في التقييم الإجمالي العام وجرياً على هذه السنة او العادة التقليدية في الصحافة، الوقوف امام رهبة هذه اللحظات التأملية في وداع عام تنطوي صفحته، وآخر يولد من جديد. فإنه بالمجمل لم يكن عامنا الذي مضى هو الأسوأ او حتى سيئا، وانما بخلاف الانطباعات المتأصلة وهو نوع من النزوع المرضي، فقد كان هذا العام مفصليا وان لم يكن عاما حاسما.
فيما يلي بعض العلامات التي يمكن تسجيلها على اللوحة العامة كحصيلة تؤشر الى هذا التقدير:
1- سوف يشار الى العام 2015 بوصفه العام الذي شهد ذروة انتقالنا في إطار الصراع او الفعل، من الانتظارية السلبية أو الراكدة الى امتلاك زمام المبادءة او المبادرة، وهذا يشمل أداء المستوى السياسي كما المستوى الجماهيري او الشعبي العام. وهو تحول يتساوق مع تغيرات راديكالية تشهدها او تمر بها البيئة الإقليمية والدولية على حد سواء. تعيد طرح مصير المنطقة برمتها على بساط البحث من جديد في صورة اقرب الى ما حدث غداة الحرب العالمية الأولى قبل مائة عام، ولكن مع فارق جوهري اليوم، اذ بينما رسمت وحددت الخرائط القديمة على قاعدة تجاهل الفلسطينيين وحل المسألة اليهودية على حساب ضياع فلسطين، فإن المسألة الفلسطينية هي التي تطل وتمسك بقرنيها على الجميع.
والذي حدث هو ان المبادءة الفلسطينية حققت في العام الذي مضى، إعادة تصحيح الأجندة الدولية على قاعدة ان كسب المعركة ضد الإرهاب يبدأ بانهاء المظلومية الفلسطينية، وليس تأجيل حل المسألة الفلسطينية الى ما بعد اجتثاث هذا الإرهاب.
2- سوف يسجل انه في العام 2015 هو العام الذي بلغت فيه حدة التصدع او التفكك في تحالفات إسرائيل الاستراتيجية ذروة غير مسبوقة، والمقصود هنا العلاقة مع أميركا وأوروبا على حد سواء. وهو تصدع كان يشبه الطقس السيئ طوال الوقت، بدءا من السجال حول الاتفاق الإيراني النووي، مرورا بالسجالات العلنية باتهام إسرائيل بانها لا تريد السلام مع الفلسطينيين، وتهديد أوباما برفع الغطاء الأميركي عن إسرائيل، وانتهاء في الأيام الأخيرة بتسريب الإدارة الأميركية نفسها للصحافة الأميركية، معلومات وتقارير استخبارية بالتنصت على مكالمات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وعلى المستوى الأوروبي عدم التراجع عن مقاطعة البضائع المصنعة في المستوطنات، والاعترافات المتواصلة من قبل برلماناتها بالدولة الفلسطينية، في تحد واضح لسياسات نتنياهو. والاستنتاج هنا ان دولة معزولة الى هذا الحد وتمارس سياسة داعشية انعزالية، لا يمكنها ان تواصل الاستمرار كدولة قادرة على تحدي العالم. وان مدافعها ودباباتها وطائراتها كما قال الرئيس أبو مازن في خطابه في ذكرى انطلاقة فتح والثورة الفلسطينية، لا يمكن ان تجلب لها السلام والقوة.
3- لقد أبان العام 2015 عن واحدة من لحظات الكشف النادرة عن هشاشة وضعف الوضع الجيوسياسي بالمجمل لإسرائيل، سواء على المستوى الإقليمي او الدولي في ظل مواصلتها لسياساتها القديمة، الأمر الذي دفعها أحيانا لتبدو كما لو انها تتخبط في سياساتها، كما لو انها تحاول تسويق نفسها من جديد، بحثا عن دور يمكن ان يرمم علاقتها مع اللاعبين الكبار.
ولكن من الجهة المقابلة فإنها بدلا من السير وفق النظرية القائلة عدوا واحدا في وقت واحد، فإنها الى جانب عدائها مع الفلسطينيين تتحرش بحزب الله كثمن لمناورتها، في استجلاب دور قديم، ما يعني إعادة فتح الحساب مع حسن نصر الله وروسيا على حد سواء، التي رفضت اعتبار حماس وحزب الله حركات إرهابية، ردا على استفزاز إسرائيل بقتل سمير القنطار. وفي الأخير ومع انضمام أبو بكر البغدادي الى إعلان فتح الحساب مع إسرائيل في تهديد غير مسبوق ولأول مرة بوضع إسرائيل على قائمة أهدافه. قالوا قبل نهاية العام ان إسرائيل تواجه خطر التطرف السني والشيعي داعش وحزب الله على حد سواء. طيب اذا كنتم تواجهون هذين العدوين المتطرفين معا من السنة والشيعة، او ليس السؤال المنطقي هنا ما هو التطرف الثالث والمسكوت عنه هنا ؟ والذي يوحد هذين المتطرفين معا ضد إسرائيل. والذي حدث العام 2015 ان العالم وضع يده على هذه الحقيقة، دور التطرف اليهودي اليميني والديني الذي يمثله الاحتلال.
4- لم نستطع وقف الاستيطان او إزالته، وشهد العام 2015 في بدايته ذروة اندفاع الاستيطان لممارسة الهجوم على الفلسطينيين، عبر الإرهاب بالحرق والاعتداء على بيوتهم. لكن الانتفاضة الفلسطينية التي كانت الحدث الأبرز في العام والتي مثلت انتقال الفلسطينيين الى المبادرة والهجوم، إنما هي التي منذ الآن سوف تقوض الإطار السيكولوجي لقدرة الاستيطان على البقاء. وهذا ربما هو التحول الأهم الذي تبلور في السياق العام لمشهد الصراع في العام 2015، والذي يشكل مفصلا يمكن البناء عليه في العام الجديد.
في الاستنتاج لا تبدو إسرائيل في العام 2015 في الوضع الذي كانت عليه، وبنفس القدر لا يبدو الفلسطينيون رغم الانقسام بينهم في نفس وضعهم القديم. وبينما يبدو هامش المناورة السياسية آخذاً في التقلص أمام بنيامين نتنياهو، فأن هامش هذه المناورة والعمل آخذ في الازدياد والتوسع أمام الرئيس الفلسطيني أبو مازن، وهو ما يعني ازدياد فرص الفلسطينيين في العام 2016 لتحقيق اختراق تاريخي في التوصل الى انهاء الاحتلال.
وقد تبدو المقارنة هنا اكثر اغراء في عدم مقاومتها في سياق هذا التحليل، في الدلالة التي يوحي بها تاريخان: العام 1919 والعام 2016، واتفاقية سايكس بيكو وتقسيم بلاد الشام سورية الكبرى، والتوافق اليوم الأميركي الروسي لاعادة تركيب وترميم التركة القديمة. ولكن في ظل من التوافق الجديد هذه المرة بين خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، وخليفة السلطان العثماني رجب طيب اردوغان، وحيث فلسطين هي القاسم المشترك في هذه التقاطعات حول تحديد مصير بلاد الشام من جديد.


