القدس المحتلة / سما / يستدل من متابعة الحلبة الإسرائيلية أن مسؤولين سابقين في جهاز الأمن العام (الشاباك) يقبلون بشكل لافت على السياسة والإعلام والتعليم. ويشغل خريجو المخابرات مهام جديدة كممثلين لأحزاب في الكنيست والحكومة، أو بحضورهم المتزايد في وسائل الإعلام كمحللين أمنيين، بحيث أصبحوا يحلون محل كبار ضباط الجيش الذين أنهوا مهامهم العسكرية وأصبحوا في قوات الاحتياط.
وبحسب تقرير للمركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية «مدار» تزدهر في إسرائيل في الفترة الأخيرة نظريات مؤامرة مختلفة. وفي كل القضايا المطروحة على الأجندة العامة تقريبا، تتعالى أصوات تمثل رواية معينة للأحداث وتكون مختلفة تماما عن الرواية الرسمية. ففي أعقاب العملية التي وقعت (مطلع الشهر الحالي) في تل أبيب ظهرت علامات استفهام حول سلوك القاتل نشأت ملحم قبل العملية وبعدها.
وقبل ذلك بأيام وصلت إلى ذروتها همسات بوجود مؤامرة في قتل فتاة إسرائيلية تدعى تائير رادا، وبموجبها أن قوى خفية جرّمت المدان بقتلها رومان زادوروف.
وإلى جانب ذلك، تنتشر نظريات مؤامرة في أوساط اليمين بأن «عرس الكراهية والدم» (الذي ظهر فيه نشطاء في اليمين يطعنون صورة الطفل علي الدوابشة) نظمه الشاباك من أجل تبرير استخدام التعذيب ضد المشتبهين بالقتل في دوما. وتتعالى ادعاءات في أوساط المستوطنين بأن الشاباك يوجه حاخامات ضد شبيبة التلال من المستوطنين».
وتشير صحيفة «هآرتس» في ملحقها الأسبوعي لانتشار ادعاءات في أوساط اليسار بأن الحريق في مكاتب «منظمة «بتسيلم» لم يكن سببه تماس كهربائي، وأنه كانت لمنظمة «عاد كان»(حتى هنا) علاقات وثيقة مع قوات الأمن».
وأشارت إلى أن «الكثير من نظريات المؤامرة هذه تستند إلى تكهنات ولذلك لا تستعرضها القنوات الإعلامية الرسمية، التي تميل إلى قبول الرواية الرسمية في جميع الأحوال بصورة أوتوماتيكية. إلا أن هذه النظريات منتشرة بالأساس في منتديات التواصل الاجتماعي كمجموعات واتس- أب وفيسبوك. ورغم ذلك، يبدو أن قطاعات واسعة من الإسرائيليين تتمسك بروايات الواقع البديل هذه، والثقة بالروايات الرسمية للأحداث التي تظهر في نشرات الأخبار آخذة بالتراجع».
وتساءلت الصحيفة حول تفسير الشعور السائد بأن الأحداث الحاصلة في إسرائيل تديرها أجهزة المخابرات السرية. ورأت أنه «من الجائز أن سبب ذلك هو أن الشاباك يرسل أذرعه إلى داخل الحكم في إسرائيل. وتعيين نائب رئيس الشاباك روني الشيخ مفتشا عاما للشرطة هو نقطة الذروة في هذه العملية.
ومدير عام البنك المركزي الإسرائيلي ومدير عام سلطة الآثار هما أيضا مسؤولان سابقان في الشاباك. وفي الكنيست أيضا يوجد مسؤولون سابقون في الشاباك أكثر من أي وقت مضى. فعضو الكنيست أفي أوحانا، الذي دخل إلى الكنيست مؤخرا، انضم إلى أفي ديختر ويعقوب بيري (رئيسي الشاباك الأسبقين). والشاباك ليس حاضرا بقوة في أوساط الحكم فقط، وإنما في المعارضة أيضا، فالمعارض الأكثر عنادا لحكم نتنياهو هو رئيس الشاباك السابق يوفال ديسكين الذي يكثر من تحليلاته الأمنية والإستراتيجية في السنتين الأخيرتين.
ولم يكن الشاباك، أو باسمه السابق «شين بيت»، يذكر بتاتا في الحيز العام الإسرائيلي قبل عقود قليلة، بينما بات ظهوره الآن واسعا. ووفقا لتقرير «مدار» فإنه «لا يمكن تجاهل دخول هذا الجهاز إلى مركز الحلبة العامة الإسرائيلية. ويبدو أن هذه مرحلة جديدة في تطور الثقافة السياسية الإسرائيلية فهو حاضر في الحكم وسلك التعليم والإعلام.
كما أن المشهد البشري في ستوديوهات التلفزيون تغير، ومكان ضباط الجيش الإسرائيلي برتبة لواء، الذين كانت لديهم سيطرة كاملة على موقع المحلل الأمني طوال عقود، تحتله الآن تدريجيا وجوه جديدة، مثل المسؤولين السابقين في الشاباك ليئور أكرمان ويارون بلوم. ويتعين على المشاهد أن يعتاد أسلوبا جديدا: لا جنرالات يحملون أوسمة ويتفاخرون بمناصب قيادية في حروب الماضي بعد اليوم، وإنما يوجد أشخاص كانوا في الظلال ولا نعرف عن ماضيهم شيئا».
وتعتبر «هآرتس» أنه ليس مفاجئا في واقع كهذا أن الكثيرين في الجمهور يؤمنون بأن الشاباك هو الذي يحرك الخيوط. وتتنبه «هآرتس» للطابع العسكري لإسرائيل فتقول إنه في دولة الكثيرين من مسؤوليها هم عملاء سريون، إنما طبيعي وحسب الاقتناع بأن أنشطة الحكم تجري في الظلام».
وأشارت في هذا السياق إلى أقوال الفيلسوف الإسرائيلي اليساري الراحل يشعياهو ليبوفيتش، الذي تنبأ في العام 1968 بأن استمرار الاحتلال سيقود إلى دمار المجتمع الإسرائيلي. وقد قال ليبوفيتش حينذاك إن «العرب سيكونون الشعب العامل، واليهود سيكونون المدراء والمفتشين والموظفين وأفراد الشرطة، وبالأساس أفراد شرطة سرية. والدولة التي تسيطر على مجموعة سكانية معادية عددها 4ر1 – 2 مليون غرباء ستكون دولة مخابرات بالضرورة، مع كل ما يترتب على ذلك من تبعات على روح التعليم، وعلى حرية التعبير والتفكير، وعلى النظام الديمقراطي».
وترى الصحيفة اليسارية أن «توقعات ليبوفيتش قريبة من التحقق، إن لم تكن قد تحققت فعلا. ولكن كما حدث في حالات أخرى، يبدو أن المجتمع الإسرائيلي يعتاد بسرعة على الواقع الذي اعتبر في الماضي أنه يصعب استيعابه. وتقول إن الديمقراطية أصبحت منذ وقت طويل فكرة منسوبة لليسار المتطرف ودخول قيم الشاباك إلى جهاز التعليم يعتبر فكرة جيدة. وظهر تقرير مؤخرا عن المسؤول السابق في الشاباك، بيني شميلوفيتش، الذي أسس «منهاج دراسات إيران والاستخبارات» في إحدى المداس الثانوية في بيتاح تيكفا. وبالإمكان الافتراض أن مجال دراسات الشاباك سيحظى بنجاح لدى الجيل الصاعد، الذي يتحول رجال الشاباك تدريجيا إلى أبطاله. وتخلص الصحيفة للقول «يكاد يكون ليس مؤدبا أن نذكر أن هؤلاء الأشخاص تخصصوا طوال فترة عملهم بالابتزاز والاحتيال وربما بالتعذيب».
وتذهب «هآرتس» إلى أكثر من ذلك في تحذيرها من مغبة زحف رجال الشاباك على الحياة العامة فتقول إنه قبل تعود الإسرائيليين على الحضور الدائم للشرطة السرية في حياتهم، حري بهم التوقف والتذكر أن مجتمعا تحكمه الأجهزة السرية هو مجتمع مريض بصورة لا يمكن أن يعالج منها. وتمضي بالتحذير من خطورة التهديد الداخلي وسط إغفال لكل التهديدات الخارجية فتقول «كلما ازداد تدخل الشاباك في حياتنا، ستصبح السياسة الإسرائيلية أشبه ببيت من ورق، إن لم يكن أسوأ من ذلك».


