خبر : الإعلام .. أفيون الشعوب !! بقلم محمد يوسف الوحيدي

الإثنين 16 نوفمبر 2015 07:20 م / بتوقيت القدس +2GMT
الإعلام .. أفيون الشعوب !!  بقلم محمد يوسف الوحيدي



 

  أبين زين أبين أضرب الرمل واوشوش الودع.. مرة لشابة ومرة لجدع..  أقرأ الكفوف قرّب وشوف..  حتسمع حكاوى بطعم الوجع!!..

هذا حال بعض صحفنا ، و مواقعنا الإخبارية ، بل و إعلامنا بشكل عام ، وحتى وسائل تواصلنا الإجتماعي ، العَرافَة ، و التنجيم ، الذي سرعان ما ينقلب إلى حقائق ولها أنصار و معارضين ، و تُعقد حلقات النقاش و التحليل ، و ينبري كل صاحب خبرة و نظرة لولبية في الأمور المستخبّية ليدلو بدلوه .. ولا يقتصر هذا التنجيم و التدليس و الدروشة على صحافة صفراء و لا خضراء و لا حتى بمبي ، يبدو أن الموجة عاتية و تجتاح الكثير الأغلب من كل مقروء و مسموع و مرئي حولنا .. حتى إختلط الحابل بالنابل ، و لم يسلم أي معارض من جرة قلم أو بالأحرى نقرة "كيبورد" ليتم نسفه ، كما فعلت مذيعة قناة الجزيرة اللامعة ، الثائرة الجريئة ، الحارقة الخارقة ، غادة عويس ، على صفحة منسوبة لها ، من إعتداء سافرعلى طبيب فلسطيني ، و نشرت صورته و صورة حسابه الشخصي و قالت لمريديها ( هَلمُوا ، إهجموا ، إنه صُهيوني مُستعرب ) ، ولم يأخد الأمر سوى هنيهات ، حتى إمتلأت صفحتها بالتعليقات و النباح من كل حدب وصوب تنهش في لحم و عظام الرجل الفاضل .. لا لشئ إلاّ لأنه وقع ضحية صاحبة المهنية و المواقف الوطنية ...

ومثل هذا الكثير ، و بما أنّ لكُلّ عرّافة و دجّال ، خيمة وراية ، ولكلٍ طريقة وغاية  ، و لون و رواية ، تجد مواقعنا و صحفنا و إعلامنا على ذات الشاكلة ، فهو يرى بما يريد  " الزبون" أن يرى ، ليرمي بياضه ، و يكثر عدد القراء أو المشاهدين ،و يرتفع سعر الإعلانات ، فتجد أخباراً عن  أن أغلبية الشعب تريد كذا ، أو لا تريد ذاك .. و " أغلبية" هذه  ، يكون قد تم قياسها في المسافة ما بين فنجان قهوة المحرر الصحفي و بين سيجارته .. التي ما أن يأخذ النفس الأول منها حتى تتفتح قريحته ، و تلمع فكرته ، و تتدفق معارفه ، ليقرر هو ، أن أغلبية الشعب ، تريد ولا تريد ، فهو هنا ، الشعب ، هو صوت الأمة و ضميرها الغائب .. الغائب فعلاً .

وهذا يذكرني بصديق إتصل بي منذ مدة ، طالباً مني أن أختار له إسماً براقاً ، جاذباً ، لموقع إخباري جديد يفكر في إنشائه .. ووعدته بالتفكير و الإنتقاء ، و لكني الآن ، و هنا و من خلال هذه الأسطر ، ربما أقترح عليه إسم له علاقة بالدجل .. أو العرافة و التنجيم .. فلماذا لايكون تنجيم نيوز مثلاً .. أو  أخبار الودع ... على الأقل ، سيكسب ثقة الجمهور ، ولا يدعي أنه محايد ، سريع ، ثقة ، أكيد ، رفيع  ، مهني ، بل هو مقايض ، مريع ، شنيع ، كاذب ، رقيع ..

أتذكر جملة ذاعت و شاعت في فترة السبعينات و الثمانينات ، عندما إمتلأت دور السينما و المسارح بما عرف حينها بأفلام المقاولات ، و التي كانت تهتم بالعُري و العنف و المخدرات و قصص الراقصات  .. و كانت حجة القائمين عليها في حينه ، أن " الجمهور عايز كده "  ، و هنا نتساءل ، هل بالفعل الجمهور في حاجة إلى هذا الكم من الكذب و الإستهانة بعقلة و إلى هذه الجرعات من التغييب و التلفيق ؟  هل بالفعل نحن – الجمهور – محتاجون إلى  مواقع إخبارية مليئة بالصور العارية ، و بأخبار الراقصات و أخبار و مقاطع فيديو مليئة بالدماء و الجنس و العنف و الفتاوى السياسية و الإستطلاعات اللوزعية التي تقيل رئيس و تنصب آخر و تدخل الغرف المغلقة و تأتي بعرش بلقيس؟

هل أصبح هذا النوع من الأخبار  بمثابة مخدرات ، أدمنّاها ، لنخرج من واقع ، نعلم أنه حقيقي و لكننا نبغضه إلى درجة أننا لا نريد أن نراه على حقيقته ، فنلجأ طوعاً إلى منافذ بيع هذه الأخبار المخدرة من مصادر بيعها الشرعية و العلنية ، صحفاً و شاشات و مواقع ؟؟

هل فقدنا الأمل في وجود قيادات سياسية و إجتماعية و دينية واعية ، و قادرة ، فلجأنا أيضاً طوعاً ، لنتبع مذيعين و مذيعات ، كتاباً و كاتبات ، شعراء و فنانات ، على أنهم هم القادة لفكرنا ، و أدبياتنا و سلوكنا و هم نبراسنا و منبع مبادئنا و مفاهيمنا ؟؟ رغم أننا نعرف أنهم أو أنهن ، من الضحالة و العبث و الخبث ، بل و كثير منهم أو منهن ، تمتع بقدرات تجعل من مسيلمة أو سجاح ، مجرد تلاميذ  !!  نعرف و نعرف ، ولكن من قال أن المخدرات يجب أن تكون إلا هكذا .. هم  إذن ، المخدر الجديد الذي نتعاطاه ، و "الإعلام أفيون الشعوب" ..نريده هكذا ،  لنستطيع أن نعيش في هذا الزمن الردئ .. و هيك مزبطة ، بدها هيك ختم ..