خبر : عن العام الذي مضى ... صادق الشافعي

السبت 09 يناير 2016 12:52 م / بتوقيت القدس +2GMT




غاب العام 2015 مودعاً بابتهاج الانتهاء من بؤس أيامه.
العام الجديد 2016 يهل وهو يحمل معه ذكرى مرور 60 عاماً على حرب السويس التي انتصرت فيها الإرادة الوطنية المصرية مدعومة بالإرادة القومية العربية على العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي. ويحمل معه ايضا التذكير بمرور مائة عام على "اتفاقات سايكس بيكو" تحول الوطن العربي خلالها الى إقطاعات مجزأة لدول الاستعمار القديم، والتذكير بفشل الدولة القطرية العربية وتلاشي أحلام الدولة القومية الجامعة.
دخل العام الجديد وهو يحمل استمراراً لخيبات وويلات ودمار العام الذي يخلف والدماء التي ترشح من كل أيامه.
يصعب استعراض الأحداث والمتغيرات التي حملها العام 2015 وطبعته بطابعها. وان ظل هذا الطابع بسمته الأساسية مأزوماً على أكثر من مستوى: من أزمة المناخ الى الأزمات الاقتصادية العامة المتلاحقة، إلى الأزمات السياسية الدولية القديمة المتواصلة منها والمستجدة، الى الإرهاب يفرش دماءه على مجتمعات كان الوهم أنها بعيدة عن سمومه. والى..والى..والى..
من بين الأحداث والمتغيرات الكثيرة التي طبعت العام الراحل بطابعها، يمكن انتقاء عدد من الأحداث الأكثر اتصالا بالأوضاع العربية، او المتعلقة مباشرة بها.
على المستوى الدولي يمكن انتقاء ثلاثة أحداث:
الأول، هو الصعود الكبير في الدور والتأثير الذي تلعبه روسيا على المستوى العالمي.
هذا الدور يحصل بانسجام مع التطور الذي تشهده أوضاع روسيا الداخلية ان على مستوى ثبات وقدرة هيئاتها القيادية وتماسكها، وان على مستوى تماسك مجتمعها وتنامي مشاعر الاعتزاز والكبرياء والندية الوطنية في أوساطه. ويحصل أيضا بتفاعل متبادل مع قدراتها الاقتصادية، بالذات لجهة ثروتها من النفط والغاز، والاستفادة الإضافية السياسية من هذه الثروة في فرض موقع متميز لها على خارطة العالم والعلاقات بين دوله.
ان هذا الصعود الكبير في الدور العالمي الروسي، يؤشر باتجاه انتهاء نظام القطب الواحد الذي ظل يسود العالم لعشرات السنين، ويمهد الطريق بثقة لعودة نظام ثنائي القطبية، وربما متعددها. يعزز ذلك ان روسيا تسير حثيثا باتجاه موازنة الثقل الإضافي الذي تمتلكه أميركا ممثلا أساسا بحلفائها بحلف الأطلسي، بتطوير تحالفها مع الصين ودول البريكس ودول أُخرى.
الثاني، هو الاتفاق بين إيران والدول الغربية الأساسية حول برنامج إيران النووي. الاتفاق يحرر إيران من العقوبات المفروضة عليها ويخرجها من تحت البند السابع ويمكنها من تصدير ثرواتها خصوصا النفط والغاز، ويعيد لها عشرات البلايين من أموالها المحتجزة ويفتح لها آفاقا واسعة للاستثمار الوطني والدولي المشترك.
وهو بالمحصلة يعزز وزنها كقوة إقليمية، ويقود بالضرورة الى زيادة دورها وتأثيرها في أحداث المنطقة، بغض النظر عن الترحيب به او التخوف منه.
الثالث، هو الصعود الصيني المنطلق منذ سنوات كالصاروخ، حتى اصبح النظام الاقتصادي العالمي الأول. التطور اللافت في السنة المنصرفة يتمثل في بدء الصين بالتمدد وفتح علاقاتها السياسية والاستثمارية خارج حدودها، بالذات باتجاه القارة الإفريقية، ويتمثل بلعب دورها كدولة من دول "الفيتو" المقررة في مجلس الأمن، كما حصل في استعمالها حق النقض على اكثر من قرار ضد دولة سورية.
على المستوى الإقليمي يمكن الاكتفاء بانتقاء حدث التبلور والتوضح التامّين في تبدل الدور التركي، وقد تجلى التبدل في عنوانين رئيسيين:
الأول، تبدل توجه تركيا وسياساتها في العلاقة مع الدول العربية، والمحيطة منها بالذات، وذلك باتجاه التدخل السافر في شؤونها الداخلية ومحاولة الهيمنة عليها، في حلم جاد لإحياء أمجاد الخلافة العثمانية واستعادتها بثوب جديد. والثاني، انكشاف هوية النظام التركي كنظام ديني مذهبي ومركز قيادي لحركة الإخوان المسلمين العالمية وفروعها. وكان ابرز تجليات التبدل بالدور التركي تدخله السافر والمباشر في سورية والأحداث التي تشهدها منحازا الى قوى المعارضة المسلحة، ومعاداته للنظام في مصر نصرة لحركة الإخوان فيها، وانحيازه لطرف بعينه في الساحة الفلسطينية على حساب الشرعية ووحدة التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني.
على المستوى العربي، يصعب انتقاء حدث بعينه لتميزه، فكل الأحداث تقريبا تدور في دائرة واحدة، سماتها المشتركة التفتت والانقسام والاقتتال والإرهاب، والتعدي على السيادة الوطنية وعلى تنوع النسيج المجتمعي، مشفوعة بغياب الدور والعمل الموحدين.
الانعكاس الأبرز لهذا الحال العربي يتمثل في تراجع القضية الفلسطينية ودعم النضال الوطني الفلسطيني بشكل كبير في سلم الأولويات العربية، الرسمية منها والشعبية.
أما على المستوى الفلسطيني، فان حدثين يفرضان نفسهما بقوة في مقدمة أحداث العام الراحل: الأول، هو الهبة الجماهيرية المباركة المستمرة والمتصاعدة منذ اكثر من ثلاثة اشهر ولا تزال، دونما قيادة رسمية ولا توجيه آمر لا من السلطة الوطنية ولا من التنظيمات. ورغم بدائية وبساطة أدواتها فان الهبة الشعبية تدخل الرعب إلى قلوب المحتلين وأجهزتهم المدججة بالسلاح مقترنا بالفاشية. ويتجلى هذا الرعب بأوضح صوره في الرد بالإعدام المباشر لأي شبهة، وحتى بدون وجودها. وتؤكد الهبة الشعبية مرة جديدة ان مقاومتنا ودمنا المسفوح على مذبحها هما ما يعيد فرض قضيتنا الوطنية على كل الأجندات.
والحدث الثاني، هو استمرار الانقسام المدمر وتفاقم مفاعيله على كل المستويات الوطنية منها والنضالية والمجتمعية، وعلى ازدياد مؤشرات الخوف على وحدة الكيانية السياسية والتمثيلية. والاهم تفاقم مفاعيل الانقسام الخانقة على حياة الناس ان على مستوى معايشهم واحتياجاتهم الأساسية أو على مستوى حرياتهم العامة، والخاصة أيضا.
رغم حصول متغيرات ثانوية وطفيفة في بعض العناوين، فليس هناك مؤشرات جدية يمكن البناء عليها لخلق الأمل في النفوس ان العام الجديد سيكون افضل، أو حتى اقل سوءا، من العام الراحل. فكل المؤشرات تشير إلى انه سيكون امتداداً له.