يقول الحكماء أن الأمم تجدد نفسها بتعاقب الأجيال، حين يندثر جيل الجبناء ويكبر جيل الابطال تستعيد الأمم أمجادها من جديد.
وقالوا أيضا أن جيل الهزيمة 1948م سيندثر لصالح جيل الأبطال 1987م، الذين لم يعودوا يخافون من الدبابات والمجنزرات والمصفحات، ولم يعودوا يأبهون للجنود المدججين بالأسلحة، ولا للمواقع المحصنة بالألغام والكاميرات وكلاب الحراسة، ولم يعودوا يكترثون لعدد السنوات التي تحكم بها عليهم محاكم العدو الجبان، فصفقات التبادل نسفت الأحكام، وضغطت مئات السنين لتصبح عاما أو بعض عام.
تلاشت صور الجنود المنتشرين في طوابير الموت على طول وعرض سيناء، حفاة من السلاح عراة من شهامة القيادة التي أشبعت العدو شتما فيما فاز هو بالبلاد والعباد، لصالح الشجعان الذين باتوا يواجهون العدو من نقطة الصفر، ليس بالبنادق والسلاح فقط كما في حرب ال51 يوما، بل بسكين المطبخ في شوارع ومدن الضفة البطلة.
واصحبت من التاريخ الذي يجب ان ينسى صور الشباب الذين كانوا يقطعون اصابعهم الضاغطة على الزناد، لينالوا إعفاءً من الجندية، لصالح صور الأمهات اللواتي يزنرن ابناؤهن بالموت الزؤام للعدو، ويزفونهم نحو الشهادة.
تبخرت روايات الجنود الذين دفنوا أسلحتهم مع ملابسهم العسكرية، وتخفوا بملابس النساء فرارا من مواجهة العدو الذي استباح الأرض والعرض، لصالح الأبطال الجدد الذين نبشوا الأرض بالأنفاق ليخرجوا له بالموت الزؤام.
في المقابل، اختفى من صفوف العدو الجيل الذي صنع الإنتصار، وداس كرامة الأمة بمجنزراته وهو يستبيح حمى مدينة القدس والمسجد الأقصى، وتوارى الجيل الذي صنع المجازر من كفر قاسم مرورا بدير ياسين وليس انتهاءً بصبرا وشاتيلا، دون أن يخشى الله أو انتقام الأمة الغافلة.
لصالح جيل بات يمشي في الشارع ورأسه إلى الخلف خوفا ورعبا من طعنة بسكين، أو دهسه بسيارة، جيل بات 80% منه يخشى الخروج من المنزل أو ارتياد التجمعات البشرية رعبا من العمليات الفدائية، جيل باتت الخدمة في غزة لديه رحلة إلى الجحيم.
تبدلت الأجيال، وانقلب الصورة، وبتنا نشهد حالة تبادلنا فيها مع العدو الأدوار، فجنوده المثقلون بالسلاح في غزة باتوا مرعوبين من فتحة نفق في الأرض ترسلهم إلى القبر عبر الطريق السريع، وجنوده المدججين بالخوف في الضفة والقدس باتوا عاجزين أمام سكين مطبخ ترسله إلى الموت من نقطة الصفر.
عندما قامت "إسرائيل" كانت دول العرب مرعوبة من تمدد هذا الكيان نحو حدودهم، فأنشأوا بما سمي بدول الطوق، ليس لحصار هذا الكيان، ولكن لحمايته من الفدائيين أملا في أن يحفظ هذا الكيان عليهم عروشهم وكراسيهم.
أما اليوم فإن هذا الكيان يحيط نفسه بالجدران، ويزيد من تحصيناته حتى داخل حدوده، ليس خوفا من دول الطوق ولكن رعبا من رجال باتوا يرون في الموت اسمى أمانيهم.
ليست حماس وحدها من نال شرف هذا التحول، بل ناله كل من حمل البندقية في وجه الكيان، وكل من دعم المقاومة وخيارها ولو بكلمة.
فما بنته المقاومة على مدار أكثر من 60 سنة، لن تهدمه لا كلمة ولا أرطال من منشورات وبيانات المثبطين والمخذلين، فدعوا الإنتفاضة تمضي فإنها مأمورة، فالعد التنازلي لزوال "إسرائيل "قارب على الإنتهاء.