خبر : القوميون حسموا الانتخابات التركية.. ماجد عزام

الإثنين 09 نوفمبر 2015 08:04 ص / بتوقيت القدس +2GMT




جاءت نتائج الانتخابات التركية البرلمانية مفاجئة إلى حدّ ما، ورغم التوقعات المسبقة بفوز حزب العدالة والتنمية إلا أن أحداً لم يتوقع أن يحصل على 50 بالمائة تقريباً من أصوات الناخبين وزيادة شعبييته تسعة بالمائة تقريباً في غضون 5 شهور، علماً أنه حاز 41 بالمائة فقط في انتخابات حزيران الماضي. وبينما حقّق الحزب العدالة هذا النجاح المذهل تراجعت الأحزاب القومية التركية والكردية بشكل كبير، وكما توقعنا سابقاً فقد حسمت الأصوات القومية من الناحيتين نتيجة المعركة الانتخابية، وأدت إلى هذا الانتصار الكبير والساحق للعدالة والتنمية..
إذن حقّق حزب العدالة قفزة نوعية خلال خمس شهور فقط، هي الفترة الفاصلة بين انتخابات حزيران وانتخابات نوفمبر، كونه استخلص العبر كما ينبغي من الانتخابات الأولى وفهم جيداً الرسائل التي سعى الناخبون لإرسالها آنذاك.
ضمن فهم الحزب الفائز لرسائل حزيران توارى أو ابتعد الرئيس رجب طيب أردوغان عن واجهة الحملة الانتخابية الأخيرة، وقاد رئيس الوزراء زعيم الحزب أحمد داوود أوغلو حملة انتخابية حزبية ناجحة مع إبعاد لبند النظام الرئاسي المثير للجدل عن جدول الأعمال كون الناس لم يحبّوه أو لم يتحمّسوا له، كما ينبغي مثلما اتضح جليّاً من انتخابات الصيف الماضي.
في سياق متصل فهم الحزب نتيجة انتخابات حزيران، كرغبة من الناس في تشكيل حكومة ائتلافية جامعة، وقدّم روايته حول أسباب فشل المفاوضات الائتلافية واستغلّ جيّداً إعلان حزب الحركة القومي اليميني منذ مساء السابع من حزيران عن رفضه المشاركة في حكومة ائتلافية مع العدالة، وهو نفس ما فعله حزب الشعوب الديموقراطي رغم تحفظ الزعيم الكردي المعتقل عبد الله أوجلان وشرح حزب العدالة للناس ببساطة وصراحة أنه كان جاد في مفاوضاته الائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري، الذي قدّم مطالب وشروط شبه تعجيزية تنسف كل إنجازات حزب العدالة خلال العقد الماضي في الداخل وتتماهى أكثر مع سياسات وتوجهات الحلف المعادي لتركيا في الخارج، وواضح طبعاً أن الجمهور صدّق رواية الحزب وكافأه مكافأة كبيرة ورفض رواية أو مزاعم المعارضة وعاقبها عقاب صارم وقاسي في صناديق الاقتراع.
غيّر حزب العدالة كذلك تكتيكاته واستراتيجيته الانتخابية بالكامل، حيث أعاد تشكيل لائحة مرشحيه لتكون أكثر قبولاً، خاصّة في المناطق الكردية. وأنجز تفاهمات مع زعماء وقادة العشائر ولم يتركهم نهباً لاستفراد وتهديدات حزب العمال الكردستاني، كما ركّز أكثر على ما سيفعله، وليس ما فعله؛ ولم يهتم كثيراً ببرامج الأحزاب الأخرى، بل جعل الأحزاب تهتم ببرنامجه هو، كما جرت العادة في الانتخابات طوال العقد الماضي.
لا يقل أهمية عمّا سبق تقديم حزب العدالة لنفسه بصفته الحزب الوحيد القادر على قيادة تركيا وإعادة الاستقرار السياسي الاقتصادي الأمني لها، متّهماً أحزاب المعارضة بالمسؤولية عن حالة عدم الاستقرار لرفضها تشكيل ائتلاف مستقر، كما لرفضها الإدانة القاطعة والحاسمة للإرهاب بل وتساوق بعضها مع الرواية الخبيثة للحشد الشعب الإقليمي وداعميه الدوليين عن علاقة الحكومة بتنظيم داعش في ابتزاز صارخ لها أي للحكومة للانخراط في الحرب ضد التنظيم بغض النظر عن مصالحها القومية، ما أثار نقمة الناخبين وأدّى تصويتهم الجارف لصالح الحزب الفائز.
مقابل هذا التقدم الكبير للعدالة والتنمية حصل تراجع كبير في مكانة الأحزاب القومية حزب الحركة القومية ذا التوجهات القومية التركية، وحزب الشعوب الديموقراطية ذا التوجهات القومية الكردية.
فقد حزب الحركة في انتخابات نوفمبر ربع قوّته الشعبية - نال 12 بالمائة بدلاً من 16 في انتخابات حزيران - ونصف مقاعده البرلمانية – حصل على 40 مقعد مقابل 80 في حزيران - 38 مقعد من الـ40 التي فقدها ذهبت لحزب العدالة في عقاب واضح من الناخبين للحزب، كما تفضيلهم لحزب يميني أو يميني وسطي قوي بدلاً من حزب يميني ضعيف لا يستطيع التأثير أو المشاركة الجدّية في صنع الأحداث وتوجيهها.
أما حزب الشعوب الكردي فقد2.5 من شعبيته تعادل مليون صوت تقريباً - نال 10.8 مقابل 13.3في حزيران - وربع قوته البرلمانية - نال 59 مقعداً بدلاً من 80 في حزيران - ذهبت 17 مقعداً من المقاعد الـ21 التي فقدها إلى حزب العدالة والتنمية في ابتعاد واضح من الناخب الكردي أو شريحة مهمة منهم عن الحزب الذي أعطوه ثقتهم في انتخابات حزيران من أجل الانخراط في عملية السلام ضمن مؤسسات الدولة، فإذا به ينحاز إلى عسكر جبال قنديل ويتماهى مع السياسات الانفصالية للحشد الشعبي الكردي في سورية، ما ارتد سلباً على أوضاع الجمهور الكردي بعد عقد تقريباً من الاستقرار السياسي الاقتصادي والاجتماعي، علماً أن شريحة مهمة جداً أبقته تحت قبة البرلمان لإعطائه فرصة أخرى في ممارسة العمل السياسي، ولعب دور في العملية السلمية والديموقراطية بعيداً عن العنف والعمليات المسلحة.
حزب المعارضة الرئيس أي حزب الشعب الجمهوري زاد قوّته بنصف بالمائة فقط، رافعاً عدد مقاعده إلى 134 مقعداً بدلاً من 132 في حزيران، وبشكل عام نحن أمام هزيمة كبرى لحزب معارضة يفترض أن يسعى إلى استبدال الحزب الحاكم أو على الأقل منعه من تشكيل الحكومة منفرداً، وهو ما فشل فيه الحزب للمرة الثالثة، علماً أنه تحت قيادة زعيمه الحالي كلتشدار أوغلو خسر 5 سباقات انتخابية في مواجهة حزب العدالة، ورغم ذلك لم يبادر زعيمه إلى الاسقالة غير أن هذه المرة قد تكون مختلفة وحتماً ستزداد الضغوط عليه من أجل المغادرة طوعاً أو كرهاً.
عموماً حصل حزب العدالة تقريباً على نفس النسبة التي نالها في العام 2011، وكأن الناخبين يعبرون عن رغبتهم في العودة لسنوات الاسقرار، والنهوض الأربعة السابقة على انتخابات حزيران، وهو ما فهمه زعيم الحزب وقادته الآخرون، عبر التأكيد على المضي قدماً في الخطط والمشاريع الاقتصادية والتنموية العملاقة، كما في التوزيع العادل للثروة بين المحافظات، وإعادة الاستقرار السياسي الاقتصادي الأمني للبلد في الداخل، والدفاع عن مصالحها، كما ينبغي تصويت في الخارج أيضاً.
ضمن فهمه لرسائل ودلالات تصويت نوفمبر دعا حزب العدالة قادة المعارضة والأحزاب الأخرى إلى الحوار من أجل التفاهم حول صياغة دستور مدني ديموقراطي جديد، دون التطرّق مباشرة إلى قضية النظام الرئاسي، مع التصميم على المضي قدماً في عملية التسوية والسلام الداخلي، ما يستلزم بالضرورة توافق حول دستور جديد، ولكن الأمر لا يبدو مستعجلاً، ولن يتم استئناف عملية التسوية أو الخوض في الحوارات حول الدستور الجديد، قبل إعادة الهدوء والأمن إلى البلاد، وإلقاء حزب العمال للسلاح، والإقلاع تماماً عن ذهنية العسكرة والعنف أو المراهنة على التغييرات الإقليمية لابتزاز الحكومة أو إعادة فكرة الانفصال إلى جدول الأعمال المحلي والإقليمي.
رئيس تحرير نشرة المشهد التركي