خبر : الانتفاضة الثالثة .. الحصاد الذي لن يتأخر في القدوم ...حسين حجازي

السبت 17 أكتوبر 2015 11:11 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الانتفاضة الثالثة .. الحصاد الذي لن يتأخر في القدوم ...حسين حجازي




حسنا أيها السيد الرئيس، كان يجب ان تخرج في هذا التوقيت وتلقي كلمة الى شعبك، لتقول له انك معه في هذه الصيحة التي اطلقها، ولكي ما توضع النقاط على الحروف للقاصي والداني ولتكن هذه الرسالة واضحة للعدو، بأن ما تفعله لن يفت في عضدنا ونحن لها. ولكن أيضا لتغلق الفراغات التي يتسلل منها العدو في مواصلة هذا النوع الذي اعتاده من فبركة الإشاعات الإعلامية وإلقائها على قارعة الطريق، وثمة بيننا للأسف من يتلقفها لمواصلة هذا الاشتباك الكلامي وأخذنا وأخذ الشعب الى مكان آخر.
كان يجب في هذه الذروة الأخرى من الاشتباك المتطاول مع العدو ان ترد على تفوهات هذا الرجل دون ان تذكر اسمه، وكأنك تربأ بنفسك عن ذكر اسمه وقد وصفه عرفات مرة بالسياسي "الغر" حين فجر أمامه انتفاضة النفق في العام 1996 وهو الذي لم يتعلم.
لقد تم شراء انتفاضة النفق في هذه البروفة الأولى في اختبار القوة والإرادة باتفاقية واي ريفر، وانسحاب الرجل من الخليل في صورة رمزية تضم الرئيس بيل كلينتون والعاهل الأردني الراحل الملك حسين الى جانب عرفات، وهذا الرجل نفسه بنيامين نتنياهو. وقد يكون سهلا كما قال ذلك الإمبراطور الروماني ان تشتري الثورة في المرة الأولى ولكن في المرة الثانية فإن الثمن الذي ستدفعه لإخمادها سوف يكون باهظاً.
ها نحن في الواقع في الحديث عن الثمن، والثمن هذه المرة ليس الخليل ولا غزة في الأطراف، وقد كان سهلا في المرات السابقة وانما اليوم هو في قلب المعادلة أي في القدس التي تحسم فيها وفي الصراع عليها كفة الميزان، كما تتحقق التسوية والسلام المشرف منها باعتبارها درة المكان.
من أراد ان يعرف الى أين ذاهبة هذه الانتفاضة، فعليه ان يقرأ هذه السيرورة التي تبدأ وتنتهي في هذا المكان، وحيث فشلت مفاوضات عرفات وإيهود باراك في كامب ديفيد واندلعت الانتفاضة الثانية من الخلاف على ملكية هذا المكان، وحين جاءت مرة أخرى لحظة الحقيقة فهل لديكم أي شك ان من كان يتحدث في الأمم المتحدة قبل أسبوعين ومساء يوم الأربعاء الفائت، انما هو محمود عباس خليفة عرفات، ولكن روح عرفات كانت تحوم في السقف.
ومن الناحية الواقعية والصياغة فقد كان هذا الخطاب اكثر تجردا ووضوحا ونزعة قتالية صريحة، من غموض ورمزية وتورية جمل عرفات. فهذا هو نحن وهذه هي شروطنا للسلام، وسوف ندافع عن انفسنا وعن شعبنا ولن ترعبنا القوة الغاشمة ولا هذه التصريحات الخرقاء.
هذا رجل يدرك مدى القوة التي يقف عليها الآن ومدى الضعف والمأزق بل والذعر الذي يحيط بموقف عدوه وخصمه، والا هل الشعب الفلسطيني العظيم غافل عن إدراك حقيقة ان كل ما يقوم به عدوه من إجراءات عقابية حمقاء، انما تخفي وراءها هذا العجز والشعور بالهزيمة.
ان النصر انما يقرأ من جنون الاستيطان الفاشي الفرنسي في الجزائر قبل رحيله، وكذا هو القصف البساطي الأميركي من طائرات بي52 العملاقة العام 1975 على فيتنام، وهو الذي يتخذ هنا شكل العقوبات الجماعية بهدم البيوت واحتجاز جثث الشهداء والإعدامات للأطفال العشوائية، والشبان والفتيات وتسليح المستوطنين وأوامر القتل المغطاة من لدن حكومة رسمية.
إن جميع المحتلين والمستعمرين يسيرون على نفس النسق ولكن باختلاف التفاصيل، وان جميعهم مرضى نفسيون. ولذا لا يجب ان نعير بالا او اهتماما لأخطاء العدو او أوهامه، بعد ان وصلنا نحن انفسنا وقد مررنا بكل هذه التجارب والحروب الى هذا القطع المعرفي او الابستمولوجي. الذي تحررنا من خلاله من وهمنا نحن بشأن هذا التفوق او التميز الثقافي والحضاري، الذي كانه العدو في البداية. وحيث لا نواجه اليوم قادة ورجال ليقودوه أمثال رابين ودايان بل وشمعون بيريس، وانما أشخاصا من قماشة أخرى مغايرة اقل ما يمكن وصفهم به انهم منفصلون عن الواقع.
ليس سوى هذه الأزمان واللحظات الثورية او الحربية ما يحيل الصراع المتجرد الى لحظة من الكشف المعرفي، فهل تحققنا الآن وللمرة المئة من مكنون طاقتنا وقوتنا، التي كانت دوما كامنة ومستترة وغير مرئية ومخادعة خلف ما يبدو عليه ضعفنا؟ وانه كفى هراء وثرثرة في هذا الوقت عن انقسامنا الذي لم يعد مرئيا الا كذريعة على لسان بعض الثرثارين لحرف الشعب عن بوصلته. وقد عرف الشعب طريقه، وقد كان الشعب وهو يأخذ مبادرته يطفو فوق كل أسباب الانقسام ويعلو عليها.
هذه لحظة لكي نتعلم ونعلم انفسنا لنقول كفى لهذا الأداء والخطاب الإعلامي الذي يستسهل بلع التسريبات الإعلامية من لدن العدو الماكر، لنقل الشقاق والمعركة الى داخلنا ويضرب وحدة تلاحمنا السيكولوجي، فهل لو كان موقف الرئيس متخاذلا وكان ثمة تنسيق امني حقيقي لمنع الشعب من الخروج والتظاهر كنا سنرى هذا الزخم الشعبي؟ وهل كان موقف الرئيس وموقفنا سيكون بهذه القوة؟.
أحسنت أيها العدو الغبي في صب جام غضبك على من تدرك حقيقة انه الرئيس الذي يمثل شعبه، وقال مرة شمعون بيريس العاقل: يا جماعة كبروا عقولكم فليس عرفات هو المشكلة وانما شعبه. وهم اليوم يعيدون تكرار ما حدث مع عرفات مع أبو مازن، وكأنهم لا يتعلمون شيئا تماما كما لا يتعلم بعض الناعقين والنواحين عندنا أي شيء.
لهذا كان الخطاب مهما في هذا التوقيت، فهل وصلت الرسالة؟ هيا بنا اذن الى الرسائل الحقيقية هذه المرة التي يتم تبادلها، وليس الرسائل السرية المفبركة. فهذا هو جون كيري يعود وهو الذي ينقل الرسالة وذلك في الوقت الذي تصدر فيه الإدارة الأميركية موقفا يثير غضب نتنياهو وحكومته، وبحيث يبدو من صياغة هذا الموقف وكأن الحساب المؤجل او الثأر بين هذه الإدارة ونتنياهو قد حان موعده.
هذه لحظة من اختبار القوة او دغدغة الرقبة لن تطول في توقيتها، وقد كانت لحظة من الكشف المعرفي التي تعادل في قصرها كل حروب الفلسطينيين والإسرائيليين الماضية وتعيد اختزالها. لحظة من الكشف هذه المرة وربما لأول مرة بالنسبة للإسرائيلي العادي والمستوطن على حد سواء، بينما كانوا يخططون لإقامة الدولة الملحق أو الثانية. وبرأيي إن هذا هو أهم إنجاز تحققه هذه الانتفاضة على طريقة كي الوعي الخاطف والسريع. ولذا هل حان الوقت للانتقال الى المرحلة الثانية التي هي قطف ثمار الاستثمار السياسي الكبير؟