خبر : تدميــر الكعبــة !! بقلم : محمد يوسف الوحيدي

السبت 09 يوليو 2016 07:24 م / بتوقيت القدس +2GMT
تدميــر الكعبــة !! بقلم : محمد يوسف الوحيدي



 .
التاريخ بالنسبة للأمم ، هو الأصول و التجارب ، هو الماضي المؤسس عليه الحاضر .. هو محصلة خبرات تستخلص منها العبر للبناء على النجاحات و معالجة الإخفاقات .. إلا أن البطل في كل الحكايات عبر التاريخ ، هو الإنسان ، و الإنسان ثابت لا يتغير ، تتغير الأشياء حوله ، و تتطور الظروف ، و الأدوات ، و لكن يظل الإنسان هو الإنسان ، بذات تفاصيل مكوناته المتوارثة ،النفسية و الغريزية ، فشهوة القتل و السيطرة و التملك، هي ذاتها لم تتبدل رغم تبدل أدواتها و أساليبها .. و رسائل الله تعالى جاءت مقررة لهذه الصفات، و لكنها أرادت أن تكبح جماحها ، و تمنهجها و تضع لها مساقات و مسارب .. فالقتل شهوة ، قد يكون جريمة و قد يكون بطولة وواجب .. و السيطرة و الإمتلاك شهوة مرفوضة فيها إغماط للحقوق ، و تعدٍ على حريات الآخرين .. و لكنها مطلوبة في مواطن التهذيب و التأديب و التربية و نشر الخير ، و درء المفاسد .. قد يقتل الإنسان بحجر ، أو برمح أو سيف أو طائرة إف 16 ، قد يركب الفيل أو الحصان أو الصاروخ ليصل إلى مآربه .. ولكن الإنسان في جميع الحالات واحد و ما يميز اساليب أداءه ، هو قربها أو بعدها من رسالة الله له ، و مشيئة الله في إستخلافه في الأرض .. هذه الرسالة الإلهية ، قد يقرأها الإنسان ، و يعقلها ، بدرجات ، و أوجه ، و يفسرها بطرق عديدة ، و هذه هي معضلة الإنسانية منذ نشاتها و حتى يومنا هذا و إلى ما شاء الله
البعض يقرا ، و يعي و يفهم رسالة الله ، و يُقولِبها و يلويها و يُشكِّلها لتتلاءم مع أهوائه و رغباته ، و ليبرر بها إرتكاب الجرائم و التعدي على الحقوق .. و قليل جداً إلى درجة النُّدرة ، من يقرأها و يفهمها على أنها هي بذاتها القالب ، و أنه هو من يجب أن يتلائم معها و يضبط سلوكه بمقتضاها و على مقاساتها .. و هذا ما يُسمى الإسلام .
أعتقد اننا إن إتخدنا هذه القاعدة منطلقاً لنا فيما هو آت من أسطر ، ننطلق منها لفهم واقعنا المرتكز على ماضينا ، ربما سنستطيع أن نضع يدنا على بعض مكامن الوجع و التردي و المهانة و التفكك و الكراهية و الإنقسامات ، التي نعيشها اليوم، و الحق ، أن القضية في رأيي تبدأ من كيفية القراءة .. و بالتالي كيفية التطبيق .. فإرادة الله في الأصل كانت و إلى الأزل لبني آدم ، هي أن يكون آدمياً بالدرجة الأولى ، و حتى يكون آدمياً يجب أن يقرأ و يفهم قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَات وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } . هذه هو العنوان ، القاعدة ، أن يفهم الإنسان أنه" بني آدم" يحمل مَكرُمة إلهية، و مفضل على غيره ، بني آدم مجرد من أي صفات عرقية أو إقليمية أو عقائدية ، بني آدم في المطلق ، أطن أن هذه هي أول الحقائق التي فهمها الذين قرأوا رسالة الله ، التي حملها محمد عليه الصلاة و السلام ، و بنوا عليها منهج حياة ، شَكَّل طَفرة حضارية ، ربما هي الأسرع و الأنجح في تاريخ الأرض . فهموا أن ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ليس ، فقط ، أنه قائم على أرجل ، يمشي معتدلا منتصب القامة .. بل فهموا " تقويم " على أنها الحساب و التركيب ، الفهم و العقل و السلوك .. فهموها ، و طبقوها ، فنجحوا .. فهم ألأوائل السابقون السابقون قرأوا و فهموا دون فذلكات الرواة ، فهموها مباشرة أن : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) ، أنها تعني التواصل ، شرقاً و غربا ، على قاعدة التعارف الإنساني ، و التثاقُف ، و المعرفة ، و تبادل الخبرة و المصلحة ، و الخير و البر و السلام مع الإنسانية ، لأنهم أحسوا أنهم جميعاً من بني آدم و حواء .. آدميين ..
هذا هو الفرق ، بين من قرأ ، و عرف ، و سمع فأطاع .. و بين من قرأ ، و سمع ، فعصى ، و لوى ، و فسر و غير ، وسَخّر الرسالة لخدمته ، وخدمة أهدافه السياسية و الشخصية و القبلية أو العرقية . هذا هو الفرق بين فهم المفكر العالم جلال الدين الرومي رضوان الله عليه ، مولانا ، في قراءة القرآن الكريم ،الذي عنت لها و بخعت جباه المفكرين و هامات و قامات حول العالم ، من مختلف الديانات و أصحاب و أتباع الفلسفات و المناهج الفكرية و الفلسفية..وبين قراءة الحجاج بن يوسف الثقفي ، التي إمتازت بضيق الأفق الإنساني ووقوع صاحبها ( وأتباعه وما أكثرهم حتى يومنا هذا ) فريسة سهلة للأنانيه البالغة التامة المستحكمة ، لرجل همه الأول ليس خدمة بني أمية و لا مشروعهم ( و لا الدولة أو الحزب أو الحركة أو الجماعة أو الطائفة أو المذهب أو التيار السياسي أوالديني ) و إنما همه خدمة ذاته وقد إستند في ظلمه ، و ياللعجب ، على قراءته ، و فهمه للقرآن ، يبرر أفاعيله بأعداء الدولة أو الحزب أو الجماعة الذين إعتبرهم أعداءً و خصوماً له شخصياً .. و ما اشبه اليوم بالأمس.. فجلال الدين الرومي على سبيل المثال لا الحصر ، ما زال ، فكراً و أسلوباً و فهماً ، رغم قلة أشباهه ، يحاولون فهم الرسالة الآدمية ، و يحاولون تحقيق الغاية من الوجود و الإستخلاف ، بعمارة الأرض ، و الإنفتاح على الأمم ..و نشر السلام و الخير .. و الحجاج بن يوسف الثقفي (على سبيل المثال لا الحصر ) ما زال موجوداً ، سلوكاً غرائزياً مقيتاً ، أنانياً ممجوجاً .. و ما أكثر الثقفيين في عصرنا .. آخرهم ذلك الذي قتل نفسه بالقرب من مرقد حضرة رسول الله في اليوم الأخير من رمضان 2016 و هو بذلك لم يأت بجديد ، فالتاريخ متكرر و الإنسان واحد .. أُحرقت الكعبة ، و هدمت و دمرت عدة مرات ، وللمستنكر سؤال ، من أين أتى أبرهة بأفياله ؟ و أخرى بعد أن تمكّن " عبد الله بن الزبير بن العوام " من السيطرة على بلاد الحجاز ، ورفض بيعة " يزيد بن معاوية " جهّز الأخير جيشًا من أهل الشام بقيادة " مسلم بن عقبة " وقصد بلاد الحجاز ، فدخل جيش الشّام سنة 63ه ، إلى المدينة المنوّرة وفعلوا فيها ما لا يخطر على ذهن آدمي ، فاستباح " مسلم بن عقبة " المدينة لجيشه ثلاثة أيام ،فقتلوا وذبحوا ونكّلوا بكثير من الأصحاب وأبناء الأصحاب والتابعين ، و اغتصبوا النساء وهتكوا الأعراض ، وسرقوا الأموال و الأرزاق ، وسمّيت هذه الحادثة " بوقعة الحرّة " ، ثمّ بعد ذلك وفي سنة 64 للهجرة ، توجّه جيش الشام إلى مكّة المكرمة وقبل أن يصلوا إليها مات مسلم بن عقبة ، فخلفه " الحصين بن النمير " فحاصر مكّة المكرمة بأهلها لمدّة طويلة ، ثمّ ضرب المسجد الحرام و الكعبة بالمِنْجَنيق ورماها بالنّيران ، فاحرقها وأزال أعمدتها الخشبية ، وتصدعت ومالت جدرانها ، فهدمها عبد الله بن الزبير ثم أعاد بناءها ، وبعد أن فشل جيش الأمويين "العرب " "المسلمين "..في السيطرة على مكّة المكرمة ، عاد هذا الجيش للشام عندما علم بموت " يزيد بن معاوية " ، فهل توقف "العرب المسلمون" القارئون لرسالة الله بما يتنساب مع أهوائهم ؟ أبداً ، بل أعادوا الكرَّه ، و كأن بينهم و بين رموز الرسالة الإلهية ثأر، و معركة ، فكان أن كرروا الهجوم بعد عشر سنوات و تحديداً سنة 74 للهجرة ، على يد " الحجاج بن يوسف الثقفي " بأمرٍ من الخلفية الأموي " عبد الملك بن مروان " في فترة الحج ، وحاصر مكة لأكثر من ستّة أشهر ، ثمّ نصب المنجنيق على الجبال ، وضرب الكعبة وما حولها بالصخور الضخمة و النيران، حتى احترقت وهُدِّمت .و قتل " عبد الله بن الزبير " وكل من بقي معه ، وارتكبت أشنع المجازر والجرائم في أهل مكّة .
هل هذا فِعل مُستَنكر ؟ هل هذا عمل مُستَغرب ؟ ألم يكن على مر التاريخ ، و إلى يومنا هذا ،كثير من العرب أشد أعداء الإسلام ؟ ألم تكن قريش عربية عدنانية ؟ الم يكن مسيلمة الكذاب عربياً ؟ ألم تكن سجاح يمنية عربية ؟ ألم يكن الخوارج عرباً ؟ ألم يكن المرتدون عن الزكاة في عهد الصديق عرباً مسلمين؟ فيهم الشعراء و الفلاسفة و شيوخ القبائل، و في عصرنا هذا ، من الذي يشوه صورة الرسالة المحمدية الصافية ؟ من الذي يَرجم و يقطع الرؤوس و يستعبد النساء و ينشر الأحاديث الموروثة المنسوبة للنبي و يدافع عنها ، يبث في الناس الخرافات و قصص المهدي و الددال و عذاب القبر و غيرها على أنها من أساسيات الإيمان و ثوابت الدين ؟؟ من يتخد من تشريعات الماضي ما يحكم و يحاكم به الحاضر ، ألا تفعل داعش و أخواتها و المعممين و أصحاب اللحى الممدودة و الشوراب المحفوفة اليوم ما يشبه هذا و لكن بأدوات جديدة ؟ ألا تهدم و تفجر مساجد ، و آثار ، و تسبى نساء العرب و المسلمين و الذميين و تغتصب و تباع و تشترى ؟ ألا يستخدم الإخوان نفس الحيل ، و الخبث الملون بلون الدين و التقوى ، ليركبوا أمواج التسلط و الحكم ؟ هل كانت تلك وقائع تاريخية وإنتهت ؟! أم أن اشباه الحَجّاج بن يوسف ، و قُرَّاء الرسالة بالهوى ما زالوا بيننا بإسم الدين ؟ ألم يكن العرب أول من سرق و كسر و فتت الحجر الأسود ، حتى لم يتبقَ منه إلا بعض الفتات إلى يومنا هذا .. كان قطر الحجر الأسود حوالي 30 سم اما الآن فلم يتبقَ منه سوى ثمان حصوات صغيرة جدا في حجم التمرات ملصقة بمعجون ،ويحيط بها إطار من الفضة!! من فعل هذا ؟ ولماذا ؟ ذكر ابن كثير في أحداث سنة 317 هـ، أن أبو طاهر القرمطي - ملك القرامطه في البحرين- أمر أن يقلع الحجر الأسود، فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده وقال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود وأخذه فمكث عند القرامطة ثنتين وعشرين سنة حتى ردوه، بعد مفاوضات عربية – عربية و معارك كثيرة طارت فيها آلاف من الرؤوس.
ألم يقطع العرب رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما رضوان الله ، و يقتلوا الحسن رضي الله عنه بالسم ، ألم ينبش قبر الحسين إبن السيدة فاطمة بنت محمد رسول الله عليه و على آله الصلاة والسلام !! كم مرة نبش قبره ؟ من قبل بعض المتععصبين القارئين للرسالة بروح الأنانية ، و المقولبين لكلمات الله بحسب قوالبهم و رغباتهم و أطماعهم و غرائزهم ، كالمتوكل الذي سوي قبر الحسين بالأرض .
كل ما سلف ،غيض من فيض و قليل من عظيم ، يستدعي من كل واحد فينا أن يقف مع ذاته ، و يستفتي قلبه ، و يبحث عن محمد ، و دين محمد الصحيح ، يبحث عن العروبة الأصيلة ، يبحث عن آدميته التي كرمها الله ، ليقوم بدوره الذي ارداه الله بعمارة الأرض ، بعيداَ عن منهج مسيلمة الكذاب ، أو الحجاج بن يوسف .. و إقتراباً من المنهج السليم و الرسالة الصحيحة ، بعيداً عن الإسلام السياسي ، و أحزابه و جماعاته و تلفيقاتهم و تلبيسهم .. مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب دينا ..