خبر : في التحليل السياسي ... د. عبدالله السعافين

الأربعاء 06 أبريل 2016 01:39 ص / بتوقيت القدس +2GMT
في التحليل السياسي ... د. عبدالله السعافين




مرت سيدة على موقع بناء فوجدت فيه ثلاثة ينهمكون في عملهم بتفان، فسألت الأول: ماذا تفعل؟! أجابها: كما ترين سيدتي، أضع حجراُ فوق حجر، وأجمع بينهما بالإسمنت. ثم سألت الثاني: ماذا تفعل: أجابها: كما ترين سيدتي أقوم بتشييد جدار مرتفع سيكون سوراً عالياً عندما يكتمل. ثم سألت الثالث: ماذا تفعل؟! فأجابها: أقوم ببناء كاتدرائية!
العمال الثلاثة كانت إجاباتهم صحيحة، لكن كل واحد منهم أجابها انطلاقاً من حدود نظرته للأمور. القاعدة: المحلل السياسي هو من ينظر للصورة الكبيرة، ولا يهمل الصور الأصغر التي تؤدي إليها، ويقيم في ذهن المتلقي تلك العلاقة بين الصور الصغيرة المتناثرة والصورة الأكبر التي ستنتج عن جمعها وترتيبها في سياق معين.
في إحدى الدورات التدريبية عن إعداد وبناء البرنامج التلفزيوني عرضت على الشاشة ثلاث مربعات مختلفة الحجم، وطلبت من المتدربين أن يتعرفوا على الشكل الهندسي لما يظهر أمامهم، فكانت إجابتهم بالطبع أن ما يرونه أشكالاً تجمع بينها كلمة واحدة هي: مربع. لكنهم فهموا أيضاً أن اللفظة ذاتها قد تدل على أحجام متفاوتة ولا يكفي لتعريفها القول: إن ما أراه هو مربع. لا بد من القول إذن: إن ما أراه أمامي مربع طول ضلعه كذا، أومساحته كذا. القاعدة: المحلل السياسي لا يستخدم ألفاظاً تحتمل أكثر من معنى أو كثيراً من التأويل أو المعاني الغامضة.
سئل أحد الرؤساء الأمريكيين كم تحتاج من الوقت للتحضير لخطابك؟ فقال: يعتمد ذلك على طول الخطاب، فلو كان 10 دقائق أحتاج إلى يومين، ولو كان نصف ساعة أحتاج إلى يوم، ولو كان ساعتين، فأنا مستعد أن أبدأ الآن.
التحليل السياسي يبسط الحقائق المجردة، ويبتعد عن الإنشاء والعاطفة، ولا يتكلم عن الإنطباعات والمشاعر، فإذا تخفف المحلل من كل ذلك، سيكون تحليله قصيراً في الجمل والعبارات، أنيقاً كمسألة رياضية يكمن في حواشيها الجواب.
في عالم السينما تولى أهمية كبرى لشخصية البطل. وتمنح الجوائز لمن نفذوا أدوارهم ببراعة ومن تركوا أثراً في قلب وعقل المشاهد. ويشمل ذلك البطل وفني الإضاءة والمخرج وفني الصوت ومصممي الأزياء، ومصممي الديكور، وفنيو الميك أب. لكن نادراً ما يتحدث أحد عن الكومبارس، أو أصحاب الأدوار الهامشية أو الإكسترا كما يطلق عليهم بالإنجليزية. لكن الحقيقة هي أن دور الكومبارس خطير في رسم واكتمال المشهد. المحلل السياسي لا يفعل ما يفعله مانحو الأوسكار. هو لا يهمل ما قام به أصحاب الأدوار الهامشية، خصوصاً إذا كان المشهد النهائي لا يكتمل إلا بمثل هذه الأدوار وأصحابها.
تتحدث الفكاهة الشعبية عن المفتي الذي اصطحبه الملك في رحلة صيد، فأطلق الملك رصاصة في الهواء طارت العصافير على إثرها محلقة في الفضاء، فصاح المفتي: أحسنت يا مولاي، أصبتها في القلب، فسأله الملك مستغرباً: كيف تقول أني أصبتها وقد طارت في الفضاء؟ فقال المفتي: بقدرة الله يا مولاي...تطير وهي ميتة!
هذا المفتي موقفه معروف مسبقاً. هو اتخذ قراراً مسبقاً بأن الملك لا يمكن أن يخطيء، وحتى لو أخطأ الرمي فلا بد من البحث له عن تبرير. المحلل السياسي لا يفعل ذلك، لا يبرر ولكن يبسط الإحتمالات، لا ينظر للأمور بناء على اعتقاد سابق، ولا يلوي عنق الحقائق لتخدم أجندة أولياء الأمر والنعمة!