خبر : حرائق البيئة لا تكفيها دموع التماسيح ...هاني عوكل

الجمعة 06 نوفمبر 2015 05:56 م / بتوقيت القدس +2GMT





يصادف السادس من تشرين الثاني كل عام، اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية، استناداً إلى قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2001، الذي شدد على ضرورة المحافظة على الطبيعة من أجل الأجيال المقبلة.
مع الأسف الشديد كانت البيئة دائماً الحلقة الأضعف في مسلسلات الحروب التي شنتها عدد من دول العالم ضد بعضها البعض، فلا حاجة مثلاً للحديث عن الحربين العالميتين الأولى والثانية ومجموع الكوارث التي نجمت عنهما، ولا حاجة للاستطراد في القنبلتين النوويتين الأميركيتين اللتين قتلتا مئات الآلاف، فضلاً عن تدمير البيئة ومرافق حيوية وبنى تحتية لليابان.
كافة الحروب التي وقعت وتجري الآن، تُدفع خلالها أثمان باهظة، إذ ليست هناك حرب توزع الورود أو تخرج منها بلدان بسلام ودون أن تنتهك طبيعتها ومرافقها، فالحرب التقليدية او تلك الحديثة ليست موجهة ضد طرفين فحسب، وإنما ضد كل ما يقع داخل جغرافية البلد، من سكان وأرض وبحر وجو.
ما يجري الآن في سورية على سبيل المثال إنما هو فعل بشري ينتقص من البيئة والطبيعة السورية، والوقائع تثبت أن الإنسان هو المهدد الأول للطبيعة، خصوصاً وأن كافة الدول اليوم بدأت تتراكض وتتداعى من أجل الاتفاق حول الحد من التغير المناخي الذي تغول بفعل سياسات الدول المتقدمة.
الدول الصناعية والحديثة الكبرى نتيجةً لتوسعها وتوسع نفوذها، أقدمت على إقامة مشروعات تنموية كبيرة جداً، لكنها أيضاً سلبية من حيث التأثير على المناخ، وكافة التقارير اليوم تقول إن هذه الدول التي تضم على رأسها كلا من الولايات المتحدة الأميركية والصين والهند وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا... إلخ، تؤثر مشروعاتها الاقتصادية سلباً على المناخ.
وإلى هذه اللحظة لم تبذل هذه الدول وأخرى كثيرة مثلها، الجهد المطلوب في سبيل الحد من التغير المناخي، مع العلم أن ممارسة الأنشطة المشروعة الضارة وتلك غير المشروعة، من شأنها أن تستنزف من طاقة الكرة الأرضية على التحمل، في ظل التطور السكاني والعمراني وتحديات التنمية.
أضف إلى ذلك أن كافة الدول التي تدخل في صراعات مع بعضها البعض، آخر شيء تفكر فيه هو الحفاظ على البيئة، ذلك أنها تستخدم الأسلحة الفتاكة والمتطورة التي تدمر البيئة، هذا غير التدخل العسكري الذي يستتبعه كلف كبيرة على سلامة البيئة العامة.
العراق اليوم وبعد غزو أميركي مصلحي، يحتاج إلى عشرات السنين حتى يعود إلى ذلك العراق الواقف على أرجله، ويحتاج أيضاً إلى مثل تلك السنوات لإزالة مخلفات الغزو الأميركي، لكنه لن يستطيع إزالة ما نتج عن الأسلحة البيولوجية الأميركية التي أصابت العراقيين وأنتجت أمراضاً سرطانية خطيرة.
والحال في سورية كذلك، وسط نزاع صعب ومعقد يأخذ معه الأخضر واليابس، لأن جل ما يفكر فيه فرقاء النزاع هو تحقيق حسم عسكري بصرف النظر عن الكلف التي تدفع، الأمر الذي استنزف من البنية التحتية السورية وأصاب البيئة في مقتل.
والحال نفسه في كثير من دول العالم، من حيث تدمير البيئة على حساب تحقيق الانتصارات العسكرية، فهذه السودان مثلاً، التي تمتلك قدرات سلة غذائية يمكنها أن تصدر للوطن العربي، ليس أمامها من خيار في ظل هذا المستوى من الحكم والتناقض الشخصي الضيق، سوى أن تحقق مصالحها ضاربةً بعرض الحائط كل ما يتعلق بالبيئة وسلامتها.
وأما نموذج الاحتلال الإسرائيلي فهو حاضر بقوة في مشهد التنكيل بالبيئة الفلسطينية وتلويثها ضمن مخطط استهداف الفلسطينيين وجعل حياتهم أشبه بالكابوس، من أجل دفعهم للرحيل عن وطنهم تحت تهديد السلاح والعدوانات المستمرة وخلق بيئة طاردة ومضرة للصحة.
لقد عملت إسرائيل طوال عمرها الاحتلالي، على تدمير البيئة الفلسطينية بشكل ممنهج وتدريجي، وإفقار الفلسطينيين مائياً وغذائياً وتنموياً، إذ كان كل عدوان إسرائيلي على أي منطقة فلسطينية، يأخذ معه الأخضر واليابس ويدمر كل شيء أمامه.
الأراضي الفلسطينية شُوهت و»تصلّعت» والغطاء النباتي منحسر إلى حد كبير، ولم تكن كسابق عهدها تتزين بأشجار الزيتون والبرتقال والليمون... إلخ، والخزان الجوفي الفلسطيني ينضب بشكل تدريجي بسب سرقة الاحتلال للمياه الفلسطينية، فضلاً عن اختلاط هذا الخزان بعوادم ونفايات المستوطنات وما يرشح عنها من مواد صلبة وسائلة سامة.
يكفي الاستدلال بإحصائية حديثة صادرة عن معهد الأبحاث التطبيقية «أريج» الذي ذكر أن المياه العادمة التي تُصرِّفها المستوطنات الإسرائيلية في أراضي الضفة تبلغ سنوياً حوالي 54 مليون متر مكعب، الأمر الذي يهدد سلامة التربة والمياه الجوفية فضلاً عن عديد المنشآت الفلسطينية.
مثل هذا السلوك الإسرائيلي الشائن إنما تعبير عن سياسة إسرائيلية تستهدف إضعاف الأداء الفلسطيني وإلحاقه بالاقتصاد الإسرائيلي، من حيث الاعتماد على صادراتها من الزراعة والصناعة والسلة الغذائية وحتى المياه والعديد من المنتجات الأخرى.
أيضاً لذلك علاقة برغبة إسرائيلية في اعتبار الأراضي الفلسطينية منطقة غير آمنة بيئياً، لا تسمح بالتمدد والتواصل الجغرافي الفلسطيني الذي من شأنه أن يمكنها من قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ولذلك تعمل إسرائيل على الأرض من أجل ضرب كل المقومات التي يتعكز عليها الفلسطينيون بهدف إقامة دولتهم.
كذلك الحال بالنسبة للاستخدام المفرط وغير الشرعي للسلاح ضد الفلسطينيين، إذ هناك أسلحة إسرائيلية كثيرة محرمة دولياً ويجري تجريب الجديد منها على الفلسطينيين، ومثل هذه الأسلحة ليست خطيرة على هؤلاء فحسب، وإنما على البيئة العامة أيضاً.
مع ذلك فإن الأمم المتحدة لا تمتلك أكثر من الاحتفال باليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات الدولية، فقد سكتت طوال سنوات عن العدوان الإسرائيلي على البيئة الفلسطينية، أو دعونا نقول إنها لم تستطع لجم إسرائيل لوقف مثل هذه السلوكيات التي تتنافى مع القوانين الدولية.
والحال أن الكل يتطاول و»يستزلم» على البيئة التي صارت اليوم أكثر حساسية من أي وقت مضى، وعرضةً للتأثر السريع من جراء التطور الدولي المتسارع غير المحسوب، خصوصاً وأن الكوارث الطبيعية لم تعد كذلك كما كانت عليه في السابق، بل إن تدخل الإنسان وسلوكياته الخاطئة أسهمت في زيادة هذه الكوارث.
ويبقى القول إن العالم لم يستفد بعد من تجارب الماضي الضارة بالبيئة، مع أن دروس هذه التجارب المأساوية باتت واضحةً وما تحتاجه هو ربطها بفعل صحي مدروس وقائم على ترشيد الاستهلاك العام والحفاظ على البيئة لضبط حالة المناخ، وتجسيد الشراكة الدولية منعاً لنشوب صراعات صغرى أو كبرى.
وما لم تتحول نداءات ومنتديات العالم حول البيئة إلى إجراءات عملية، فسيظل يحرق بيئته. وما لم يتم ردع المعتدين فستظل الصراعات التي يشعلونها تأكل الأخضر واليابس. فهل يفيق العالم أم يظل الحريق مشتعلاً.

Hokal79@hotmail.com