ينظر السُذج الى الاتفاق بين تركيا أردوغان وإسرائيل نتنياهو من زاوية المصلحة الفلسطينية والموقف من حركة حماس، متناسين أهم قواعد السياسة والعلاقات الدولية القائمة على المصلحة وتوازنات اللحظة السياسية التي يعمل المتفاوضون على استغلالها أو تلافي نقاط ضعفها.
الاتفاق التركي الإسرائيلي وليد مخاض سياسي وتقلبات إقليمية متسارعة، وتوازنات دولية ناشئة ومصالح بين بلدين لها ماضي مهم وتنظر للمستقبل بحسابات ذكية، فأردوغان ليس عضو في مكتب حماس السياسي ولا في منظمة التحرير، بل هو عضو في الحلف الأطلسي ورئيس دولة سياستها الخارجية انتقلت من صفر مشاكل إلى أزمات متعددة.
دعونا بعيدا عن الكلام الحالم والشعاراتية الفارغة ننظر للاتفاق كمصلحة تركية خالصة ومكسب إسرائيلي إضافي أنجزته ظروف ومصالح ومفاوضات عميقة، وليس مطلوب من تركيا الدفاع عن غزة التي يخنقها الغباء والجهل السياسي الفلسطيني والأنانية الحزبية المطلقة.
تركيا ذهبت للاتفاق مع إسرائيل لاستبدال خسائر بأرباح محتملة أبرزها القطيعة مع الغاز الروسي، وتوجه بوتين لدعم الأكراد وتحريك ورقتهم، والاستفادة من غاز البحر الأبيض المتوسط بين فلسطين المحتلة وتركيا وقبرص الموالية لها، قبالة الشواطئ الفلسطينية والسورية، وإقامة تحالف المتضررين من عودة نظام الأسد، وتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري مع إسرائيل، وتعزيز موقف انقرة في الحلف الأطلسي، والضغط على أوروبا.
المكاسب التركية:
1- استعادة تحالف رابح مع دولة قوية في الشرق الأوسط.
2- إقامة علاقة عسكرية واستراتيجية قادرة على حصار نظام الأسد
3- الحصول على الغاز الإسرائيلي بدلا من الغاز الروسي
4- مواجهة العلاقات المتنامية بين مصر واليونان وقبرص
5- شراكة متضررين من المواقف الاوربية الضاغطة على تركيا جراء أزمة النازحين السوريين.
6- تعزيز شراكة إقليمية قوية في مواجهة التمدد الإيراني في سوريا والعراق.
7- الاستفادة من الخبرات الإسرائيلية الأمنية في مواجهة تنامي هجمات الاكراد.
8- اتفاق ينسجم مع المساعي السعودية- الخليجية للاستفادة من العداء الإسرائيلي لإيران.
9- زيادة التأثير في الملف الفلسطيني عبر نفوذ متنامي في غزة والعمل على إيذاء الوصاية المصرية.
10- تطوير التبادل التجاري مع إسرائيل.
11- الاستفادة من سوق قطاع غزة الجائع خاصة الاسمنت ومواد البناء والسلع الاستهلاكية.
12- الاستفادة من الخبرات التقنية العسكرية-الأمنية لدى الجيش الإسرائيلي لمواجهة نشاط الاكراد أو داعش مستقبلا.
13- إنهاء خلاف معطل للمصالح بعد 6 سنوات من حادث مرمرة.
الأرباح الإسرائيلية
أما الحكومة الإسرائيلية فذهبت للاتفاق مع تركيا وهي أقوى في الموقف التفاوضي وعملت على زيادة أرباح إسرائيل ودفع مخاوف وتعزيز دور إقليمي مؤثر.
1- تخلصت إسرائيل من ضغط تركي يمكن أن يجر قادة جيشها في المحاكم التركية والدولية.
2- شرعنة استيلاء إسرائيل على غاز البحر المتوسط خاصة قبالة غزة وسوريا.
3- تعويض السوق المصرية التي تقترب من استخراج غازها الوفير وفتح سوق جديد من خلال تصدير الغاز الى تركيا.
4- إيجاد تحالف إقليمي ضاغط على النظام السوري الذي بدأ يستعيد حضوره.
5- تعزيز الحاجة لإسرائيل في الإقليم خاصة في اطار محور مواجهة القوة الإيرانية المتوسعة في سوريا والعراق.
6- تعزيز فصل قطاع غزة عن الكيانية الفلسطينية وإيجاد متنفس اخر غير البوابة المصرية المغلقة بشروط سياسية.
7- التخفيف من أسطوانة حصار 2 مليون فلسطيني في قطاع غزة، والحد من الأصوات الأممية والدولية المطالبة بإنهاء الحصار.
8- ترسيخ مفهوم السلام الاقتصادي بدلا من السلام السياسي القائم على إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967.
9- التحالف مع عاصمة إسلامية هامة سيكون لصالح الرؤية الإسرائيلية في التعامل مع مدينة القدس المحتلة.
10- الاستفادة من علاقة تركيا بحركة حماس لكبح جماحها واقصاء أدواتها العسكرية لجهة ترويضها سياسيا بما يخدم رؤية إسرائيل نحو غزة مستقرة ومقيدة.
11- نسج علاقة ثنائية مع دولة إسلامية كبيرة دون الحاجة للقبول بالمبادرة العربية التي تعد بالتطبيع مقابل السلام والدولة الفلسطينية.
12- تعزيز تعاون استخباري مهم في منطقة ملتهبة والمعلومات التركية الوفيرة حول الوضع في سوريا والعراق.
13- امتلاك ورقة تفاوضية رابحة في اطار العلاقات الإسرائيلية– الروسية.
مهم جدا تزامن توقيع الاتفاق الإسرائيلي التركي مع قرارات إسرائيلية حادة في المسجد الأقصى، ومحاصرة التواجد الفلسطيني هناك، كما يجب التأكيد على أن المصالح التركية – الإسرائيلية قد تتعرض لتغيرات وتشنجات لاحقة لكن ذلك لا يؤثر على متانة العلاقات والمصالح بين البلدين.


