ما الذي يدفعهم للطعن؟ سؤال طرحه موقع «المصدر» الإسرائيلي باللغة العربية وأجاب عليه تقرير صادر عن «معهد جايتستون». استعرض هجمات الشهداء: مهند حلبي، فادي علون وعلاء ابو جمل، وشروق دويات. ويعمم من خلالهم بقية او معظم الحالات التي ناهزت 42 حالة. التقرير يتوصل الى استنتاجات. كالقول إن هؤلاء الشباب والشابات الذين يهاجمون أهدافا إسرائيلية لا يعانون من فقر، بل إن أوضاعهم الاقتصادية في الأغلب جيدة. ودوافعهم ليس لها علاقة بالفقر. وهجماتهم «ليس لها علاقة بالقدس ولا الأماكن المقدسة ولا الاحتلال» والاستيطان. الدافع الوحيد الذي يتوصل إليه التقرير هو «الكراهية لليهود»، والهدف هو : «قتل اليهود أينما كانوا». أما السبب : فلأنه «لا يحق لليهود العيش على هذه الأرض وفي هذا المكان»، وإسرائيل عبارة عن مستوطنة كبرى لا مكان لها في هذه المنطقة. ولا ينسى الشخص «العبقري» بسام طويل معد التقرير، أن ينحو باللائمة على «التربية الفلسطينية التي غرست في عقول الشباب كراهية اليهود منذ الطفولة، وعلى التحريض الذي تبثه القيادة ووسائل الاعلام» على كراهية اليهود، فوق ذلك.
الموقف الذي تضمنه التقرير، لا يختلف كثيرا عن موقف الحكومة الإسرائيلية التي حرفت الأنظار عن جوهر الصراع. التقرير أسقط ونفى كل العوامل الأخرى التي دفعت الشباب والشابات الى مهاجمة الإسرائيليين. استبعد الاحتلال وأغفل سياسة التطهير العرقي وسياسة الابارتهايد وسرقة ونهب الارض والقمع وعمليات التهويد واحتلال المنازل وتغيير معالم القدس وعربدة المستوطنين واعتداءاتهم اليومية وبخاصة في مدينتي القدس والخليل وفي 62% من المنطقة المسماة «ج»، اغفل جريمة حرق عائلة دوابشة، وجريمة حرق ابو خضير، وجرائم قتل المدنيين والاطفال اثناء العدوان على قطاع غزة. وأغفل الزيارات الاستفزازية لوزراء ووكلاء واعضاء كنيست وأصوليين يهود من جماعة امناء الهيكل ومنظمات استيطان للحرم القدسي. أغفل قيام حكومة نتنياهو بإغلاق كل الابواب والنوافذ أمام العملية السياسية التي تنهي الاحتلال. اغفل كل شيء وتعامل مع عامل الكراهية مقلوبا، فمن من شعوب العالم لا يكره الاحتلال والعنصرية والتعصب الديني والقمع والاذلال وغطرسة القوة واستباحة الحقوق الوطنية والمدنية؟ لا يوجد شعب يحب او لا يكره هذه السياسات البشعة، والشعب الفلسطيني مثله مثل أي شعب آخر لا يحب بل يكره الاحتلال ومشتقاته. كراهية الاحتلال والاستيطان والابارتهايد وجرائم الحرب لا تعني كراهية اليهود كما يطيب للحكومة وأصحاب التقرير أن يفعلوا. فثمة يهود إسرائيليون ويهود في كل مكان في العالم يكرهون الاحتلال وسياساته ايضا وهم غير مكروهين بالتأكيد. اسطوانة الكراهية التي يكثر بثها هذه الايام تشبه اسطوانة العداء للسامية التي تلصق بكل من ينتقد الاحتلال الاسرائيلي وجرائم الحرب الاسرائيلية. اسطوانتان مشروختان لا تصلحان إلا لتحريض «فتيان التلال» و»تدفيع الثمن» وحزب البيت اليهودي ومن لف لفهم.
مقابل ذلك، نعم هناك شبان وشابات بالعشرات وقد يصل العدد الى المئات يقدمون على أو يحاولون طعن أو دهس إسرائيليين معظمهم من الجنود والمستوطنين ومسرح العمليات التي معظمها في القدس والخليل والاراضي المحتلة الاخرى. الحديث يدور عن ظاهرة لها أسباب عديدة مركزها الاحتلال الاقصائي والمساعي المحمومة لتركيع الشعب والقفز عن تطلعاته الوطنية والإساءة لرموزه الثقافية والوطنية والدينية، وتوقه للحرية والانعتاق، كما تلعب الصورة الدون انسانية التي تقدمها المؤسسة والثقافة الاسرائيلية للفلسطيني دوراً مهما في نشوء الظاهرة. إذن، الاسباب الخارجية أساسية لدفع الانسان الفلسطيني الى الخروج عن طوره، وعمل أي شيء مشروع وغير مشروع.
غير ان الاسباب الخارجية المنوه عنها لا تغطي كل اسباب الظاهرة، هناك أسباب لهذه الظاهرة موجودة في العامل الذاتي الفلسطيني. في البداية إذا انطلقنا من مشروعية مقاومة أي شعب للاحتلال العسكري باستخدام كافة الأشكال كما ينص عليها القانون الدولي. فإن اختيار وتحديد الشكل الرئيسي للنضال الأكثر نجاعة في انتزاع الحقوق والمكاسب، وفي كبح مشاريع واهداف دولة الاحتلال، وفي تعزيز الصمود تقع على مسؤولية الحركة الوطنية والمستوى الثقافي والفكري. السؤال الذي يطرح نفسه هنا.
هل يمكن اعتماد المقاومة المسلحة كشكل رئيسي للنضال ضمن الشروط والمقومات الموجودة راهنا؟ كل المعطيات تقول لا، وتجربة الانتفاضة المسلحة عام 2000 كانت سلبية بنتائجها وقد خسرنا فيها الكثير. كذلك تجربة المواجهة المسلحة – الاعتداءات الثلاثة على قطاع غزة- لم تكن في صالح الشعب الفلسطيني وأهدافه الوطنية وكانت خسائرنا فيها فادحة. إذن، لماذا يترك الشباب يواجهون قوات الاحتلال المدججة بالسلاح بصدورهم العارية بدون سلاح إلا من السكين. واقع الحال إن التنظيمات التي تشجع الشباب المهاجمين وتدعو الى المقاومة لا تقاوم برغم امتلاكها السلاح. تقول التقارير الاسرائيلية هناك آلاف قطع السلاح موجودة في مخيم شعفاط وقلنديا وجنين والعديد من المدن والمخيمات والقرى. لماذا وجد هذا السلاح، هل وجد لخدمة واستخدام مراكز قوى، ام للدفاع في حالة اقتحام قوات الاحتلال لتلك المناطق، أم لتحويل الهبة الشبابية الى هبة مسلحة في قادم الايام؟ إن أخطر الخيارات والاحتمالات هو الذهاب الى مواجهة عسكرية غير متكافئة بتاتا، او عمليات تفجير في العمق الاسرائيلي تعطي الاحتلال فرصة لتصفية الرعيل الجديد من المقاومين والمنتفضين. وأظن ان سلطات الاحتلال تدفع الامور الى هذا المربع الامني – المواجهة العسكرية- وهي اللعبة التي تبرع فيها لتقويض مقومات الصمود والبقاء. والمبرر اصبح حاضرا ومدعوما من الدول الكبرى وهو «حق إسرائيل في الدفاع عن شعبها».
إذا كانت المقاومة المسلحة تفتقر الى المقومات، يصبح من المنطقي الذهاب الى الانتفاض الشعبي المنظم الذي تشارك فيه قطاعات واسعة من الشعب، ويضع الاهداف الصغيرة والكبيرة ويعيد بناء قواه ومؤسساته. وفي هذه الحالة فإن استيعاب ظاهرة الطعن والدهس وتحويل طاقات المشاركين الحاليين والمحتملين فيها الى فعل نضالي أعم وأشمل. كان الرهان على أن المشاركة الشعبية المتنامية والواسعة ضد الاحتلال ستدمج الحراك والاندفاع الشبابي وستحول طاقاته الى فعل منظم وطويل الامد. لكن ضعف الانخراط الشعبي من جهة وعجز الحركة الوطنية في تحفيزه وفي بناء الجهاز الاداري القادر على الاستقطاب، والاهم غياب تصور وآليات للمسار البديل، والاستعاضة عن ذلك بركوب موجة الطعن والدهس وتشجيعها لتبرير العجز، كل هذا أدى الى مراوحة الحراك في طوره التقليدي الاول واستمرار ظاهرة المقاومة الفردية عبر عمليات الطعن والدهس.
Mohanned_t@yahoo.com


