خبر : شــكـــراً تـركـيــــا اردوغـــــــان ... حسين حجازي

السبت 02 يوليو 2016 09:21 ص / بتوقيت القدس +2GMT




موقف واحد جمعي ومعلن أرى انه واجب الصدور عن الكل الفلسطيني وليس فقط عن حماس والرئيس أبو مازن، وذلك تعقيبا على الاتفاق التركي الإسرائيلي وهو الترحيب به وتقديم الشكر لتركيا ورئيسها المحترم والموقر رجب طيب اردوغان، الذي وضعنا ولا سيما معاناة الغزيين وحصارهم في صلب حساباته، وكان بامكانه الا يفعل في التفاوض من اجل التوصل أخيرا الى ابرام هذا الاتفاق. وقد لا يكون الرجل حقق في اتفاقه هذا كل ما كان يسعى له ونتمناه نحن برفع الحصار الناجز والكلي عن غزة. ولكن كما يقول الامام الشافعي لكل مجتهد نصيب، واما نحن فان اللبافة والرفعة الأخلاقية والاستقامة السياسية وعدم نكران الجميل والجحود، يقتضي ان نشكر لتركيا هذا الاجتهاد لان ديننا يعلمنا ان من لا يشكر الناس كما لو انه لا يشكر الله وفي كتابه العزيز «لان شكرتم لازيدنكم».
لكن للأسف بعض الناس بيننا وقد وجد هؤلاء الناس في كل الازمان والعصور ديدنهم دائما ودينهم ان يروا الى الجزء الناقص من الكأس، وينزعون دوما الى المزايدة وهم انفسهم الذين يصدعون رؤوسنا ليل نهار بافكارهم النمطية القديمة والتي تجاوزها الواقع والزمن عن خرافة إسرائيل، كلية القدرة والجبروت. وهي مواقف تصدر طوال الوقت عن نظرة متشائمة ومحبطة وتصل هذه المواقف إزاء الاتفاق التركي مع إسرائيل، على انه نوع من خذلان تركيا للغزيين وحماس، او إدارة الظهر لنا. ولكن القصد او الرسالة من وراء كل ذلك هو المزايدة على حماس او النكاية بها في افتراء واضح على الحقيقة، بتصوير تركيا كما لو انها فقط في هذا الوضع الاتفاقي القابل للتشكيك وحتى الإدانة بالخذلان وعدم الاستقامة، حليفة او وكيل حماس وليست صديقة او حليفة تتسم بالشجاعة للفلسطينيين ككل، رغم استثنائية العطف والتركيز على الحالة الغزية.
ولكن هاكم مثالا ونموذجا حيا عن التوظيف او الاستثمار السياسي الحصيف والذكي في الخصومة الحقيقية لا مع تركيا في تداعيات هذا الاتفاق، وانما مع الجناح اليمين الإسرائيلي، كما يمكن التعلم من السيدة الفلسطينية ولكن العضو في الكنيست الإسرائيلي حنين الزعبي، التي رات في الاتفاق ما يدين إسرائيل في كل هذه القصة بلسانها وتوقيعها نفسه على هذا الاتفاق، باعتبارها النذل الأكبر او الرجل الشرير، اذا كانت إسرائيل اقرت التعويض المالي لضحايا سفينة مرمرة وكانت حنين الزعبي نفسها على ظهر هذه السفينة عندما تم الاعتداء عليها، فان هؤلاء ليسوا إرهابيين كما صورتهم الدعاية الإسرائيلية لان إسرائيل ببساطة كما واصلت الزعبي مرافعتها امام الكنيست، لا يمكنها ان تعوض إرهابيين. هذا التعويض الذي اعتبره البعض سخيا، مليونا دولار لكل شهيد تركي. وقد دفعت العام 1968 لكل قتيل من البحارة الأميركيين الذين قتلتهم على ظهر سفينة «ليبرتي» 25 الف دولار فقط.
ولم توفر الزعبي وزملاؤها في القاعة المشتركة هذه المناسبة لتوضيح النقاط على الحروف في القضية الغزية، فان ما يحدث هو ليس انفصال إسرائيل عن غزة ولكن فصل غزة عن الحياة. وانه في هذا الاعتراف بالقتل ليس على القاتل ان يعتذر وانما على هذا القاتل المجرم ان يقدم الى المحاكمة، وان هذا ينسحب على اّلاف الفلسطينيين الغزيين الذين قتلتهم إسرائيل في حروبها الثلاثة على غزة.
والواقع انه في نهاية المطاف ليس لنا على تركيا ضريبة لازمة الوجوب ان تقدم مصالحنا على أولويات مصالحها السياسية المباشرة، وفي هذا الصدد فقد بات معروفا ان حسابات واعتبارات شديدة التعقيد هي التي املت على الرئيس التركي التوصل الى هذا الاتفاق مع إسرائيل، كما املت على السياسة التركية احداث هذه المراجعة او المقاربة الجديدة في إعادة ترميم علاقتهما مع روسيا، وربما في وقت لاحق بايجاد نوع من المصالحة مع النظام الحاكم في مصر. ولكن في تقاطع مصالحنا وحساباتنا هنا نحن الفلسطينيين مع هذه الحسابات او النقلة السياسية التي تقوم بها تركيا، ما الذي نخسره او نربحه اذا كان ما يقوي او ينفع او يحسن شروط دور حليفنا الإقليمي، اذا كان حليفنا التركي وهو يحاول تعزيز موقفه ودوره يأخذ بعين الاعتبار معاناتنا، وانه من البديهي وفي هذه الحالة ان ما يعزز من وضع حليفنا ويقويه يعزز من موقفنا ويقويه والعكس صحيح.
ودعونا من هذه النظرة الساذجة او السطحية لهذا الاتفاق، اذ في نهاية المطاف أيضا وطالما لم ينتهي الصراع مع إسرائيل ونحن الطرف الأضعف في موازين القوى ، فان من مصلحتنا ان يكون لنا هذا الوسيط الذي يتسم بالنزاهة والتعاطف والصداقة والتحالف معنا للعب هذا الدور كضابط الارتباط بيننا وبين إسرائيل، وخصوصا في غزة لكبح جماح تهور إسرائيل مرة أخرى بمبادرة الحرب على غزة. ان وجود تركيا بثقلها في غزة وجودها المادي والمباشر هي مسالة في غاية الأهمية من زاوية المصلحة الفلسطينية والغزية، وكنوع من الحماية المعنوية وبما يعادل قوة فصل للاشتباك. والذي لم يتعافى الغزيون بعد من اثاره المدمرة.
ونحن نسال هنا ما الذي نخسره اذا كان ما لا يدرك كله أي فك الحصار كله لا يترك جله. أي فليكن في هذه المرحلة تخفيف الحصار او تفكيك القبضة الإسرائيلية على معاناة الناس.
وما الذي نخسره مع بناء مستشفى كبير يستوعب مئتي سرير بمعدات وأجهزة طبية حديثة وبكادر طبي تركي متقدم، ورعاية تركية بكلفة 80 مليون دولار اذا ادركنا ان المستشفى المركزي الكبير والوحيد في غزة وهو مستشفى الشفاء، يعود بناؤه الذي اصبح متهالكا الى أواخر عقد الخمسينات، ولا زال قسما الباطني والولادة الذين بناهما والدي بالمناسبة ويحملان بعض من ذكريات طفولتي، يذكران بتقادمهما بهذا الوضع الذي يدعو الى الرثاء.
وحيث من المتوقع بعد بناء هذا المشفى والصرح الطبي العتيد بخبرات دولة متقدمة في الطب كتركيا، ان يوفر على ميزانية السلطة مئات ملايين الدولارات من جراء الحاجة الى ما يسمى العلاج في الخارج، وحيث اثارت في هذه الأيام زميلة صحافية نقاشا وجدلا في أوساط الغزيين بعد تحقيق استقصائي اذاعته في احد القنوات الفضائية، عن وجود نوع الفساد في التعامل مع حاجة بعض المرضى في الحصول على هذا التحويل للعلاج في الخارج. مضافا الى صعوبة التنقل عبر المعابر.
وهل نقول ان مشروعا لتحلية المياه كان مطروحا منذ بداية انشاء السلطة ولم يجد طريقه لان يرى النور، يمكن ان يتحقق الاّن؟ وان انشاء محطة توليد كهرباء جديدة ومتطورة بشراكة تركية والمانية الى جانب مشاريع اسكان وإعادة ترميم البنية التحتية المهترئة، انما يصب في تخفيف هذه المعاناة والضائقة. وبالتالي فان الواجب هو تقديم الشكر لمن يقدم لك يد المساعدة وانت احوج ما يكون الى هذه المساعدة، ومن هو احقر بني البشر او الدولة الحقيرة انهم بالظبط من ينظرون اليك في معاناتك وشقائك ثم يديرون لك ظهرهم ويتركوك. ولا داعي للمقارنة بين هذه الطبائع النبيلة حتى في سياسات الدول وبين الطبائع السوقية او الحقيرة.
قد يكون صحيحا يا وزير الخارجية المصري سامح شكري ان فك الحصار عن غزة مرهون بعودة السلطة اليها، وما كان لنا ان نبقي هذه الثغرة التي جرى الإشارة اليها في تقرير اللجنة الرباعية. ولكن حتى ياذن الله فأن الواجب يقتضي الفصل بين الانقسام الفلسطيني وبين معاناة الغزيين.