«قتل مهاجر إفريقي من أريتيريا ظنا من عناصر الأمن والجمهور انه منفذ العملية في بئر السبع».
«شرطي إسرائيلي يقتل إسرائيليا ظنا منه انه عربي في بات يام»، «قتل الفتى معتز عويسات (16 عاما) في جبل المكبر وكان يحمل حقيبته وهو يضحك، وزعمت الشرطة ان الفتى حاول طعن احد عناصرها»، «إسراء عابد تعرضت لوابل من الرصاص في محطة الحافلات في العفولة، لم تحاول المس بالمسافرين في الحافلة ولا المس بأحد بعد نزولها»، وكذلك الحال بالنسبة «لإطلاق النار على الطفل احمد مناصرة وإطلاق النار على الشاب فادي علون والشاب باسل سدر في القدس ودهس الفتاة قرب مخيم العروب، وقتل الشاب محمد عوض القواسمي».
واقع الحال ان 44 شهيدا فلسطينيا سقطوا، يندرج معظمهم بحسب تقارير المنظمات الحقوقية الإسرائيلية والعربية تحت مسمى، إعدامات خارج القانون، بمعزل عن التهديد المباشر لحياة الجنود والمستوطنين، وإطلاق النار لم يكن بهدف منع خطر، حيث لا يجوز استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى.
صحيح، هناك استهداف من شبان فلسطينيين لجنود ومستوطنين بالسكاكين، وكان يمكن اعتقال المنفذين أثناء وبعد التنفيذ في معظم الحالات كما تقول تقارير المنظمات الحقوقية، والاهم كانت ظاهرة الهجوم بالسكاكين والاحتجاجات والانفجارات المتواصلة تستدعي التوقف عند أسبابها ومطالبها قبل كل شيء، غير ان تعامي الحكومة الإسرائيلية عن الأسباب والمطالب والإمعان في تجاهل ابسط الحقوق الفلسطينية، والإمعان في اعتماد سياسة غطرسة القوة، أدى الى تقديم حل واحد واستجابة واحدة هي سياسة الإعدام الميداني والعقوبات الجماعية كإغلاق الأحياء وهدم منازل ونشر الحواجز وإغلاق الطرق وفرض ضرائب، ووضع مدينة القدس في قبضة أمنية محكمة، تلك السياسة التي كان من نتائجها يد خفيفة على الزناد وإطلاق النار على المواطنين لمجرد شبهة او جزع أو تخَيُّل، والسماح للمستوطنين الفاشيين بالتسلح، وتعرض المحتجين السلميين للاستهداف، وارتفاع عدد الشهداء والجرحى والمعتقلين بوتائر متسارعة، وفصل العمال الفلسطينيين من مناطق الـ 48 عن العمل، وامتناع العمال المقدسيين من الذهاب الى أماكن عملهم، وتشويش الدراسة للتلاميذ المقدسيين في المدارس القريبة من نقاط الاحتكاك.
تهويل حكومة نتنياهو للمخاطر، وتساوق المعارضة الإسرائيلية مع خطاب الحكومة، اقنع كل إسرائيلي أن امنه مهدد بالخطر، وكان من نتيجته اعتماد الكتلة الأكبر من المجتمع الإسرائيلي لسياسة عدائية من الشعب الفلسطيني بما في ذلك الجزء في مناطق الـ 48، وعرض المشكلة باعتبارها مشكلة تهديد الأمن الإسرائيلي، وعمل كل شيء من اجل إعادة الأمن للإسرائيليين، انها سياسة قلب وتحويل الحقائق التي يبرع بها نتنياهو، سياسة تسويق المواقف لدول كبرى لم تتورع يوما عن الانحياز للسياسة الإسرائيلية بكل تلاوينها، والذريعة التي تقدم دائما: «يحق لاسرائيل الدفاع عن مواطنيها»، وسياسة تحميل الشعب الفلسطيني المسؤولية الكاملة عن الاعتراض والاحتجاج والانتفاض، وسياسة ابتزاز السلطة وتقريعها ومطالبتها التجاوب والانسجام مع متطلبات الأمن الإسرائيلي وما لم تفعل ذلك ستقع تحت طائلة اشد أنواع العقاب.
لا جديد في الموقف الإسرائيلي ولا جديد في موقف أصدقاء إسرائيل الكثر، ولا في تحول المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف القومي والديني، ولن تتغير تلك المواقف، بمعزل عن تغيير في الواقع الفلسطيني وامتداداته العربية والدولية. والتغيير يبدأ بعدم الانجرار الى مربع الأمن الإسرائيلي، وتحويل الاحتجاج العفوي الى نضال منظم يطرح مطالب ملموسة، بدلا من يوم غضب ويوم مواجهة، فلماذا لا تحدد عناصر المسار البديل لمسار أوسلو، أي عناصر الحل الذي يقبل به الشعب الفلسطيني، وبرنامج الحد الأدنى الوطني القابل للتحقيق بالنضال والذي يتضمن:
• دولة في حدود الرابع من حزيران عاصمتها مدينة القدس مع إزالة المستوطنات أو تفريغها من المستوطنين، وإزالة جدار الفصل العنصري، وضمان تطبيق قرار 194 – الخاص بقضية اللاجئين.
• التحفظ على كل التنازلات الفلسطينية من طرف واحد في اتفاق أوسلو واعتبارها غير ملزمة للشعب الفلسطيني.
• مطالبة الأردن ومصر بإعادة فتح الاتفاقيتين الموقعتين مع إسرائيل وربطهما بحل القضية الفلسطينية، وعدم فصل حل المسألة الوطنية في بلدان الطوق المحيطة بفلسطين عن حل المسألة الوطنية الفلسطينية وما يستدعيه ذلك من إعادة بناء التحالفات العربية بما يخدم النضال المشترك.
• وضع واعتماد عقد وطني اجتماعي يشكل الأساس الراسخ لبناء وحدة وطنية فلسطينية تضم كل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وتجدد المؤسسة الفلسطينية (م.ت.ف)، وتعيد النظر في مؤسسات وعمل السلطة.
ما يهم في الاندفاع الثوري للشبان والشابات سواء جاء في صيغة هبة او انتفاضة او ثورة، أن يرتبط بأهداف سياسية وأهداف مطلبية وتعديلات بالبنية، وما يهم اكثر ان يضع آلية للاستمرار ولاستقطاب ومشاركة مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية.
الشكل الرئيسي قد يكون الاحتجاج الشعبي الواسع في مراكز المدن والقرى والمخيمات ومواقع التماس ومراكز الأمم المتحدة وممثليات الدول، يتم فيه عرض المطالب عبر نداءات للشعوب العربية والشعوب الصديقة يدعوها للضغط على المصالح الحيوية الأميركية في المنطقة العربية، ونداءات لمقاطعة ومعاقبة إسرائيل، والدفاع عن الأرض بالمشاركة الواسعة في قطف الزيتون وفي الزراعة وفي الاستثمار في المناطق المهددة، وتحديد فعاليات لتطبيق قرار المحكمة الدولية القاضي بإزالة جدار الفصل العنصري، وفعاليات للإفراج عن الأسرى في سجون الاحتلال، وفعاليات لإعادة فتح مؤسسات القدس كبيت الشرق وجمعية الدراسات وغيرها، وفعاليات لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب بحق أبناء الشعب الفلسطيني بأثر رجعي، وهناك أهمية لإعادة تنظيم الموارد من داخل المجتمع كبديل للمساعدات المشروطة وسياسة الريع وعلاقات التبعية التي كرسها اتفاق باريس الاقتصادي.
وفي هذه اللحظة المحتدمة من الصراع يكتسب بناء تحالفات مع شخصيات ومؤسسات وقوى إسرائيلية، تعترف بالحقوق الفلسطينية المشروعة، وتؤيد النضال المشترك ضد الاحتلال والاستيطان والكولونيالية والعنصرية.
الخروج من مسار قاد الى أزمة وتشوهات وانسداد، والعودة الى مسار حركة تحرر وطني مسألة صعبة ومعقدة وتحتاج الى مدى زمني طويل، تحتاج الى تحويل رد الفعل الى فعل، ومن الارتجال الى التخطيط، ومن تكرار الأخطاء الى تجاوزها، ومن الخضوع للابتزاز او للمقامرات الى التأني والثقة والتفوق الأخلاقي والمعنوي والسياسي.
Mohanned_t@yahoo.com


