أبين زين أبين أضرب الرمل واوشوش الودع.. مرة لشابة ومرة لجدع.. أقرأ الكفوف قرّب وشوف.. حتسمع حكاوى بطعم الوجع!!..
هذا حال بعض صحفنا ، و مواقعنا الإخبارية ، بل و إعلامنا بشكل عام ، وحتى وسائل تواصلنا الإجتماعي ، العَرافَة ، و التنجيم ، الذي سرعان ما ينقلب إلى حقائق ولها أنصار و معارضين ، و تُعقد حلقات النقاش و التحليل ، و ينبري كل صاحب خبرة و نظرة لولبية في الأمور المستخبّية ليدلو بدلوه .. ولا يقتصر هذا التنجيم و التدليس و الدروشة على صحافة صفراء و لا خضراء و لا حتى بمبي ، يبدو أن الموجة عاتية و تجتاح الكثير الأغلب من كل مقروء و مسموع و مرئي حولنا .. حتى إختلط الحابل بالنابل ، و لم يسلم أي معارض من جرة قلم أو بالأحرى نقرة "كيبورد" ليتم نسفه ، كما فعلت مذيعة قناة الجزيرة اللامعة ، الثائرة الجريئة ، الحارقة الخارقة ، غادة عويس ، على صفحة منسوبة لها ، من إعتداء سافرعلى طبيب فلسطيني ، و نشرت صورته و صورة حسابه الشخصي و قالت لمريديها ( هَلمُوا ، إهجموا ، إنه صُهيوني مُستعرب ) ، ولم يأخد الأمر سوى هنيهات ، حتى إمتلأت صفحتها بالتعليقات و النباح من كل حدب وصوب تنهش في لحم و عظام الرجل الفاضل .. لا لشئ إلاّ لأنه وقع ضحية صاحبة المهنية و المواقف الوطنية ...
ومثل هذا الكثير ، و بما أنّ لكُلّ عرّافة و دجّال ، خيمة وراية ، ولكلٍ طريقة وغاية ، و لون و رواية ، تجد مواقعنا و صحفنا و إعلامنا على ذات الشاكلة ، فهو يرى بما يريد " الزبون" أن يرى ، ليرمي بياضه ، و يكثر عدد القراء أو المشاهدين ،و يرتفع سعر الإعلانات ، فتجد أخباراً عن أن أغلبية الشعب تريد كذا ، أو لا تريد ذاك .. و " أغلبية" هذه ، يكون قد تم قياسها في المسافة ما بين فنجان قهوة المحرر الصحفي و بين سيجارته .. التي ما أن يأخذ النفس الأول منها حتى تتفتح قريحته ، و تلمع فكرته ، و تتدفق معارفه ، ليقرر هو ، أن أغلبية الشعب ، تريد ولا تريد ، فهو هنا ، الشعب ، هو صوت الأمة و ضميرها الغائب .. الغائب فعلاً .
وهذا يذكرني بصديق إتصل بي منذ مدة ، طالباً مني أن أختار له إسماً براقاً ، جاذباً ، لموقع إخباري جديد يفكر في إنشائه .. ووعدته بالتفكير و الإنتقاء ، و لكني الآن ، و هنا و من خلال هذه الأسطر ، ربما أقترح عليه إسم له علاقة بالدجل .. أو العرافة و التنجيم .. فلماذا لايكون تنجيم نيوز مثلاً .. أو أخبار الودع ... على الأقل ، سيكسب ثقة الجمهور ، ولا يدعي أنه محايد ، سريع ، ثقة ، أكيد ، رفيع ، مهني ، بل هو مقايض ، مريع ، شنيع ، كاذب ، رقيع ..
أتذكر جملة ذاعت و شاعت في فترة السبعينات و الثمانينات ، عندما إمتلأت دور السينما و المسارح بما عرف حينها بأفلام المقاولات ، و التي كانت تهتم بالعُري و العنف و المخدرات و قصص الراقصات .. و كانت حجة القائمين عليها في حينه ، أن " الجمهور عايز كده " ، و هنا نتساءل ، هل بالفعل الجمهور في حاجة إلى هذا الكم من الكذب و الإستهانة بعقلة و إلى هذه الجرعات من التغييب و التلفيق ؟ هل بالفعل نحن – الجمهور – محتاجون إلى مواقع إخبارية مليئة بالصور العارية ، و بأخبار الراقصات و أخبار و مقاطع فيديو مليئة بالدماء و الجنس و العنف و الفتاوى السياسية و الإستطلاعات اللوزعية التي تقيل رئيس و تنصب آخر و تدخل الغرف المغلقة و تأتي بعرش بلقيس؟
هل أصبح هذا النوع من الأخبار بمثابة مخدرات ، أدمنّاها ، لنخرج من واقع ، نعلم أنه حقيقي و لكننا نبغضه إلى درجة أننا لا نريد أن نراه على حقيقته ، فنلجأ طوعاً إلى منافذ بيع هذه الأخبار المخدرة من مصادر بيعها الشرعية و العلنية ، صحفاً و شاشات و مواقع ؟؟
هل فقدنا الأمل في وجود قيادات سياسية و إجتماعية و دينية واعية ، و قادرة ، فلجأنا أيضاً طوعاً ، لنتبع مذيعين و مذيعات ، كتاباً و كاتبات ، شعراء و فنانات ، على أنهم هم القادة لفكرنا ، و أدبياتنا و سلوكنا و هم نبراسنا و منبع مبادئنا و مفاهيمنا ؟؟ رغم أننا نعرف أنهم أو أنهن ، من الضحالة و العبث و الخبث ، بل و كثير منهم أو منهن ، تمتع بقدرات تجعل من مسيلمة أو سجاح ، مجرد تلاميذ !! نعرف و نعرف ، ولكن من قال أن المخدرات يجب أن تكون إلا هكذا .. هم إذن ، المخدر الجديد الذي نتعاطاه ، و "الإعلام أفيون الشعوب" ..نريده هكذا ، لنستطيع أن نعيش في هذا الزمن الردئ .. و هيك مزبطة ، بدها هيك ختم ..


