخل فو شئونك وان كسب الأعداء اسهل بكثير من كسب اصدقاء وبالتالي على الدولة التركية مراجعة علاقاتها مع الخارج وفك الاشتباك السياسي مع دول المنطقة لاعادة تفعيل علاقات اكثر جدوى مع المنطقة وخاصة الدول العربية لاعادة تموضع للجميع يضمن توائم المواقع ونجاعة الفعل المشترك
فشل الانقلاب بفضل الشعب التركي وايمانه بحقه فى اختيار قيادته عبر صناديق الاقتراع وان الذي يحدد من يجلس في القصر الجمهوري او تحت قبة البرلمان هم اغلبية الشعب التركي بعملية ديموقراطية حقيقية وحرة ودورية ودون تدخل العسكر او الخارج في قرار الشعب
حما الله تركيا من كل سوء وكل الفخر بالشعب التركى العظيم
د. وجيه أبو ظريفة
استاذ العلوم السياسية
الكاتب والمحلل السياسي


