خبر : أبحث عن قبر فتى اسمه "يحيى" ...غسان زقطان

الإثنين 16 نوفمبر 2015 08:08 ص / بتوقيت القدس +2GMT



عندما اتكأ «زكريا» إلى شجرة البلوط في ساحة «زكريا»، التي أصبح اسمها الآن «كفار زخاريا»، كان يوم إثنين، وكانت الشمس في الضحى، وكان في الثمانين.
مرق إلى جانبه طفل على دراجة حمراء، راقب الطفل حتى اختفى في أحد منحنيات الساحة الممتدة حتى أطراف الحرش القديم، الذي لم يعد موجوداً الآن.
كان يحمل حقيبة صغيرة و»تصريح زيارة» ينتهي عند السادسة مساء.
لم يتوقف أمام البيوت الجديدة التي بنيت على أنقاض القرية والشوارع النظيفة التي تتخللها، ولم يهتم بالحديقة المرتبة والممرات والأسيجة ومراجيح الأطفال والمنزلقات الملونة المنتشرة في أرجائها.
بدا المشهد بارداً وميتاً مثل خديعة، وأنه، المشهد، سيتفكك في أية لحظة عن المكان الحقيقي.
غير بعيد عن اتكائه جلس عجوز ببشرة داكنة يمسك بشيء من العناد مظلة صفراء بدت له للوهلة الأولى مظلة نسائية.
كان الرجل واثقاً أنها ستمطر بعد قليل، الطريقة التي يتمسك بها بالمظلة وانحناءته تحتها أوحت لـ «زكريا» بذلك، نظر إلى السماء فضربت عينيه شمس قوية في سماء صافية.
كان الفصل خريفاً وكانت الشوارع مهجورة، لو استثنينا الطفل راكب الدراجة، بسبب عيد «العرش» اليهودي، والرجل كان يهودياً، هكذا فكر «زكريا»، وكانت يهوديته تتجمع الآن في رغبته المتوسلة بأن تمطر.
فكّر بخريف 1948، ثمة ما يؤدي إلى ذلك الزمن ويأتي به كاملاً ومحمولاً على الخوف الذي يكتنف هذا المكان، الخوف نفسه ما زال يسري في كل شيء.
اقترب من العجوز حتى استطاع تبين رسغ يده الغامق المعروق وأصابعه الخشنة، فكر أن هذا الرجل عمل طويلاً بيديه.
جلس بهدوء على الجهة الثانية من المقعد نفسه من جهة الشجرة، كان ظهره للرجل عندما سأله متأنياً في لفظ الحروف العربية:
- أبحث عن قبر.
استدار الرجل بوجهه نحو «زكريا»، دون أن يتخلى عن المظلة، فاستطاع أن يلمح ثؤلولاً كبيراً يتدلى أعلى حاجبه تماماً.
غمغم العجوز من تحت مظلته، بدا وكأنه لم يتوقع السؤال، أو أنه لم يتوقع الحضور البشري على مقعد الحديقة ذاك، وهو يسأل بعربية محلية عن قبر:
- المقبرة في الجهة الأخرى من البلدة، قال الرجل.
لا قبور هنا.
- أبحث عن قبر فتى اسمه «يحيى».
قال «زكريا» وهو يحدق في عيني الرجل الباهتتين.

*الفصل 19 من كتاب «حيث اختفى الطائر».
صدر عن الدار الأهلية/ عمان/بيروت.