خبر : قصة حب بين داعشي وسيم وجهادية.. كيف انتهت؟

الإثنين 09 نوفمبر 2015 01:58 م / بتوقيت القدس +2GMT
قصة حب بين داعشي وسيم وجهادية.. كيف انتهت؟



دمشق - النهار اللبنانية - الساعة العاشرة من ليل يوم جمعة من ربيع 2014، كانت ميلودي جالسة على كنبة في شقتها الباريسية الصغيرة عندما وصلتها رسالة من ارهابي فرنسي مقره في سوريا: "سلام عليكم،أختي. لاحظت أنك شاهدت شريط فيديو لي. انه يُتداول في شكل كبير. جنون! هل انت مسلمة؟ ما رأيك في المجاهدين؟".

أنشأت أنا ايريل ، وهي صحافية فرنسية كتبت طوال سنة عن الجهاديين الاوروبيين في "#الدولة_الاسلامية" أنشأت حساباً على وسائل التواصل الاجتماعي باسم ميلودي، رغبة منها في اكتشاف اللغز الذي يجذب شبابا أوروبيين الى "الدولة الاسلامية".كانت تمضي ساعات تقرأ المخططات البشعة لجهاديين من كل الالوان. تلك الليلة أمضتها تتنقل من حساب الى آخر، عندما وقع نظرها على فيديو لجهادي فرنسي يبدو في الخامسة والثلاثين.كان يرتدي بدلة عسكرية وسمى نفسه أبو بلال ويقول إنه في سوريا.

تأتين الى سوريا؟

تلك الليلة لم تكن تعرف شيئا عن الرجل المولع بالقتال والذي يبدو أمامها على الشاشة عارضاً بفخر محتويات علبة في سيارته الرباعية الدفع:كومة سوداء من العملة السورية وحلوى وسكين.رفع نظارتيه "الراي بان" العاكستين كاشفا عينين مبطنتين سوداوين .ومع أنها كانت تعرف أن الجنود الافغان كانوا يضعون كحلا حول عيونهم، الا أن رؤية ارهابي مع عينين مرسومتين كالفتيات كان مفاجئا بالنسبة اليها.كان وسيما ويتحدث الفرنسية جيدا مع ما بدا لها بعضا من لكنة جزائرية خفيفة.ابتسم وهو ينظر الى الكاميرا ويدعو الى الهجرة من بلاد الكفار للانضمام الى بلد اسلامي.

ما أن شاركت الفيديو على حسابها على "فايسبوك"، حتى أخطرها جهاز الكومبيوتر بثلاثة رسائل أرسلت الى بريدها الخاص "انبوكس" من ابو بلال، والسؤال الاخير الذي كتبه "هل تفكرين في المجيء الى #سوريا؟".
بعد تفكير، ردت عليه:"وعلكيم سلام...لم أتوقع أن يتحدث معي جهادي.أليس لديك أمور اخرى تقوم بها؟".وفي رد على سؤاله عن المجاهدين، قالت :"لا أفكار مسبقة لدي عن المجاهدين.في اي حال،الامر يتعلق بالشخص".
ادعت أنها اعتنقت الاسلام، ولكن من دون تفاصيل.كانت تضمّن جملها بعض الاخطاء اللغوية عمدا وتحاول استخدام مصطلحات شبابية.وكانت تنتظر اجاباته مع الم في معدتها. فمع أنه سبق لها أن أجرت مقابلات مع مجاهدين، كانوا جميعهم دون العشرين ولم يقل اي منهم شيئا أكثر من الدعابة الرسمية.


"سأهتم بك ميلودي"

عاد ليجيبها أن بالطبع لديه أمور كثيرة يقوم بها "ولكن هنا انها الساعة الحادية عشرة ليلا والمقاتلون أنهوا نشاطهم لليوم....يمكنني ان أخبرك كل ما يحصل في سوريا.الحقيقة الوحيدة هنا هي حقيقة الله.يجب أن نتحدث عبر سكايب.سأعطيك اسمي".
لم يكن موضوع سكايب واردا لميلودي.فاقترحت عليه أن يتحدثا في يوم آخر.ضرب لها موعدا في اليوم التالي قائلا:"اعتنقت الاسلام...يجب أن تستعدي للهجرة.سأهتم بك ميلودي".


بلال كان يطلب من فتاة لا يعرف عنها شيئا الانضمام اليه. ولكن المئات من الاوروبيين والاوربيات على نسق ميلودي يقعون في شباك اشخاص من طراز بلال.


قررت ميلودي أن تفك هذا اللغز.ولكن تلك الليلة كان عليها أن تذهب لتمضية الليلة في شقة صديقها ميلان. لم تخبره كيف أمضت سهرتها "كنت أريد فقط أن أنام الى جانبه".


يوم الاثنين، أخبرت أحد مسؤولي التحرير في المجلة التي تنشر فيها مقالاتها ما حصل معها ،فدهش للسهولة التي حصل بها الاتصال.أقر بأنها فرصة لها، وإن يكن حذرها من أن المضي في هذا الامر قد يكون خطرا. خصص لها مصورا عملت معه عشر سنوات وشكلا معا فريقا ناجحا.


سكايب


قررت ميلودي التحدث مع بلال على "سكايب" على أن يتولى المصور أندري التقاط بعض الصور.

كان عليها أن تبدو عشر سنين أصغر من عمرها الحقيقي وأن تجد حجابا. لم تخف أن يتعرف ارهابي على وجهها ،وخصوصا أنه لن يعود الى بلده فرنسا في اي وقت قريب.


وصل المصور أندريه الى شقتها بحلول السادسة تقريبا.كان لديهما الوقت ليتحضرا قبل موعد المحادثة مع بلال. اختارا الزاوية الافضل لالتقاط صور لشاشة الكومبيوتر وابقائها غير واضحة قدر الامكان.كانت الاولوية لسلامتهما قبل كل شيء.
وضعت الجلابة فوق ثيابها وغطت رأسها بحجاب.نزعت مجوهراتها وغطت الوشم على معصمها .

عندما حان الوقت كان كل شيء جاهزا. هاتفها مبرمج لتسجيل الحديث وأندري خلف الكنبة مستعد للتصوير.

رن سكايب .تنفست ميلودي عميقا وضغطت على الزر الاخضر.حدق بلال بها طويلا.كانت عيناه لاتزال مرسومتان بخط داكن.كان يتحدث من سيارته عبر الهاتف الذكي. بدا نظيفا وحتى مهندما وواثقا من نفسه.كتفاه مشدودان الى الخلف لكنها شعرت بأنه متوتر.

بعد صمت قصير ، تحدث قائلا:"سلام عليك يا أختي".

بابتسامة ردت عليه بأن لديه سهولة في الوصول الى الانترنت أكثر منها في تولوز.شرحت له أنها تتشارك جهاز الكومبيوتر مع أختها ، وأن أمهما تأخذه منهما كثيرا.وحتى هاتفه أحدث من هاتفها.


كانت تحاول اعطاء نفسها اعذارا معقولة للغياب في المستقبل.بقولها له إنها تعيش مع عائلتها تشرح له انها لا تستطيع التحدث دائما.

استغل بلال الفرصة للحديث عن سوريا "الرائعة"، والتي يتوافر فيها كل شيء: "يجب أن تصدقيني.انها الجنة.نساء كثيرات تحلم بنا.نحن جنود الله".

استفاض بلال في الحديث عن "الجنة" التي يعيش فيها، وعن "العدو" الذي يسرق ويقتل السوريين الفقراء ويغتصب النساء.و"العدو" ليس الرئيس السوري فحسب، وإنما "آخرون كثر"، بينهم "جبهة النصرة" وسوريون وجميع من يعتبرهم كفارا.
سألها اذا كاانت تضع الحجاب كل يوم.فكررت ما كانت تسمعه من فتيات التقتهن خلال تحقيقات لها عن اشخاص اعتنقوا الاسلام،قائلة:"ارتدي ثيابي صباحا وأودع والدتي، وعندما أخرج من المنزل اضع الجلابة والحجاب".

"ستعاملين كملكة"


أعجب بلال بشجاعتها وأعرب عن فخره بها، ولم يتوان عن مغازلتها، قائلا إن روحها جميلة "وجميلة من الخارج ايضا".

طلبت منه أن يريها ما حوله، خرج من السيارة واظهر لها ما حوله من دمار في منطقة مقفرة.ادعى بأنه في حلب لكن ميلودي كانت ترجح أنه على مسافة أميال من الرقة.


أصوات خشنة خرقت الصمت في تلك المنطقة.كانوا مقاتلين يتولون الحراسة.تادلوا الحديث مع بلال بالعربية ثم الفرنسية، وبدا واضحا أنه أعلى رتبة منهم.

عندما تابعا الحديث عبر سكايب سألها عمن أرشدها الى طريق الله".ومن دون تفكير عميق قالت له إن احد اقربائها مسلم، وقد أعجبت بالسلام الداخلي الذي يعيشه.

كان بلال يتحدث وكأن ميلودي حسمت أمرها وكأنها ستأتي قريبا الى سوريا.طمأنها الى أنها ستعامل معاملة حسنة وأنها ستكون مهمة "وإذا وافقت على الزواج مني، ستعاملين كملكة".

تكررت الاتصالات عبر "سكايب".أخبرته عن ياسمين، صديقة اخترعتها، وقالت له إنها اعتنقت الاسلام تشكو من عدم قدرتها على ممارسة شعائرها الدينية في تولوز، فعرض عليها أن تصحبها الى سوريا ووعدها بأن يعثر لها على رجل جيد.


ياسمين ليست موجودة في الواقع، لكن كم من ياسمين تستدرج أخيرا من رجال أمثال بلال.فصباح كل يوم من ذلك الاسبوع، كانت ميلودي تستيقظ لتجد رسائل عاطفية من بلال وكلها تبدأ ب"حبيبتي" mon bebe


أخبرها كيف ستمضي أيامها في سوريا مع صديقات يعتنين بأولاد الايتام والمرضى.وفي المساء ستكن معه لتهتم به. أما عندما يضطر الى التغيب اياما على الجبهات، فسيكون عليها الاهتمام بنفسها استعداداً لعودته.تحدث عن التعطر واستخدام الكريمات للبشرة وأمور أخرى كثيرة.

مع الوقت صار شغلها الشاغل.نهارا كانت تدقق في ادعاءاته في المكتب عبر الانترنت، وليلاً، تتحدث معه عبر سكايب.

لعبة الاغواء

أمضت ميلودي وقتا طويلا تجاري بلال في لعبة الاغواء لتكسب ثقته .صار لديها فكرة جيدة عن الطرق التي يجند فيها شبابا مسلمين، لكنها أرادت أن تعرف أكثر عن طريقة عمل "داعش".كانت تحاذر طرح اسئلة مباشرة، لكنها استغلت "سحرها" بالقضية لمعرفة مزيد من التفاصيل.وكلما تحدثا أكثر، كانت تشعر بأنها صارت اقرب الى بلال الذي تحدث عن "زواجهما".

زملاؤها بدأوا ينبهونها من التورط أكثر.صديقها كان يريدها أن تكون بمأمن ولكنه لم يكن يريد معرفة التفاصيل الا إذا ارادت السفر.ولكن عندما كان يصل الى منزلها ويجدها في جلباب ميلودي، كانت تشعر كأنها تخونه مع بلال.
ميلودي التي تخلى والدها عن والدتها عندما ولدت ولم تعش طفولة مثالية، كانت تبحث عن والد أكثر من حبيب.رجل يحميها وقوي بما يكفي ليعطيها الطاقة للحياة.شخص يمكنها أن تثق به.باختصار شخص ناضج كأبو بلال.صار يجسد جزيرة مرجانية في حياتها القاحلة. باتت ترى فيه الدواء الوحيد لاحزانها.

وفي المجلة، وضعت ميلودي مع رؤساء التحرير خاتمة للتحقيقات.أبلغت بلال أنها وياسمين سيلتقيانه في سوريا.شرح لها أن عليها الذهاب الى أمستردام ومنها الى اسطنبول حيث سنشتري بطاقة هاتفية مدفوعة سلفا.وما ان تتصل به من هناك يرسل اليها تفاصيل.

فعلا قررت ميلودي المضي قدما.ولكن بدل "ياسمين" قررت اصطحاب مصور معها سيلتقط صورا للمرأة التي قال بلال إنها ستستقبلهما. من اسطنبول ستذهب الى كيليس على الحدود السورية.هناك ستنتهي القصة بصورة لميلودي من الخلف تنظر عبر الحدود.وأخيرا ستنهي القصة هناك، أو على الاقل هذا ما خططت له.

في امستردام

بعد ايام كانت في امستردام مع المصور شارلي.تلقت اتصالا من بلال قال لها:"حبيبتي هل انت في اسطنبول .لا اصدق ذلك.ستكونين هنا قريبا.أنا اسعد رجل على الارض.أحبك زوجتي".لم يسبق لميلودي أن رأت بلال بهذه السعادة.كان وحده في مقهي انترنت.

قالت له انها سرقت البطاقة الائتمانية لامها لتشتري بطاقتي سفر عبر الانترنت.اخبرها أنها عندما تصل الى اسطنبول في اليوم التالي سيكون عليها شراء هاتف آخر والتخلي عن ذلك الذي اشترته في امستردام.وطلب منها أن تدفع نقدا، والا تمكنت الشرطة من تحديد مكانها.

وعندما سألته عمن سينتظرهما، قال إنه سيكون عليها التحرك وحدها وشراء بطاقتين للسفر داخل البلاد لان التنقل بالسيارة سيستغرق وقتا طويلا.

أخل بلال بتعهده.لن تكون ثمة امرأة في انتظارهما، ولكنه طمأنها الى أن "كل شيء سيكون على ما يراك.انت فتاة ناضجة.اليس كذلك يا زوجتي؟عشرات الاوروبيات يقومون بالرحلة اسبوعيا.يمكنك القيام بذلك يا لبؤتي".

أورفة

وعندما حاولت الاعتراض وتذكيره بوعده، رد بنبرة عصبية:"اصمتي دقيقة واسمعيني.عندما تصلين الى مطار اسطنبول اشتري بطاقتي سفر الى أورفة".


كان الذهاب الى أورفة انتحارا.ف"داعش" ناشط جدا هناك.لذا حاولت تحميله مسؤولية تغيير كلامه.

نبرة بلال تغيرت:"هل تعتقدين أنني أبله؟من الان وصاعدا ستخرسين.انا جزء من منظمة ارهابية ولا يمكنك أن تتحدثي معي بهذه الطريقة.الا تعرفين من أكون؟ أقود 100 مقاتل يوميا.لم أقل لك ربع الحقيقة.أنا مطلوب عالمياً.لهذا السبب لا أستطيع الذهاب الى مدننا في تركيا.استطيع السفر الى العراق فقط.أنت وصديقتك لن توقعاني".

قطعت المكالمة في شكل حاد.اتصلت ميلودي برئيسة التحرير وأخبرتها ما حصل،فطلبت منها انهاء القصة لان أورفة مكان خطر.وفي اليوم التالي عادت مع المصور الى فرنسا.


أرسلت رسالة عبر سكايب الى بلال قائلة له إنها وياسمين تشعران بأنهما مراقبتان، وأن عليهما العودة الى فرنسا.

كان في جعبة "الجهادية" كنز من المعلومات .فقد كشف لها بلال تفاصيل كثيرة عن هيكلية "داعش" والطريقة التي يعامل بها المجندون الجدد.بدأت الكتابة لكن النشر تأخر الى حين الحصول على استشارة قانونية.

اين أنت ايتها العاهرة؟

هاتفها الهولندي كان متخما بالرسائل، وأبرزها:"اين انت ايتها العاهرة الصغيرة؟اقسم بالله أنني ستدفعين الثمن".

أوقفت ميلودي كل حساباتها، في ما عدا "سكايب" وأرسلت الى بلال رسالة أخيرة تعتذر فيها لئلا تثير الشبهات.لم تكن تنوي اعادة الاتصال به، ولكنها ارادت أن تبدد غيظه.


بعذ ذلك باسبوع، ارسلت المجلة المقال الى الصحف تحت اسم مستعار.ولكن بالنسبة الى انا ايريل لم يكن هذا الامر الا البداية.خوفا من تعرف الارهابيين على عنوانها وهويتها الحقيقية طلبت السلطات منها مرتين تغيير رقم هاتفها.بدلت شقتها ايضاً ،ومنعت من الكتابة عن "داعش" وشبكاتها.اجراءات أمنية كبيرة اتخذت في مكان عملها.

طلبت الشرطة منها ابقاء حساب ميلودي على سكايب من أجل مزيد من التحقيقات، ولمراقبة التهديدات لها.لم تكن تتحقق منه دائما، وأحيانا عندما تفعل كانت تجد رسائل مخيفة.احدى هذه الرسائل كانت من فتاة ادعت بأنها زوجة بلال وكانت ترسل رسائل تهديد مليئة بالشتائم.

وعندما بدأت هويتها الحقيقية تظهر في بعض الملفات، طلب قاضي في مكافحة الارهاب الاستماع الى شهادتها.بعض التقارير أفاد أن بلال قتل، ولكن فروعا عدة للشرطة أكدت أنه لا يزال على قيد الحياة.

فتوى ضدها

كان ملفه كبيرا في فرنسا.ارتكب جرائم عدة تراوحت بين السرقة والسطو المسلح، قبل مغادرته الى سوريا.عام 2003 صار جهاديا ناشطا في المعركة ضد الغزو الاميركي للعراق.هناك التقى ابو بكر البغدادي وبقي قريبا منه.وبين 2009 و2013 وبعد رحلات عدة الى افغانستان وباكستان وليبيا عاد الى روبيه في فرنسا من دون علم أحد.وظهر على الرادار مجددا عام 2013 عندما رصد في تركيا.لديه ثلاث زوجات اعمارهن 20 و28 و29 سنة، وهن معه في سوريا.هو اب لثلاثة اولاد على الاقل دون سن الـ13.اثنان منهم يقاتلون على الجبهة في سوريا.

صحافية صديقة لها اتصلت بها لتخبرها أنها علمت من مصادر مطلعة أن ثمة فتوى ضدها.أمضت ساعات تفتش على الانترنت.وجدت فيديو يظهرها بحجاب ميلودي على الكنبة.لا صوت في الشريط، وإنما رسوم كاريكاتورية لشيطان مع ترجمة بالفرنسة والعربية.شاهدت الفيديو مرة ولكنها تتذكر كل كلمة فيه.لكنها لا تنوي مشاهدته مرة أخرى.