طلبت القناة الإسرائيلية العاشرة من «دانييل ليفي» شاب إسرائيلي وآخر فلسطيني «شادي خليلية»، كتابة بوست على «فيسبوك» يقول: إنه يرغب في القيام بعملية تستهدف الطرف الآخر.
أرادت القناة الإسرائيلية المقارنة بين استجابات الفلسطينيين والإسرائيليين لعمل «إرهابي» ضد بعضهم البعض، فجاءت ردود الفعل صادمة، فقد حصل الفلسطيني على 7 «لايكات» وعدد من التحذيرات حول خطورة مثل هكذا عمل، بما في ذلك التحذير من احتمال اختراق أمني للموقع الفلسطيني. وحصل الشاب الإسرائيلي على 1200 «لايك»، فضلاً عن إبداء إسرائيليين آخرين استعدادهم للمشاركة في العملية ضد الفلسطينيين.
كما نرى كانت الكفة راجحة لمصلحة استجابة الإسرائيليين بنسبة عالية جداً لممارسة العنف ضد الفلسطينيين.
المفارقة الأخرى التي قدمها اختبار القناة العاشرة هو رد أجهزة الأمن الإسرائيلية، ففي زمن قياسي من حيث السرعة كانت قوى الأمن الإسرائيلية تقتحم منزل الفلسطيني من أجل اعتقاله ولم ينقذه من الاعتقال إلا تدخل إدارة القناة العاشرة التي كشفت مسؤوليتها عن الاختبار. مقابل ذلك، لم تتوجه قوى الأمن الإسرائيلية إلى بيت الشاب الإسرائيلي ولا إلى بيوت الذين أبدوا استعدادهم للعمل معه.
اعتقد إسرائيليون أن ضعف الاستجابة الفلسطينية لتأييد عمل عنيف ضد الإسرائيليين، لا يعبر عن حقيقة المواقف الفلسطينية، التي أكدت استطلاعات رأي سابقة عن وجود نسبة كبيرة تؤيد استخدام العنف ضد الإسرائيليين. وسبب الاستنكاف وضعف الفعالية والحذر يعود لخشيتهم من ردة الفعل الإسرائيلية التي سَتُدَفِّعَهم ثمن تأييدهم للعنف. ومن المنطقي وجود مثل هذه المخاوف عند الفلسطينيين، لكنها لا تختصر الموقف الفلسطيني. فقد كانت نسبة الفلسطينيين المؤيدين لاستخدام الوسائل السلمية 62% في استطلاع تموز 2013 - مركز أرواد، وانخفضت النسبة إلى 53% في استطلاع 2016، وارتفع التأييد للكفاح المسلح كأفضل الوسائل من 31% إلى 39% في الاستطلاع الأخير. الاستطلاعات تؤكد وجود أكثرية فلسطينية تحبذ أشكال النضال السلمي. وهذا يعزز الاعتقاد بأن الخوف من ردة الفعل الإسرائيلية لا يلخص المزاج الفلسطيني الذي لم يتفاعل مع اختبار العنف.
النسبة العالية من الإسرائيليين المؤيدة للعنف ضد الفلسطينيين في «اختبار» القناة العاشرة، تبدو ظاهرياً متناقضة مع «القيم والأخلاقيات الإنسانية المتنورة والديمقراطية» التي تقدمها إسرائيل للعالم باعتبارها عنواناً لثقافتها. لكن واقع الحال يختلف كثيراً عندما نتوقف عند مناهج التعليم والخطاب السياسي والثقافي والإعلامي الذي يُربي المجتمع الإسرائيلي بروح التعصب الديني والإثني وروح العداء والتمييز ضد الأغيار، خاصة الشعب الفلسطيني.
ثمة علاقة بين التحريض واعتناق الأفكار والممارسة العملية. فعندما يشيطن كتاب «قصّة الحاخام حاييم يسرائيلي» الفلسطيني أو العربي بالقول: «إن العرب سيمحون كلّ بلدة وكلّ نقطة يهوديّة على الخارطة! وقد أعدوا خطّة واضحة للانقضاض على كلّ بلدة واحتلالها. وسيحرقون بيوتنا. وسيلقون بنا جميعاً إلى البحر. وحثّ الكتاب الإسرائيليين على «عدم السماح للعرب بالتجوال في البلدات والمدن اليهودية»، وقال: «إن هذه البلاد لنا. علينا ألا نتنازل عن حقّنا بهذه البلاد المقدّسة للعرب الأغيار». شيطنة الفلسطيني تقود إلى كراهيته وتأييد كل عمل قمعي ضده وكل إجراء يجرده من حقوقه.
تقول البروفيسورة الإسرائيلية ناريت بيليد الحنان، في قراءاتها للمناهج الإسرائيلية: «دائماً يتم تصوير الفلسطيني على أنه فلاح متخلف ويرتدي ملابس من العصور القديمة ويركب على جمل، وهذا ليس فقط تقديماً لصورة نمطية، بل هي طريقة ممنهجة من أجل تجميد صورة الفلسطينيين في سياق تاريخي واجتماعي قديم لم يعد موجوداً. أما في النصوص، فلا تجد أبداً فلسطينياً يعمل كطبيب أو مهندس أو فنان أو صحافي أو مدرس، حيث يتم تصويرهم كلهم على أنهم متخلفون يقدمون في صورة كاريكاتورية. ويتم غالباً تصويرهم على أنهم إرهابيون يعيشون على أطراف دولة إسرائيل، كما يتم الاعتماد في الكتب المدرسية على معلومات وتعبيرات توراتية قديمة لتعريف الفلسطينيين ويتم في هذه الدروس تقديم الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش على أنها شيء طبيعي، ولا يتم إظهار مدى الأذى الذي تسببه للفلسطينيين الذين يحاولون المرور لقضاء شؤونهم أو للحصول على عمل.
وفي الوقت الذي يجري فيه تغليب المواد التي تحرض على كراهية الفلسطيني والعربي في مناهج التعليم الإسرائيلية، تلك المناهج التي تربي جيشاً من الناكرين لأبسط الحقوق الفلسطينية، فإن وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية أقصت رواية «»جدار حي» للروائية الإسرائيلية دوريت رابينيان التي صدرت قبل عام ونصف العام، بذريعة أن الرواية تشجع الاختلاط بين الفلسطينيين، وتغير الصورة النمطية للفلسطيني عندما قدمت قصة حب بين فلسطيني وإسرائيلية في برنامج الأدب للمدارس الثانوية.
ترافق مع عرض القناة العاشرة اختبارها للإرهاب، تقديم شبكة تلفزة ألمانية (ZDF) فيلماً وثائقياً بعنوان «ثقافة الكراهية»، يتحدث عن التحريض الذي يدفع بالأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الكراهية والقتل.
الفيلم أجرى مقارنة بين ثقافة التحريض والقتل التي يتلقاها الأطفال الفلسطينيون! وما يماثلها من ثقافة تحريض وقتل يتلقاها الأطفال والتلاميذ الإسرائيليون. وعلى الرغم من مبالغة الفيلم بثقافة التحريض الفلسطينية، وتخفيفه لثقافة التحريض الإسرائيلية فقد اتهمت وسائل الإعلام الإسرائيلية شبكة التلفزة الألمانية بالمتبنية لخط معاد لإسرائيل. ما دفع الأخيرة إلى إزالة المادة والاعتذار. هكذا درجت الدوائر الإسرائيلية على اتهام كل من ينتقد سياسة الاحتلال الإسرائيلية يعتبر معادياً لإسرائيل واليهود. كل من يعارض نهب الأرض والمياه والاستيطان. كل من ينقد القمع والحرب وجرائمها وثقافة التمييز والحصار والتعدي على الحريات الخاصة والعامة وعلى القانون الدولي وكل الاتفاقات المنبثقة عنه. كل هؤلاء يوضعون في خانة الكارهين لإسرائيل ولليهود حتى لو كانوا إسرائيليين ويهوداً. شبكة التلفزة الألمانية أرادت أن تغطي نقدها للإسرائيليين بتضخيم نقدها للفلسطينيين كما فعل بيان الرباعية الدولية الذي ساوى بين الإسرائيليين والفلسطينيين في إعاقة العملية السياسية، وعلى الرغم من ذلك أسقط بيد شبكة التلفزة الألمانية وتراجعت بسرعة فائقة عن نقدها لإسرائيل.
تراجع نقدها للتحريض الإسرائيلي وبقي نقدها للتحريض الفلسطيني، فما أسهل نقد ومعاقبة الضعفاء والضحايا وتحميلهم مسؤولية الاحتلال والاستيطان والحرب والحصار في عالم يسيطر عليه نظام دولي متوحش. أسوأ ما في المعايير المزدوجة أنها تضعف من نقد الذات والاعتراف بالأخطاء. وما أكثر الأخطاء التي ترغب دولة الاحتلال في استمرارها ومفاقمتها وبقائها سارية المفعول عندنا. وعلى الرغم من ذلك ينبغي نقد خطابنا الإعلامي والسياسي والديني الذي لا يميز بين الديانة اليهودية واليهود من جهة وبين الكولونيالية والعنصرية الإسرائيلية في الجهة الأخرى.


