خبر : الدولة في العالم العربي (١) ...محمد ياغي

الجمعة 06 نوفمبر 2015 05:57 م / بتوقيت القدس +2GMT





الإعلام الغربي عموماً ليس محايداً في نقله للأحداث الجارية في فلسطين.
الأحداث في فلسطين إلى حد بعيد غير موجودة وعندما توجد يتم وضعها في إطار أعمال عنف يرتكبها الفلسطينيون ضد الإسرائيليين أو في إطار أعمال عنف متبادلة بين الجانبين. كلمة الاحتلال دائما مُغيبة من الخَبر.
لكن اللافت أكثر للانتباه هو أن أخبار فِلسطين تُنقل في إطار تغطية أخبار منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، حيث نجد في نفس النشرة الإخبارية وعلى التوالي: مقتل العشرات في سورية، ومثلهم في العراق واليمن وليبيا، وفي بعض الأوقات تكون مصر والصومال وتونس ضمن النشرة لتغطية أحداث قتل جماعية حدثت فيها.
مجرد نقل أخبار فلسطين في سياق ما يجري في العالم العربي من أعمال قتل مُروعة مع تغيب ذكر كلمة الاحتلال كاف بذاته في تبرئة الاحتلال مما يجري.
إذا أضفنا لذلك أن أعمال القتل في البلدان العربية أكبر كماً وأكثر رعباً، يمكننا أن نفهم أولاً ضعف التغطية الإعلامية الغربية لما يجري في فلسطين، وثانياً ما هو وَقعْ طريقة التغطية نفسها على المواطن الغربي.
هذه المقدمة تفتح الباب لعدد من الأسئلة لعل أهمها لماذا لا يتم ذِكر كلمة الاحتلال في سياق التغطية الغربية لما يجري في فلسطين؟ ولماذا كل هذه الدماء في العالم العربي؟
سأترك فلسطين جانباً لأن مصيرها مرتبط شِئنا أم أبينا بما يجري في العالم العربي.
الفلسطينيون وحدهم لن يتمكنوا من تحرير أرضهم، الجغرافيا لها أحكام قاطعة، حاسمة، لا يمكن تجاوزها دون مُعجزة إلهية.
حزب الله حرر جنوب لبنان المحتل بسبب وقوف سورية وإيران إلى جانبه. لو لم توجد سورية لما تمكنت إيران من دعمه فعلياً حتى لو أرادت. فلسطين ليست كذلك.
لماذا إذا كل هذه الدماء في العالم العربي؟
يمكن تبسيط المسألة بالقول إن أنظمة الاستبداد في العالم العربي لا يهمها إلا نفسها وحتى لو قُتِل الملايين من شعوبها هي لن تكترث لأنها في نهاية المطاف تخوض حرب بقائها. لكن هذا الاستنتاج قائم على فرضيتين:
الأولى أن الشعب موحد في موقفه من أنظمة الاستبداد، بمعنى أنه يقاتل هذه الأنظمة كجسم واحد وأن النظام وقواعده الاجتماعية في خندق واحد.
الثانية أن الأهداف المعلنة للطرف الذي يمثل الشعب موحدة وقائمة ليس فقط على مبدأ إسقاط النظام ولكن أيضاً على الاتفاق على النظام الذي سيتم إقامته بعد إسقاط النظام القائم.
الواقع فيما يتعلق بالأولى يقول إن الثنائية غير موجودة.
لا الشعب موحد في مواقفه ولا النظام يمثل فقط قواعده الاجتماعية.
من يقاتلون الأنظمة في سورية والعراق وليبيا ومصر واليمن جماعات لا رابط بينها غير رغبتها في إسقاط أنظمة هذه الدول وهو رابط لا يكفي حتى لمنعها من تقتيل بعضها البعض كما نشاهد في عدة منها.
وحتى تلك التي لا يقتلون فيها بعضهم البعض كما في اليمن - مثلاً، لا نسمع عن قتال بين جماعات حزب الإصلاح اليمني وجماعة هادي والقاعدة وجميعهم يحارب لإسقاط التحالف الحوثي - الصالحي - فإن السبب ربما يعود لعدم وجودهم في منطقة واحدة.
بمعنى لا يوجد بينهم احتكاك مباشر وعند وجوده ربما نشاهد حالة مماثلة لما يجري في سورية.
النظام أيضاً لا يمثل قواعده وحدها، في سورية مثلاً كل من يخشى على نفسه من المعارضة يقف مع النظام، ليس فقط من العلويين، لكن جماعات كبيرة من السنة والمسيحيين أيضاً.
ما يتعلق بالثانية، عدم وجود وحدة بين أطياف المعارضة في أهدافها المعلنة لإسقاط الأنظمة التي تحاربها فإن المسألة لا تحتاج لدلائل عديدة.
في سورية مثلاً هنالك العشرات من المجموعات المسلحة. كل مجموعة تتمكن من وضع يدها على قرية سورية تقوم بالإعلان فيها عن نظامها الخاص المتعلق بالأحوال الشخصية وجمع الضرائب والأمن، وتصل المسائل في العديد منها إلى تحديد شكل علاقة الناس في تلك القرية بخالقهم.
في ليبيا ومصر واليمن والعراق لا يختلف الحال وإن كانت درجة وضوحه أقل من سورية.
باختصار، المعارضة غير موحدة في أهدافها وهو ما يعني حتماً أن سقوط أيٍ من أنظمة الاستبداد ليس نهاية حمام الدم فيها، وإنما البداية لأعمال قتل جديدة لا يمكن التنبؤ بحجمها والمدى الزمني الذي ستأخذه، لكننا نعلم بأنها ستكون دموية ومرعبة.
الادعاء بأن وجود أنظمة الاستبداد وحده هو ما يفسر هذا الحجم من سفك الدماء في العالم العربي لا يكفي لتفسير الظاهرة.
أنظمة الاستبداد هي عامل وهي عامل مهم لكنها وحدها لا تلقي ضوءاً كافياً على الظاهرة.
يبدو لي أن السبب الحقيقي لظاهرة العنف الغزير، أو بدرجة أدق، لظاهرة المذابح التي يشهدها العالم العربي أن السبب يعود إلى أن الدولة كظاهرة، كمؤسسة اجتماعية، لتنظم حياة الأفراد والعلاقات فيما بينهم هي مُسقَطة على العالم العربي وليست وليدة تطور طبيعي لعلاقات الإنتاج في هذه الدول.