خبر : دكتور أحمد يوسف ..السياسة الخارجية التركية محل خلاف ..! أكرم عطاالله

الإثنين 28 ديسمبر 2015 04:19 م / بتوقيت القدس +2GMT
دكتور أحمد يوسف ..السياسة الخارجية التركية محل خلاف ..! أكرم عطاالله



في البداية يجب الاعتراف بالقيمة العالية لما يكتبه الدكتور أحمد يوسف وتسجيل الاحترام لدوره في إحداث هذا القدر الكبير من الحيوية في صحافة الرأي الفلسطينية فهو الوحيد بالكاد الذي يتابع كل شيء ويقرأ كل شيء ويرد محدثا حالة من الجدل والنقاش كما يحدث في الصحافة العالمية ولكنه جديد على الصحافة الفلسطينية.

 في مقاله الأخير دولة فوق الشبهات الذي كتبه دفاعا عن تركيا أمام الهجوم الذي تعرضت له بعد الأخبار عن جولة مفاوضات في سويسرا مع إسرائيل كتب مستغربا من هجوم على نموذج يعتبره أفضل النماذج التي تقدمها الحركة الإسلامية وظل أمينا بالدفاع عنه بل وظل يدعو إلى تبني هذا النموذج الإسلامي والذي أثبت نجاحه في قيادة الدول في القرن الحادي والعشرين وهي حقيقة لا يمكن النقاش فيها .

 لكن هناك فارقا بين الأداء التركي في عصر العدالة والتنمية على مستوى الداخل والذي استطاع أن يحقق قفزة هائلة في الاقتصاد التركي ليضعها في مصاف الدول الاقتصادية في المرتبة السابعة عشر عالميا حيث مكنها ذلك من بناء مرافق وبنى تحتية ومستشفيات وجامعات ورفع مستوى الدخل وتحقيق الاستقرار السياسي لدولة عانت طويلا من الانقلابات والاضطرابات والتوترات جميعنا معجبون بهذا الآداء ولكن الاختلاف على السياسة الخارجية التركية أمر آخر.

 أول خلاف على السياسة التركية هو تدخلها في سوريا وهو أمر غير مقبول للكثير من المثقفين والكتاب العرب وهو الدور الذي انتهى بتحطيم الدولة السورية بعد أن تحطمت الدولة العراقية والجيش العراقي ولم يكن أي منا يرغب بتكرار النموذج العراقي في سوريا لماذا سارعت تركيا بالتدخل فقد انقسم الكتاب العرب حول ما يحدث في سوريا وانقسموا حول من تدخل فيها وهنا أصبحت تركيا محل خلاف بل واتهام ورفض تام للسياسة التركية في المنطقة وبعض الذين اعتبروا سوريا عاصمة الممانعة وجسر حزب الله الوحيد من الطبيعي أن يدينوا السياسة التركية . أما كيف وصل عشرات الآلاف من المسلحين الغرباء إلى سوريا؟ هذا سؤال أكبر يسجل إدانة للسياسة التركية والتي لن يصفح عنها العرب " باستثناء عرب الخليج الذين ضخوا مليارات لاسقاط الرئيس الأسد لمد أنابيب الغاز " وأين تدرب هؤلاء الغرباء وكيف وصلتهم شحنات الأسلحة هم وصلوا برا من الحدود التركية ومن المطارات التركية وبمساعدة الدولة التركية وهناك بعض الأسرى غير السوريين منهم في الأسابيع الأخيرة بدأوا يدلون باعترافات تؤكد دور تركيا أما تفكيك مئات المصانع السورية وأين نقلت فتلك قصة أخرى. لقد ارتكبت السياسة التركية عديدا من الأخطاء انتهت بخسارتها دول الجوار بعد أن رفعت شعار تصفية المشاكل لتنتهي بصفر أصدقاء مع جيرانها بدء من إيران والعراق وسوريا وهي الدول التي كان يمكن أن تشكل صديقا لتركيا بعد تأزم علاقتها بإسرائيل ومع هذا التأزم وتراجع العلاقات بما فيها الاقتصادية كان ميزان التبادل التجاري مع إسرائيل في تصاعد والرقم الصادم الذي نشره مركز الجزيرة للدراسات في دراسة للباحث سمير الرنتيسي هو أن معدل التبادل التجاري في العام 2009 بين الدولتين قبل مجزرة سفينة مرمرة كان يبلغ 2.597 مليار دولار لكنه ارتفع بشكل كبير ليصل عام 2014 إلى 5.7 مليار دولار ، كيف يمكن فهم ذلك بالنسبة لكاتب فلسطيني يراقب ويحصي حجم المؤسسات الاقتصادية الدولية التي تقاطع شركات دولية لها علاقات مع شركات إسرائيلية تتعاون مع المستوطنات ؟

 ثم كانت المغامرة الأكبر بإسقاط الطائرة الروسية والتي لم تكن معادية لتركيا والأراضي التركية ولا الجيش التركي وهنا التهديد الاقتصادي الأكبر لتركيا حيث يبلغ تبادلها التجاري مع روسيا حوالي 32 مليار دولار بدأت روسيا بعد الحادث غير المبرر بفرض عقوبات وأهمها الغاز الروسي الذي تعتمد تركيا على روسيا بنسبة 60% وبأسعار تقل عن أسعار السوقبنسبة 6% مع وعد كانت قد أخذته تركيا بأن يصل التخفيض إلى 15% ومن هنا كان التوجه لإسرائيل التي ستبدأ بتصدير غاز حقل " ليفتان " العام القادم لم يكن حلمنا أن تصطدم مع روسيا وتندفع باتجاه إسرائيل فقد كان الرئيس التركي قبل شهرين من حادثة الطائرة يفتتح مسجدا في موسكو الى جانب الرئيس بوتين وأعلن من هناك أن تركيا تسعي لرفع ميزان التبادل التجاري بين الدولتين الى 100 مليار دولار عام 2023 فهل كانت تستحق مغامرة الطائرة كل هذه الخسارات ؟ لم نسمع خبر المفاوضات والاتفاق من المصادر الإسرائيلية بل أن الإشارة الأولى التي فاجأت الجميع كانت من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال في طريق عودته من تركمستان أن " تقوية العلاقة بين تركيا وإسرائيل هي أمر حيوي من أجل ضمان الاستقرار في المنطقة .. وأن المنطقة ستستفيد من تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية .."

 وأزمة هذا التصريح والمفاوضات الدائرة ليس فقط في العلاقات الثنائية بل أنه يأتي في وقت يشتد خناق المقاطعة الاقتصادية وحملة " بي دي اس" على إسرائيل لنسمع عن أجواء انفتاح تركي مع إسرائيل كيف سيكون موقف الفلسطينيين ومن ضمنهم الكتاب يا دكتور فنحن نتابع بسعادة كل شركة وكل مؤسسة وكل جامعة ونقابة وجمعية وكل كاتب وكل اكاديمي ومثقف دولي وممثل مسرحي يعلن مقاطعة إسرائيل وفي ذروة ذلك هل يمكن الشعور بالسعادة عندما نسمع الرئيس التركي يمهد لعودة العلاقات مع إسرائيل بدل أن يزيد من خناقها وبدل أن نقرأ أرقام التراجع الاقتصادي معها .

 لكن الإشارة في مقال الدكتور بأن بعض كتاب اليسار وقفوا إلى جانب روسيا لأسباب أيدلوجية فروسيا لم تعد يساريةلابل أصبحت دولة أرثوذكسية و أن الكثير من هؤلاء الكتاب هم أول من وجهوا الأسئلة والاتهام لروسيا أثناء اغتيال سمير قنطار الأسبوع الماضي فالحسبة غير ذلك تماما يا دكتور.

 لم تنته جولات المفاوضات بين تركيا وإسرائيل بل يمارس الإسرائيلي مراوغة هائلة " إذا ما تم وعلى الأغلب ذلك سيصدر الغاز الإسرائيلي عبر تركيا إلى أوروبا وحينها لن نسمع مواقف صديقة من أوروبا بعد أن تتحرر من الغاز الروسي وتقع في قبضة الابتزاز الإسرائيلي .. نحتاج إلى حصار تركي لإسرائيل ونحاسب تركيا لأنها تقدمت كثيرا بالموقف ضد إسرائيل ولا نحاسب دول هي تلقائيا في الحضن الإسرائيلي والأهم هناك خشية على تراجع النموذج الداخلي التركي بسبب السياسات الخارجية الخاطئة وهذا بدأ يحدث الا اذا تم الاتفاق مع اسرائيل فهل الوصول لهذه المعادلة نتاج سياسة خارجية صحيحة ؟.

 أخيرا إن مسألة الحصار على غزة واستمرار الحديث حولها علينا أن نتذكر أنها بسبب فشل الفلسطينيين في الاتفاق وإدارة أنفسهم وبإمكان تركيا أن تسأل حركة حماس عن بداية الحصار وعندما تجيبها أنه بدأ يوم 15/6/2007 بإمكان تركيا أن تقدم النصيحة لحماس بدل أن تدفع تركيا ثمن رفع الحصار لإسرائيل أن تدفعه حماس للداخل الفلسطيني أقل خسارة . السياسة التركية في الداخل محل إعجاب لكنها في الخارج محل خلاف وتركيا لها ما لها وعليها ما عليها مثل جميع الدول وعندما يكون ما عليها على حسابنا وثمنه التقارب مع إسرائيل من حقنا أن ننتقد ونلوم وندين حتى، هذا دورنا دكتور وهذا حقنا لقد كتب الزميل عبد الباري عطوان الأسبوع الماضي أن حل أردوغان في موسكو وليس في تل أبيب هذا صحيح .. عبد الباري ليس يساريا .. لكنه فلسطيني مثلي ومثلك يحدد موقفه من الدول بالمقياس الذي تعلمناه جميعا من اقترابها أو ابتعادها عن إسرائيل .. لا نتمنى لتركيا التقارب مع اسرائيل كما أعلن الرئيس التركي ..! Atallah.akram@hotmail.c