خبر : الف نيلة و نيلة !! .. بقلم : محمد الوحيدي

الأربعاء 06 يناير 2016 12:16 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الف نيلة و نيلة !! .. بقلم : محمد الوحيدي



النيلة ، هي لون ، شاحب ، بلون طمي النيل ، مطين بطين .. و تقال عندما تصل الأمور إلى حد ما بعد الإحتراق ، و تتعكر بما يشبة الطين والوحل أو الرماد .. و الباحث في شان غزة و أهلها ، يمل ، ليس لصعوبته ، بل لكثرة ما يُحصى من أشياء و صلت إلى حد النيلة .. و فاقت في العد الف نيلة و نيلة ..
ذكرتني حادثة إعتقال الزميل أيمن العالول و غيره من الصحفيين من قبل أجهزة أمن حماس ببعض العناوين ،هنا أريد أن أذكر نفسي و إياكم بها، راجياً أن أكون على خطأ ، و أن يكون في رؤيتي لها ظل تشاؤمي مفروض بفعل قناعات معينة ، أو معلومات منقوصة ، نقد و نقض ما أقول سيسعدني جداً لأنه ببساطة سيقلل كميات النيلة ..
فبعد أن وقع الرئيس كتاب التكليف ، و بدأت حماس في تشكيل الوزارة ، بناء على إنتخابات شفافة وديمقراطية، و عادلة و نزيهة ، فازت بها ، و كان حقها أن تشكل وزارة ، و تدير الأمر ، و هنا لن أرجع للوراء لأذكر بأنها ( حماس) كانت تعتبر المشاركة في السلطة خيانة ، و قبول لأوسلو المرفوضة ، و غيرها من الأحاجي و الحجج ، دعونا منها و لنبدأ من إستلام الحكم ، حكم فلسطين شبه المحررة ، بمعنى ، بسط سلطات كاملة على مناطق ، و سلطات مجتزأة على مناطق أخرى ، يعني حكومة للضفة الغربية و قطاع غزة و القدس ، فهي ، و بطبيعة الأمر ، قبلت أن تخوض الإنتخابات وفق محددات وضعتها ذات الأطراف التي وضعت أتفاق أوسلو ، و بالتالي ستتعامل تلقائيا مع كل ما ينتج عنها .. و قد حدث ، فكيف يحملون جوازت سفر مكتوب على صفحتها الأولى ( صدر بناء على إتفاق أوسلو ) ، و جوازات ديبلوماسية ، يتنقلون بها ،و يطيرون حتى إلى سويسرا وقبرص اليونان و غيرها .. بل علنا نتذكر أن الرئيس إصطحب رئيس الوزراء في بداية تكيل الحكومة في جولات خارجية ..
حتى في تركيبة المجلس التشريعي ، عدد الأعضاء ، السلطات التشريعية ، الكيف و النوع ، بل ، و المواد القانونية و الدستورية التي سترتكز عليها ( الشرعية) ، هي شرعية ما بعد أوسلو ، و شرعية ( الإتفاقات ) وقد تم خوض الإنتخابات على هذه الأسس .. و من يقول بغير ذلك ، عليه أن يعود إلى ما هو موثق بالصوت و الصورة ، سواء في كتاب التكليف ، أو فيما قاله الرئيس بعد التكليف و ما قالة الأستاذ إسماعيل هنية رئيس الوزراء حينها ، و الدكتور محمود الزهار حينها ، و كم المدح الذي كاله للرئيس محمود عباس .
جاءت الحكومة ، و بدأت في التحرك ، هذا التحرك الذي كان من المفترض أن يكون تحركاً لتطبيق البرنامج الذي إنتُخبت على أساسه ، و المعنون بكلمتين هامتين برَّاقتين هما : التغير و الإصلاح .. فماذا حدث؟؟ التغيير إلى ماذا ، و إصلاح ماذا و لمن ؟؟
عشر سنوات إلا قليلا .. كانت نتيجتها أن القضية الفلسطينية أصبحت في الأدراج و الملفات المنسية ، و في ذيل إهتمامات الأمة العربية ، و كلما حاول أي غيور أن يدفع في إتجاه إحيائها .. جاء الرد المخزي " توحدوا أنتم أولا " !!

تسع سنوات و يزيد .. لا كهرباء و لا ماء و لا شوارع ولا تعليم و لا صحة ، كبت للحريات ، خوف و رعب ، هجرات لعائلات بأكملها ، بل غرق و موت هرباً من الذل و الظلام ، لم تحلم إسرائيل بتهجير هذا الرقم من أبناء فلسطين من قبل ، خسارة للعلاقات مع الإخوة و الأصدقاء ، إلا من كان له أجندات و يستخدمنا للمقاولات السياسية ، لا أفق و لا أمل .. من كان عمره في أول التغير و الإصلاح ، خمسة عشر عاماً ، أصبح الآن خمسة و عشرون عاماً ، لا راى إصلاحاً ولا هو أحس بالتغيير ، ربا تغير هو فأصابه الربو أو أزمة نفسية ، أو أدمن التدخين أو المخدر ، أو تغيرت شخصيته إلى إنسان حاقد تائه يبحث عن مهجر يفر إليه بنفسه و ما تبقى من عقله و أحاسيسه ، بعد أن مل سماع نفس الخطاب و نفس الإدعاءات و نفس الخلط و التلبيس ، ضخ إعلامي مركز ، و تهليل و تأجيج للمشاعر ، ينتهي بملاطم و خسائر ، نسميها إنتصارات و نصحوا لنجد أنفسنا في العراء ..
قد يقول قائل إنها ضريبة المقاومة ، و أن لِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ ، كلام أكثر من رائع ، و لكن ، أين هي الحرية ، فعلى مدى عشر سنوات و بابها يدق بيد مضرجة ، و نازفة ، حتى كادت أن تقطع .. هل تم تحقيق أي شئ ؟؟ أي شئ ... شئ واحد ؟؟ يعطي أي شاب أو فتاة أي نوع من الأمل ، بصيص أمل و لو حتى كان أملاً خافتاً باهتاً ؟؟ هل تم إسترجاع سنتيمتر واحد جديد أبعد من الأسلاك الشائكة حول القطاع ؟؟ هل قصفنا تل أبيب و القدس ، نعم ، و حيا الله السواعد المقاومة ، و الغر الميامين ، و لكن قلي بالله ، كم حصدت ، من مباني و قتلى و جرحى ؟؟ هل الرعب إذن ؟؟ جميل ، توازن الرعب ، و هل لا يعيش أطفالنا و نساؤنا بل و نحن في رعب ؟؟ إن الرعب من العدو هين .. و لكن الرعب من إبداء الراي ، الرعب أن أجد لكلماتي هذه من ينشرها ، الرعب من أن أكتب على وسائل التواصل الإجتماعي ، الرعب أن أتحدث مع سائق التاكسي ، الرعب من أن أحتاج إلى علاج في مستشفى خاوي ، الرعب من الليل المتواصل في مدننا ، الرعب من أن يرق بابي فجرأ لأحاسب على " إنسانيتي " ، الرعب من شكل مستقبل أبنائي و بناتي ، الرعب من ضياع حقي السياسي و الوطني ، و القومي ، إليس كل هذا " رعب" ؟؟
نعم ، لنتفق جدلاً ان المافوضات عبثية ، و مرفوضة ، لنتفق- جدلاً - أن كل ما كان على مدى السنوات الماضية من تفاوض هو مضيعة للوقت يصل إلى درجة التهاون و التفريط .. ولكن ، أين البديل ؟؟ أين التغيير ؟؟ أين الإصلاح ؟؟
قد يقول قائل ، هو الحصار . نعم هو الحصار ، و سوف أقبل بكل ما يقوله و يدعيه أصحاب شماعة الحصار .. عن المسئولين عن الحصار .. سنقبل جدلاً أيضا ، ولكن هل يقبل أصحاب هذه النظرية ، الراي الآخر الذي يتساءل " وهل كان يتوقع من العدو أن لا يحاصر و لا يقتل و لا يدمر ؟ هل كنت تتوقع أن يفتح الأبواب ، و ربما يرسل قوافل الدعم و يسهل مرور الأفراد و الجماعات عبر الحدود و الموانئ و المطارات ؟؟ هل سيعترف بك حتى شقيقك ، الذي تبرأت للتو منه ؟ إن كنت تتوقع هذا و لم تضع في حساباتك أنك تضيع شعبك و تهلك حرثك و نسلك ، فهذه مصيبة المصائب ، و هذا يدل أن هناك نيلة ، بل ألف نيلة في طريقة تفكيرك و عاهة في نموك السياسي .
نيلة تلو نيلة ، و أصبحت قصتنا أغرب من قصص ألف ليلة و ليلة .. أي و الله .