خبر : فــك الـحـصـــار ضـــاع «فـــرق عـمـلـــــة» ...صادق الشافعي

السبت 02 يوليو 2016 09:22 ص / بتوقيت القدس +2GMT




منذ تأزمت العلاقات بين تركيا وإسرائيل بسبب حادث الباخرة الدموي، ظلت تركيا تضع، الى جانب مطالب أخرى، رفع الحصار التام عن قطاع غزة شرطا أساسيا لتطبيع العلاقة مع إسرائيل وعودة العلاقات معها الى وضعها الأصلي. لكن هذا الشرط سقط بالضربة القاضية في الاتفاق الذي تم التوصل إليه نهائيا يوم الاثنين الماضي.
لم يكن ذلك مفاجئا بل ظلت تؤكد سقوطه كل المعلومات التي كانت تتسرب عن مفاوضات الاتفاق في الأشهر الأخيرة وبالذات في الأسابيع الأخيرة.
اللافت ان تركيا، كما كشف القيادي في حركة حماس أحمد يوسف، وضعت قيادة الحركة في صورة آخر التطورات المتعلقة بمفاوضات المصالحة التركية الإسرائيلية.
وأشار الى وجود خط اتصال مستمر بين «حماس» والمسؤولين الأتراك للتشاور حول ما تم التوصل إليه بين تركيا وإسرائيل خاصة فيما يتعلق برفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة. وان تركيا ظلت تضع حركة حماس في صورة المفاوضات حول الاتفاق بتفاصيلها.
الأهم ان تركيا تعمدت، وبشكل بدا واضحا في قصديته، وجود الأخ خالد مشعل على رأس وفد من «حماس» في أنقرة في أيام وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق وإقراره النهائي. فيما بدا انه استدعاء مقصود اكثر منه دعوة سياسية، يهدف «الإيحاء» ان «حماس» مطلعة على الاتفاق ولا تعارضه، بل هي على الأغلب، تباركه.
البيان الذي أصدرته «حماس» متأخرا اكدّ على مواقفها المبدئية المعروفة (إنهاء الاحتلال، الحقوق الوطنية،...) واعلن عن «التطلع الى مواصلة تركيا دورها في دعم القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال». ولكن افتتاحية البيان كانت «شكرها (حماس) وتقديرها لموقف الرئيس أردوغان والجهود الرسمية والشعبية المبذولة لمساعدة أهلنا في غزة...» والبيان بهذا الشكل يعطي مصداقية لفكرة «الإيحاء» المشار إليها.
لجهة الدولة التركية، قام الاتفاق على ركيزتين:
الركيزة الأولى، الاحتكام الى منطق الدولة ذات السيادة، والالتزام بالمصالح الوطنية، المباشرة وغير المباشرة، كما تراها وتؤمن بها الحكومة القائمة، حتى ولو كان ذلك على جثة قيم ومواقف ظلت تعلن تبنيها.
أولى المصالح المباشرة هي المصالح الاقتصادية، وخاصة ما يتعلق بصناعة الغاز المكتشف بكميات تجارية في الحقول البحرية التي تسيطر عليها دولة الاحتلال. والحديث يجري عن بيع هذا الغاز الى تركيا وعن اتفاق مبدئي على بناء خط خاص ينقل الغاز من إسرائيل الى تركيا، ومن ثمّ الى الأسواق الأوروبية.
ثم تأتي بعد ذلك المصالح التجارية، والسياحية وغيرها. دون ان ننسى العلاقات الأمنية، بالذات في مجال قيام إسرائيل بصيانة وتحديث الأسلحة التركية المتنوعة.
وأما المصالح غير المباشرة فتشمل طيفا واسعا أيضا: منها الرؤية والموقف المشترك بينها وبين إسرائيل تجاه الأحداث في سورية وتطوراتها. ومنها أيضا الاستفادة من علاقات إسرائيل المميزة مع دول الغرب وتجييرها لصالح المسعى التركي الدائم بالانضمام الى الاتحاد الأوروبي، وفي معالجة قضية اللاجئين في تركيا. ولا يمكن إغفال الرغبة التركية في مزاحمة الدور المصري في علاقته الخاصة والمميزة مع قطاع غزة والحلول محله بالاستفادة من العلاقات في الفكر والتنظيم والأهداف العامة مع القوة المسيطرة على حكم الأمر الواقع بالقطاع.
الركيزة الثانية، هي التغيرات التي بدأ يحدثها النظام التركي في الكثير من مواقفه وعلاقاته في اكثر من اتجاه. التغيرات فرضها انتباه النظام الى حجم المشاكل التي يواجهها وكان مسؤولا عن خلقها، من المشاكل الداخلية، الى درجة تأثر أوضاعه الداخلية وامنه بأحداث سورية، الى حجم خلافاته مع دول وأطراف دولية عديدة بحجم الاتحاد الأوروبي وروسيا. وهو الذي كان يتفاخر حتى سنوات قليلة مضت بحالة «صفر مشاكل» التي كان ينعم بها.
ولم يكن صدفة ان يأتي اتفاق «التطبيع» مع دولة الاحتلال في نقس الوقت الذي يذعن فيه رأس النظام ويقدم بنفسه اعتذارا الى روسيا ظل يماطل بتقديمه زمنا طويلا.
لم يكن نصيب قطاع غزة، من وراء الاتفاق الا وعودا بمساعدات إنسانية تبقى مشكورة ومقدرة للشعب التركي في كل حال، لكن يبقى تحقيقها رهن الموافقة الإسرائيلية وحساباتها وتقنينها، وتبقى المساعدات العينية محصورة عبر ميناء أسدود وتحت السيطرة والتفتيش الإسرائيليين. وهذه المساعدات لم تخرج عن الخط العام للمساعدات الإنسانية التي تقدمها جهات رسمية وهيئات إنسانية دولية، مع الوعد ان تكون بمستويات عالية.
الثمن الذي دفع من رصيد القضية الوطنية الفلسطينية مقابل الاتفاق جاء باهظا وعلى اكثر من مستوى واكثر من مجال وسيفرض آثاره وتبعاته الضارة، وسيفتح الباب واسعا لتطورات وتحولات لاحقة بنفس الطبيعة ونفس الاتجاه.
من بين مفردات الثمن العديدة تبرز اثنتان الى المقدمة: الأولى، إكمال تركيا تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال، وعودتها الى موقعها التاريخي كحليف معها بكل ما في ذلك من معان وحقائق جديدة وتطورات مستقبلية شديدة الضرر. والثاني، إعطاء الانقسام الفلسطيني عمقا سحيقا جديدا. فقد تم التعامل في كل مجريات وتفاصيل الاتفاق مع حركة حماس بوصفها كيانا سلطويا سياسيا فلسطينيا ومقررا وحيدا في قطاع غزة، وفي تجاهل تام، من تركيا ومن «حماس»، للسلطة الوطنية الفلسطينية بوصفها الشرعية الفلسطينية الجامعة.
إسرائيل كسبت بالمقابل الكثير: تطبيع علاقاتها بالكامل مع تركيا بما له من مردودات اقتصادية (الغاز بالذات)، وسياسية كانت باكورتها سحب تركيا رفضها لفتح مكتب إسرائيلي في مقر «الناتو»، ومردودات أمنية وأولها حرص تركيا على امن إسرائيل بالتزامها منع إي نشاط «إرهابي لحركة حماس ضدها من الأراضي التركية» والقبول باستمرار الطوق الأمني الإسرائيلي محكما حول قطاع غزة واستمرار الهدوء على حدودها.