شهد الاقتصاد الروسي خلال العام 2015 ظروفا حرجة، ناجمة جزئيا عن انخفاض أسعار النفط العالمية والعقوبات الغربية المفروضة على البلاد بسبب سيطرتها على شبه جزيرة القرم وتدخلها المزعوم في الأزمة الأوكرانية.
ومن خلال تقديم حزمة لمواجهة الأزمة لمدة عام، فإن الاقتصاد في روسيا يظهر حاليا إشارات من المرونة، وتتوقع قيادة البلاد نموا في العام المقبل، على الرغم من تكهنات حول استمرار انخفاض أسعار النفط والعقوبات الاقتصادية لفترة طويلة.
حزمة مواجهة الأزمة لتخفيف الضغوط في الداخل والخارج أدت الضغوط في الداخل والخارج على حد سواء إلى فرض صعوبات على روسيا لتحقيق نمو اقتصادي.
وبما أن مصادر الطاقة تعتبر قلب الاقتصاد الروسي، فقد أدى الاعتماد المفرط على صادرات النفط إلى خسائر كبيرة مع انهيار أسعار النفط العالمية من 100 دولار أمريكي للبرميل في أوائل 2014 إلى نحو 36 دولارا للبرميل حاليا، وقد جعلت العقوبات الغربية ضد موسكو الوضع أكثر سوءا.
ومع الأخذ في الاعتبار تراجع أسعار النفط، توقعت وزارة التنمية الاقتصادية أن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا سيتقلص 5 في المائة مع انخفاض بمقدار 3 تريليونات روبل (نحو 42.8 مليار دولار) في الإيرادات الحكومية هذا العام.
وقد تسببت الأزمة بهبوط في قيمة الروبل، العملة الوطنية الروسية، التي انخفضت بنسبة 72.2 في المائة مقابل الدولار الأمريكية خلال الفترة من مارس 2014 إلى ديسمبر هذا العام، مما أدى إلى خفض الاستيراد واستبدال الواردات في مجموعة من القطاعات كإجراء مضاد.
وفي مواجهة الصورة غير المشجعة، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تحسين الهيكل الاقتصادي، وتحسين الحوكمة وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وتنفيذا للدعوة، وقع رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف على حزمة لمواجهة الأزمة تمتد لعام في شهر يناير بقيمة 2.3 تريليون روبل ( 30 مليار دولار أمريكي) لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد المحلي.
وأشار ديمتري بوليفوي، كبير الاقتصاديين في بنك (آي إن جي) إلى أن خطوة استبدال الواردات قد أتت بأُكلها في بعض القطاعات مثل إنتاج الأغذية، لكنه يعتقد أن ما يزال هناك حاجة إلى استثمارات أساسية.
وقال الخبير لوكالة أنباء "شينخوا" انه "من أجل أن تكون عملية استبدال الواردات فعالة، فإن هناك حاجة لاستثمارات كبيرة سواء من الحكومة أو من القطاع الخاص، بيد أن هناك القليل من المال في الميزانية، كما أن الاستثمارات الخاصة بعيدة الاحتمال أيضا".
اتجاهات إيجابية في الأفق على الرغم من أن الوضع الحالي لا يزال معقدا، لاسيما بالنظر إلى تقلبات سوق النفط العالمية، فإن بوتين قد أظهر ثقته الثابتة في الاقتصاد الوطني الروسي.
وفي خطابه السنوي عن حالة الاتحاد في الجمعية الفيدرالية في وقت سابق من هذا الشهر، أشار بوتين إلى أن هناك اتجاهات إيجابية، لكنه حث البلاد على أن تكون مستعدة بشكل جيد لفترة متواصلة من انخفاض أسعار النفط والقيود الخارجية.
وقال إن "الإنتاج الصناعي وسعر صرف العملة الوطنية قد استقرا بشكل عام، وهناك تباطؤ مشهود للتضخم، وقد لاحظنا وجود انخفاض كبير في استنزاف رأس المال مقارنة مع عام 2014".
وجدد الرئيس ثقته في ذلك خلال مؤتمره صحفي لنهاية العام، مشيرا إلى استقرار تدريجي في سوق العمل ومعدل البطالة، مع إظهار مستثمرين استعدادهم للعودة.
وفي 3 ديسمبر، غيرت وكالة التصنيف الأمريكية "موديز" نظرتها في تصنيف السندات الحكومية الروسية من سلبي إلى مستقر.
وقالت الوكالة في بيان إن الأسباب الرئيسية للترقية كانت استقرار الموارد المالية الروسية الخارجية، الناجمة عن تسوية في الاقتصاد الكلي ساعدت في التخفيف من تأثير انخفاض أسعار النفط على احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية، مما قلل من احتمال تعرض الاقتصاد أو الموارد المالية الروسية إلى صدمة شديدة لاحقة في الأشهر الـ 12 - 18 القادمة.
وقال وزير المالية أنطون سيلوانوف أن الترقية في التصنيف يؤكد أن الحكومة الروسية قد اعتمدت سياسة اقتصادية كلية صحيحة، مضيفا أن الخطوة المقبلة ستكون للحد من العجز في الميزانية وضمان الانتقال إلى نمو اقتصادي مستقر.
وتوقعت الحكومة الروسية أن معدل التضخم في روسيا سينخفض إلى 6.4 في المئة خلال عام 2016، وذلك هبوطا من 12.2 المتوقع لهذا العام، في حين أن الإنتاج الصناعي في البلاد سيرتفع بنسبة 0.6 في المائة خلال العام المقبل بعد انخفاض بنسبة 3.3 في المائة عام 2015، وهي تقديرات تتفق بشكل عام مع "موديز".
ومع ذلك، لا يمكن اعتبار هذه المؤشرات الإيجابية وسيلة للخروج من الأزمة. على المدى القصير، فإن حدوث انتعاش في أسعار النفط العالمية فقط قد يؤدي إلى تحفيز كبير للنمو الاقتصادي في روسيا، في حين أن الانتقال إلى نمط اقتصادي أكثر صحة يمكن أن يحدث فرقا حقيقا على المدى الطويل.
التطلع نحو الشرق فضلا عن تطبيق تدابير انتقامية ضد العقوبات الغربية، تسعى روسيا بنشاط إلى تعزيز التعاون مع جيرانها الآسيويين، وخاصة الصين، ما يؤشر إلى أن روسيا بدأت تتطلع نحو الشرق.
ووقع بوتين في يوليو الماضي قانونا يمنح مدينة فلاديفوستوك في الشرق الأقصى للبلاد و15 منطقة إدارية بحرية أخرى وضع "الميناء الحر"، إضافة إلى جعل التنمية في المنطقة "أولوية قصوى للقرن الـ 21".
وبعد ذلك، عملت الحكومة الروسية على خلق "كتلة من المزايا" لتسريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية في الشرق الأقصى، بما في ذلك إعفاءات ضريبية وتبسيط الإجراءات الإدارية وإنشاء مركز إداري موحد.
وفي سبتمبر، احتضنت روسيا فعاليات المنتدى الاقتصادي الشرقي الكبير، وهو منصة مفتوحة لمنطقة آسيا-باسيفيك، ومكرسة لتعزيز البيئة الاستثمارية في الشرق الأقصى لمجتمع الأعمال الآسيوي، وذلك لتقوية اندماج أقصى شرق روسيا مع بلدان آسيا والمحيط الهادئ.
كما ستكون تنمية الشرق الأقصى خطوة إضافية للتعاون الروسي مع الصين، التي تعتبر أكبر شريك تجاري لموسكو منذ أربعة أعوام، ولها تاريخ طويل من التعاون في مجالات الطاقة والصناعة والاستثمار والتجارة مع هذا البلد.
وخلال حضوره المنتدى، أعرب نائب رئيس مجلس الدولة الصيني وانغ يانغ عن ثقة الصين في تنمية الشرق الأقصى الروسي، إضافة إلى استعدادها لتوسيع التعاون الثنائي في مجالات مثل تنمية الموارد والمعالجة والتصنيع والزراعة الحديثة.
وقال نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري تروتنيف، وهو أيضا المبعوث المفوض للرئاسة الروسية إلى منطقة الشرق الأقصى الفيدرالية، إن روسيا تعتبر الصين أحد الشركاء الرئيسيين المحتملين للمشاركة في تنمية المنطقة، وخاصة في ضوء تجاور مبادرة الحزام والطريق الصينية مع مشروع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي بدأت فيه روسيا.


