خبر : الانتفاضة الثالثة (4): خطاب الرئيس ... حسين حجازي

السبت 31 أكتوبر 2015 09:24 ص / بتوقيت القدس +2GMT





حين يكتب التاريخ فيما بعد قصة هذا الفصل الأخير من معركة الفلسطينيين لنيل الحرية والاستقلال , والتي تدور رحاها في أيامنا هذه سوف تذكر الخطابة الراعنة لممثل الوطنية الفلسطينية , الرئيس محمود عباس , بوصفها الذروة الحاسمة بالكلمات على خطى هذا السير الطويل ولكن الذي يشبه الدفق العظيم في نهاية هذا الطريق .
ها هو يلقي بيانه شأن جميع الرسل والمقاتلين الثوريين والمخلصين السابقين، أولئك المحرضين العظام على المستقبل باسقاط ثمرة الفساد , وقد يبدو كما لو انه الجملة القوية على الاّذان والسمع ولكن التي كان ينتظر ان تقال , وها هي اليوم تقال .
هل كان هذا تحريضا؟ نعم كان تحريضا . وهل هو نفسه يخرج من حجب اللسان ليبرئ ويتطهر من صمته على مدى ردح من الزمن , من كظم هذا الغيظ وتوريته او لعله صبر أيوب او انفعال كلاوزفيتز العميق ؟ لكيما يستطيع القيام بدوره الأخير كمحرر لهذه الثقالة والحجب على اّذان العالم . وهيا اذن لكيما يتحرر الممثلون الاخيرون للجنس البشري في هذا العالم , من هذا العار القوي سماعه في الاذن، ولكن الذي ينتظر الجميع قوله، كما يقول نيتشة .
اوكان تحريضا ؟ نعم ولكن اما وإذ كنت لا تقرأ التاريخ أيها الممثل الأخير لهذا العار , وتواصل احتلالك لشعب اكثر عراقة وثقافة واقدم منك هوية واعتدادا ورسوخا بتقاليده وحضارته على هذه الأرض , حتى الى هذا الزمن في القرن الواحد والعشرين .
فهل كان موسى وعيسى ومحمد وهم ارثنا التاريخي والثقافي نحن الا محرضين على هذا المستقبل؟ الذي لن يأتي ويولد من باطن الحاضر الا بعد ان تسقط هذه الثمرة الفاسدة تحت تأثير قوة هذا التحريض . وهل كانوا الا محرضين ثوريين أولئك جميعهم من قادوا ثورات شعوبهم , للانعتاق والحرية من اغلال الاحتلال والعبودية ؟ غاندي وجيفارا ومانديلا وهوشي منه ولينين وحتى سقراط وارسطو . لكن السؤال الهازئ حقا هو "ماذا تعرف عن المنطق يا مرسي؟" اذا كانت مفارقة الواقع وغرابته تقودنا بالاخير او تحيلنا الى هذا القدر من المحايثة مع العقل أي الى الفانتازيا .
ان جميع المستعمرين والغزاة كانوا يعانون من هذا المرض الانفصال عن الواقع والمحايثة مع العقل , ولذا لا يجب ان نمضي طويلا في هذا السجال اذا كان الأولى بأهتمامنا , وما دمنا بصدد الحديث عن دور الخطابة ان نتحدث او نولي الاهتمام اكثر لاخطائنا نحن , اذا كان لي ان استعيد روح خطابة براكليس زعيم أثينا الى الاّثينيين , والتي نقلها المؤرخ ثيوسيدس . والمسألة مرة أخرى هنا ليس في تقديم الدروس للانتفاضة , فهذه الانتفاضة هي التي تعلمنا الدروس نحن الخشبيون والنمطيون في افكارنا . وانما بشان ما يجب ان نقطعه مع تقاليد بالية وسخيفة في سياساتنا وادائنا الإعلامي لهذا الاعلام على حد سواء .
وانا اسال مديري محطات الإذاعة الغزية وهي جميعا منتشرة كالفطر ومسموعة أيضا من لدن الجمهور الغزي . هل يعقل يا اخوان الا تقوموا باذاعة خطابات الرئيس على الهواء مباشرة في الحين والتو ؟ وينطبق هذا أيضا على جميع المؤتمرات والندوات السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والحراك حولها ؟ اما يجدر بنا أيها الاخوة الزملاء ان نتعلم أخيرا كيف نصوغ سياسيات إعلامية تليق بمستوى وعينا ونضجنا ومكانة قضيتنا الواحدة ؟ وان نمارس هذا الأداء الجميل والخلاق في الارتفاع فوق تنوعنا وتعددنا السياسي وحتى الأيديولوجي , لكيما لا نجعل الخلاف يفسد للود قضية؟.
أذيعوا أولا الاقوال والخطابات كما ترد من مصادرها وخصوصا حينما تقال في ذروة مناسبات او منعطفات دقيقة وحاسمة , في أوقات كالتي نمر بها الاّن . وأتوا بمن شئتم من المعلقين والمحللين ليكيما تناقشونها وتقيمونها . وفي ذلك يمكن التعلم من المدرسة اللبنانية العريقة وحيث الكل يختلف مع الكل , ولكن مواقف الخصوم تجد دائما طريقها للنشر كما هي على صفحات جرائد الخصوم واذاعاتهم . واليوم مجددا واكثر من أي وقت مضى لايمكننا ان نواصل هذه الإدانة والنواح الإعلامي على الانقسام , ما لم نبدا في التفوق على هذا الانقسام أولا في الممارسة الإعلامية والخطاب الإعلامي .
ولقد كان الشقيري وعرفات كلا على طريقته خطيبا , الأول دبلوماسي ومحامي ضليع ينتمي الى عصر الخطابة القومية العروبية في وهج ازدهارها زمن عملية نزع الاستعمار , التي كانت ملهمة لثورات الشعوب العربية . اما الثاني فكان شعبويا ووطنيا خالصا ولكن تعبويا بامتياز , ولكن هنا وعند هذه الذروة غير المسبوقة من ارتباطه الشخصي بمعركته هو نفسه ربما الأولى والأخيرة , لعلنا نكتشف موهبته الفذة كخطيب لا يشبه سلفيه على حد سواء . فهل اقترنت الخطابة منذ كتب ارسطو وافلاطون كتابيهما الشهيرين عن "الخطابة" و"الخطيب" بالحرب , باعتبارها هي فن الذكاء القيادي بامتياز , قيادة الرتل والقافلة في الطريق الصعب على المنحنيات والتي تعيد رسم وتصوير خفقانها بالكلمات .
هذا خطيب في زمن نضج ثورة الفلسطينيين المتطاولة فصولها، كما حركة بل موسيقى إيقاع تقلبات النهار، لا يلجأ الى التورية والاستعارات البلاغية وكل صنوف ومخزون محسنات البديع , وانما الى اللغة المجردة المباشرة والصريحة بوصفها هي العملية الأولية، ولكن التأسيسية والكبرى التي تبنى عليها الاحلام كما يقول فرويد . وهل لهذا السبب أي لهذا المبنى من الكلام استحق الرجل في كل مرة هذا القدر من الوقوف والتصفيق من لدن كل هذا الجمع من ممثلي العالم ؟.
ولكن متى أيها القديس اوغسطين كانت الكلمات بوصفها قوة الروح القوة الناعمة , تقدر على تحريك الأرض والسماوات وتتفوق على قوة السيف ؟ والجواب امس واليوم وغدا حينما تقترن هذه الكلمات بصوت مزلزل اّخر ، هو صيحة شعب يقولها في نفس الوقت بصوت عميق " انا الشعب انا الشعب لا اعرف المستحيل " , وهنا في هذا الحين فقط انما تكتسب الكلمات قوتها السحرية سحرها الذي يهزم السيف .
هل تراها اذن الكلمات او الخطابة اليوم كما لو انها تصوغ هذا السطر او التوقيع الأخير , في ذيل حرب توشك على الانتهاء بنصر يلوح غده في افق جديد؟ وكان بحق فصل الخطاب فأما أن ينعم شعبي بالحرية والكرامة والاستقلال والامن وينصرف الاحتلال , او هي الفرصة الأخيرة لينعم العالم بالسلام , وهذه هي الكلمة التي كان ينتظر قولها الجميع .