خبر : وهم الدولة ثنائية القومية ! رجب ابو سرية

الجمعة 13 نوفمبر 2015 10:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT



يظن بعض المتابعين للأحداث في الشرق الأوسط، بأن حادثة الموقر في الأردن، وان كانت ربما حدثت في سياق تأثيرات الجماعات الإسلامية المتشددة، إلا أنه لا يمكن إغفال أن تكون قد جاءت كعمل فردي تماما، ولكن النقيب الذي قام بهذا العمل، يمكن أن يكون قد تأثر بما يحدث في فلسطين من مواجهة دموية بين الشباب الفلسطيني المناهض للاحتلال، وجيش ومستوطني الاحتلال الإسرائيلي، بحيث أن الضابط الأردني قد تمثل روح الشباب الفلسطيني، الذي يخرج حاملا سكينا، يطلب الشهادة في سبيل الله، فيما هو امتطى سلاحه الرشاش، كما لو كان يستل السكين، ويهجم به على عدوه !
هذا ما يظنه البعض، وإن كان بعض الظن إثم، إلا انه لا يمكن، لمن يريد أن يقرأ نتائج ما يحدث في الواقع، وخاصة أولي الأمر، إلا أن يوسع دائرة التوقع، والتقدير، فليس هنالك نار تظل في مكانها، وليس هنالك من شعلة إن لم تنطفئ فإنها تتسع، وخير دليل إلى ما نذهب إليه، هو اندلاع حريق الشرق الأوسط، أو ما سمي الربيع العربي، الذي اندلع قبل أقل قليلا من خمس سنوات، بإشعال الشاب التونسي محمد البوعزيزي للنار في نفسه، ولم تمض سوى ساعات وكانت النار تشتعل في كل تونس، ومن ثم تنتقل بسرعة البرق إلى مصر، فليبيا وسورية واليمن، وغير مكان، من البحرين إلى المغرب، وما زالت نيرانها أو حتى براكينها مشتعلة حتى اللحظة، بعد أن أسقطت أنظمة وحطمت دولا، وقسمت جمهوريات !
وحيث أنّا ما زلنا في دائرة الظن، فان كل الإسرائيليين أو بعضهم ظن، وظنهم هنا كله إثم، بأن "الربيع العربي" سيكون بردا وسلاما على إسرائيل وعلى احتلالها للأراضي الفلسطينية في القدس وقطاع غزة والضفة الغربية، وان ليس العالم فقط، بل والعرب أنفسهم سينشغلون عنها وعن احتلالها، خاصة بعد أن أرهقت الجانب الفلسطيني بمفاوضات عقيمة مدة عشرين سنة، وبعد أن لعبت برؤوس هواة السلطة، ومحبي الكراسي والوجاهة من الفلسطينيين المتعبين بعد عقود من النضال الوطني، وأنه قد حان الوقت لتؤبد احتلالها بشكل نهائي ودائم.
أسقط الإسرائيلي من حساباته أن الشباب الفلسطيني، الذي طالما كان ملهما للشباب العربي خلال العقود الماضية، وليس آخرها قبل أكثر من عقدين بالانتفاضة الأولى، لا يمكنه إلا أن يتأثر بروح المنطقة، وبجموح الشباب الذي لا يريد التغيير وحسب، ولكنه بعد أن صار أكثر وعيا بالحقوق الشخصية، والإنسانية، لا يمكنه أن يظل صامتا، ولا حتى قابلا بما يرسمه له قادته من سياسات مهادنة أو حتى مقاومة بالقطعة وبالمناسبات، وحتى أنه بحكم التقدم في الواقع والحياة، بات أكثر وعيا وإدراكا حتى من الجيل الذي سبقه، جيل آبائه ممن فجروا الانتفاضة الأولى، وبالتالي فان السم الذي قدمته إسرائيل في طبق "انسحابها من جانب واحد من غزة العام 2005" والذي تمثل بالانقسام، لم ينطل على هذا الجيل من الشباب، الذي أدرك بأن عدوه أولا وأخيرا هو إسرائيل، وليس "فتح" أو "حماس"!
كذلك استوعب هذا الجيل المنتفض الآن، دروس الانتفاضة الثانية، ومخاطر أن تقتصر انتفاضته على النخبة، من جهة ومن جهة ثانية عسكرتها، أو الاكتفاء بتنفيذ العمليات العسكرية، استشهادية أو غيرها، خاصة وراء الخط الأخضر.
لم يكن هذا الجيل من الشباب، الذين هم في العشرين من العمر، أقل استعداداً للاستشهاد من سلفه قبل عقد ونصف العقد، بل ربما كان أكثر جرأة، فهو يهجم على عدوه بسكين، ليس بعبوة ناسفة ولا بقنبلة، وهو يعلم أن عدوه الفاشي سيطلق النار عليه بإصرار مسبق على قتله، كما أنه لم يتجاوز - حتى اللحظة - حدود الأراضي المحتلة، في القدس والخليل وبيت لحم.
ما زالت الانتفاضة الثالثة في أولها، وهي حققت حتى اللحظة إنجازات عديدة، والتدرج في مسيرتها، يعني بأنها تسير بشكل صحيح، ذلك أن الشعب الفلسطيني الخبير جدا في الكفاح الوطني، بات يعلم علم اليقين بأن معركته طويلة مع هذا العدو الإسرائيلي، وأن سباقه معه إنما هو ماراثون طويل، يبدأه عادة من يفوز به بالهرولة، ولا يسرع الخطو إلا في الأمتار الأخيرة، ويظل محتفظا بطاقته حتى آخر لحظة.
ليست هذه الانتفاضة إذا رد فعل، ولا تعبيراً عن يأس أو إحباط، بل هي خلاصة الوعي الوطني والكفاحي الفلسطيني، وذروة تجربة الصراع مع العدو الإسرائيلي، لذا فإنها لن تنتهي إلا بالنصر، وما زال في جعبة الشعب الفلسطيني مخزون كافٍ للصمود في المعركة ومواصلتها سنين عديدة حتى يحقق فيها النصر في نهاية المطاف، فما زال الشعب الفلسطيني بجعبته إطلاق محطات الإسناد، من غزة، والـ 48 والشتات، وبذلك فتح بوابات الإسناد العربي والإسلامي والإنساني في كل الدنيا، وما زال بإمكانه فتح بوابات النار على الإسرائيليين في المحاكم الدولية، ذلك أن المظاهرات المنددة بالجرائم الإسرائيلية لم تبدأ بعد.
ومن ما زال يظن بأن العرب خاصة في الجوار قد انشغلوا عن فلسطين تماما، فهو مخطئ جدا، ففلسطين ما زالت تلهب مشاعر الدنيا بأسرها، وحيث إن إسرائيل ما زالت غير قادرة على التعايش مع فلسطينيي 48، بدليل مؤشر الديمقراطية السنوي الذي يجريه معهد الديمقراطية في إسرائيل، بعد نحو سبعين سنة، فان ذلك يؤكد دون شك بأنها عاجزة عن التعايش مع كل المنطقة ولو حتى بعد سبعمائة عام ! وهذا يعني بأن إسرائيل ترفض إقامة دولة فلسطينية وفق حل الدولتين وغير قابلة لدولة واحدة ثنائية القومية أو دولة مواطنة !
Rajab22@hotmail.com